رأي وحوار

إنترنت لكل البشر عام 2020

بقلم: ثائر سوقار، مدير الاستراتيجيات الرقمية في قناة سكاي نيوز عربية

“كل شخص يستخدم الإنترنت يقابله شخصان لا يستخدمانها. ومع نهاية العقد الجاري، سيتصل كل من على الأرض بالإنترنت”. ظهر هذا التعليق في أبريل الماضي على صفحة جوجل بلس الخاصة بالرئيس التنفيذي لشركة جوجل إيريك شميت، الذي أضاف: “تأملوا روعة الإنترنت الآن مع مليارين من المستخدمين، ثم تخيلوا كم ستغدو أروع عندما يناهز عدد مستخدميها الخمسة مليارات مستخدم”.

أقل ما يمكن قوله إن كلمات شميت فيها بعض المبالغة والمغالاة، وإنه من المستحيل أن تتحقق مقولته بحذافيرها، إلا أن تصريحه يتسق بلا شك مع أسلوب تفكير جوجل الفريد، الأسلوب الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه، وجعلها إحدى أكبر الشركات وأكثرها قدرة على الإبداع والتطوير في العالم.

والأهم من ذلك أن شميت ما كان ليطلق ذاك التصريح القوي ما لم يكن مستندًا فيه إلى معلومات معينة بحكم كونه أحد أهم رواد “وادي السيليكون”. أغلب الظن أنه مطلع على مشاريع وخطط جعلته يقول ما قاله. ولكن تبقى عبارة “كل من على الأرض” صعبة المنال، فهناك ملايين البشر في أفريقيا لا يجدون ما يسد رمقهم ويسكت جوعهم، وأناس في أميركا الجنوبية لم يسمعوا بالتكنولوجيا بعد، إلا إذا كان شميت يقصد في عبارته ايصال الإنترنت لجميع سكان العالم من حيث توفر الخدمة بغض النظر عن قدرتهم على استخدامها.

دعونا نبحث قليلًا في إمكانية تحول رؤية شميت المثيرة للاهتمام إلى واقع معاش خلال سبع سنوات من الآن على حد تعبيره.

لم تخف جوجل يومًا نيتها وسعيها الدائمين إلى توفير خدمات الإنترنت لأكبر شريحة ممكنة من البشر في شتى بقاع الأرض. وتشير تقارير عدة إلى أنها تعمل بالفعل على تطوير شبكات لاسلكية في شبه الصحراء الأفريقية وجنوب شرقي آسيا اعتمادًا على مجموعة حلول تتضمن شبكة “الفراغات البيض” White-Space Network أو “السوبر واي فاي” كما يحلو للبعض تسميتها، وتقنية أخرى مميزة تتمثل في مناطيد ترسل إشارات لاسلكية، إضافة طبعًا إلى تقنية الإنترنت الفضائي.

وتفيد مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار داخل عملاق الإنترنت بأن جوجل ترمي إلى بناء ونشر شبكات لاسلكية في الأسواق الناشئة في إطار خطة تهدف إلى تمكين مليار شخص إضافي من الاتصال بالإنترنت.

توفر جوجل حاليًا الإنترنت اللاسلكي في جنوب أفريقيا ومناطق أخرى عبر تكنولوجيا “الفراغات البيض بين موجات البث التلفزيوني”، ومن المنطقي أن تفكر في توسيع جهودها في هذا السياق، وربما يكون الإنترنت الفضائي خيارًا آخرًا يناسب بعض المناطق الريفية النائية التي لا تتوفر فيها البنى التحتية اللازمة.

تعتمد تكنولوجيا “الفراغات البيض” على ترددات أقنية التلفزيون غير المستخدمة على موجة “يو إتش إف” UHF الواقعة ضمن طيف الموجات التي لا تحتاج إلى ترخيص لاستخدامها، أي أنها غير مملوكة لأية شركة اتصالات. ومن المتوقع أن تنتشر هذه التكنولوجيا خلال العام الجاري في إطار مشروع يدعى air.u، ويلقى دعمًا كبيرًا من عملاقي الإنترنت: جوجل ومايكروسوفت. ومن شأن هذه التقنية تعويض النقص في تقنية “واي فاي” التي لا يتعدى مداها المائة متر، فيما يصل مدى تقنية “الفراغات البيض” إلى 160 كيلومتراً. كما تتميز بعدم تأثرها بالحواجز مثل الأبنية والأشجار.

وتعمل كل من مايكروسوفت وجوجل مع هيئات تنظيم الاتصالات في كينيا وجنوب أفريقيا لاعتماد تكنولوجيا “الفراغات البيض” بغية توفير الإنترنت في الأماكن الريفية النائية وإزالة الحواجز التي تقف عائقاً أمام المهتمين في توفير خدمات الإنترنت هناك. وتقوم كل من الشركتين بتمويل مشاريع لإنشاء واختبار شبكات لاسلكية تعمل عبر موجات البث التلفزيوني في الولايات المتحدة وخارجها.

غير أن الاستفادة من هذه التكنولوجيا تتطلب إجراء تغييرات في الأجهزة المحمولة عمومًا، والرقاقات الإلكترونية المشغلة لها، الأمر الذي دفع بعض الشركات، مثل تكساس إنسترومنتس المختصة بصناعات الشرائح الإلكترونية، إلى الشروع في إنتاج معدات تدعم “الفراغات البيض”.

وتبحث جوجل كذلك سبل التعاون مع شركات الاتصالات المحلية ومزودي المعدات في بعض الأسواق الناشئة من أجل تطوير هذه الشبكات، إضافة إلى إنشاء نماذج أعمال تدعمها. وتجري في الوقت نفسه مباحثات مع الهيئات المنظمة للاتصالات في بلدان مثل جنوب أفريقيا وكينيا للسماح لها باستخدام موجات البث التلفزيوني. ومن المتوقع أن تبصر جهودها النور خلال السنوات القليلة المقبلة.

أما بالنسبة لاستخدام المناطيد فقد رفضت جوجل التعليق بحجة أنها لا تعلق عادة على الشائعات والتخمينات. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال نشرت تقريرًا في أبريل الماضي ذكرت فيه أن جوجل طوّرت مناطيد خاصة قادرة على نقل الإشارات اللاسلكية لمنطقة تبلغ مساحتها مئات الأميال المربعة.

ولعل ما يجعل هذه الشائعة قابلة للتصديق أن التقنية بحد ذاتها قابلة للتطبيق، بل إنها استخدمت من قبل في أنواع متعددة من الاتصالات اللاسلكية، جلّها كان لأغراض عسكرية. وأكد أكثر من مهندس اتصالات وشبكات بأن استخدام المناطيد في نشر الإنترنت اللاسلكي ممكن. وقبل عقدين من الزمن استخدمت الولايات المتحدة الأميركية تقنية تعتمد على المناطيد أطلقت من خلالها بروباغندا ضد الرئيس الكوبي آنذاك كاسترو بثتها إلى كوبا عبر محطة تلفزيونية مدعومة من الحكومة الأميركية اسمها “تلفزيون مارتي”. وكان المنطاد حينها مقيدًا بالأرض عبر كيبل طوله 10 آلاف قدم.

وبعيداً عن المجالات العسكرية، تجري شركة Oceus Networks مباحثات مع لجنة الاتصالات الفدرالية FCC حول إمكانية استخدام مناطيد عالية التحليق لإيصال إشارات الجيل الرابع LTE إلى عمال الإغاثة والطوارئ في المناطق المنكوبة.

وعلى ما يبدو فإن هدف جوجل يتمثل في ايصال الإنترنت إلى من يعيش خارج المدن الكبيرة، معتمدة في ذلك على مزيج من الترددات المستخدمة في البث التلفزيوني، ومناطيد خاصة تعمل عبر ترددات أخرى، وربما تضيف إليها أيضًا تقنيات البث الفضائي. أي أنها لن تعتمد على تكنولوجيا واحدة من أجل تحقيق هدفها، بل ستتبنى مجموعة خيارات لتحقيق أكبر انتشار ممكن في مختلف البلدان والأسواق.

أما الأسباب التي تقف وراء حماسة جوجل الشديدة إزاء تعزيز قاعدة مستخدمي الإنترنت حول العالم ، فربما تكون جلية ومنطقية. باختصار، المزيد من مستخدمي الإنترنت يعني مزيدًا من المستخدمين لمحرك البحث الشهير الخاص به وخدماتها الأخرى مثل جيميل و يوتيوب وجوجل بلاي وجوجل بلس. ونمو مستخدمي الإنترنت يعني نموًا لسوق الإعلانات على الإنترنت التي تشكل أكثر من 85% من عائدات جوجل البالغة 50 مليار دولار في السنة. ويبقى أن نشير إلى أن نسبة من لا يستخدم الإنترنت اليوم تصل إلى ثلثي سكان العالم، معظمهم في البلدان النامية.

ومن ناحية ثانية، فإن الشبكات اللاسلكية التي تسعى جوجل لإنشائها وإتاحة استخدامها يمكن أن تساعدها في الالتفاف على شركات الاتصالات التي تمارس ضغوطا كبيرة عليها، خصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا، وتصطدم معها بذريعة أن جوجل تجني أرباحًا طائلًة على ظهر شبكاتها، على حد تعبير شركات الاتصالات. ولطالما أثارت تلك الضغوط مخاوف جوجل وقلقها من إمكانية تأثيرها على خدمات الويب التي تقدمها عبر شبكات تلك الشركات.

واتخذت جوجل خطوات عملية في ذلك الاتجاه، إذ نشرت كابلات ألياف بصرية لايصال الإنترنت السريع والفيديو إلى المنازل في ولاية كانساس، وتخطط لفعل الشيء ذاته في ولايات أخرى مثل ميزوري وتكساس ويوتا وغيرها. وتخطط كذلك لإطلاق شبكات “واي فاي” عالية الأداء في تلك الأسواق لتتيح للجميع استخدام الأجهزة المحمولة للاتصال بالإنترنت في الأماكن العامة.

وفي السياق نفسه، تدعم جوجل مشروعًا اسمه “خبراء بلا حدود” Geeks Without Frontiers، وهو عبارة عن مجموعة غير ربحية أسست منذ عشر سنوات، تتبرع بأجهزة كمبيوتر ومعدات تكنولوجية إلى سكان المناطق الفقيرة حول العالم. وينصب تركيزها حاليًا على المكسيك، وأميركا الوسطى، وأفريقيا. وتتلخص مهمتها في ايصال الإنترنت اللاسلكية إلى الأماكن التي لا تتوفر فيها الإنترنت السلكية التقليدية.

ومن جانبها تدعم سامسونغ مشروعًا مميزًا يتمثل في تحويل حاويات الشحن القديمة إلى قاعات دراسية مزودة بخدمات الإنترنت، وتعمل بالطاقة الشمسية، لتنشرها بعد ذلك في أماكن متفرقة من البلدان الأفريقية.

وتعوّل جوجل كثيرًا على انتشار الأجهزة المحمولة و”الموبايل ويب” من أجل تحقيق أهدافها. ففي أفريقيا على سبيل المثال، يفوق مستخدمو الهواتف المحمولة مستخدمي الكهرباء من حيث العدد. وفي جنوب أفريقيا، تقول جوجل إن 25% من عمليات البحث على الإنترنت خلال أيام العمل تتم عبر أجهزة محمولة، فيما ترتفع النسبة إلى 65% خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وحري بالذكر أن اليوم الواحد يشهد تفعيل أكثر من مليون ونصف المليون جهاز محمول يعمل بنظام أندرويد الذي تملكه جوجل وتدعمه. وتلعب الشركة دورًا مهمًا في توفير هواتف ذكية منخفضة التكلفة قادرة على الاتصال بالإنترنت، وتعمل بنظام تشغيلها الشهير الذي ساعدها على تخطي آبل في سوق الهواتف الذكية بحصة بلغت 53٪ هذا العام مقابل 36٪ لآبل.

وتجدر الإشارة في الختام إلى أن شميت طرح حديثًا كتابه الجديد “العصر الرقمي الجديد”The New Digital Age ، بعنوان فرعي لافت: “إعادة تشكيل مستقبل الشعوب والأمم والأعمال”. ويطرح الكتاب- الذي شارك في كتابته جاريد كوهين مدير الأفكار لدى جوجل- تساؤلات مهمة عن التحولات التي قد تطرأ على العالم إذا ما وصل عدد مستخدمي الإنترنت فيه إلى خمسة مليارات مستخدم، وما قد يترتب على ذلك من آثار اجتماعية وسياسية واقتصادية، وذلك في ظل استمرار تدفق الأجهزة الحديثة وانخفاض كلفة خدمات الويب وانفتاح العالم على بعضه انفتاحًا غير مسبوق. يقع الكتاب في 300 صفحة زاخرة بالأفكار المهمة عن مستقبل العالم في ظل الطفرة الرقمية.

زر الذهاب إلى الأعلى