دراسات وتقاريرمنوعات تقنيةنصائح تكنولوجية

أبرز التوجهات الحالية التي تشكل مجال الرعاية الصحية

تُعد جائحة فيروس كورونا (COVID-19) أكبر اختبار شهدته أنظمة الرعاية الصحية العالمية الحديثة على الإطلاق، فقد كشفت عن مشكلات عديدة، وأوجه من عدم المساواة، وقضايا نظامية، كما تركت العديد من الأنظمة مشوهة وتكافح من أجل التعافي.

ولكنها أظهرت أيضًا فعالية طرق العمل الجديدة والأدوات الرقمية لمواجهة بعض التحديات التي تواجه المجال، بالإضافة إلى ذلك؛ فقد سمحت بالابتكار في تطوير العلوم والأدوية وتوزيعها وتسليمها.

ومن المقرر أن تستمر التحديات التي يواجهها قطاع الصحة والرعاية الصحية العالمي في المستقبل، وتشمل القضايا على المدى القريب تدهور الصحة العقلية، ونقص القوى العاملة، وقضايا سلاسل التوريد والتحديات المتعلقة بتغير المناخ وعدم استقرار الاقتصاد العالمي.

بينما تشمل التحديات الطويلة الأجل الطلب المتزايد على الخدمات، وزيادة فجوة التمويل، ونقص الحوافز للابتكار، واتساع الفوارق في الصحة بشكل عام، والوصول المتغير إلى العلاجات المتقدمة.

ولا شك أن هذه التحديات معقدة ومترابطة، وقد جعلت إعادة تشكيل أنظمة الرعاية الصحية للتعامل معها مصدر قلق عالمي، لذلك تناول المنتدى الاقتصادي العالمي خلال هذا الشهر هذه القضية الرئيسية لتحديد رؤية مشتركة للصحة والرعاية الصحية بحلول عام 2035.

وقد أشار التقرير الجديد الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن أنظمة الرعاية الصحية المستقبلية ستستفيد من التشخيص والعلاج المحسنين، بالإضافة إلى المساعدة من خلال الأدوات الرقمية والذكاء الاصطناعي.

وقد خلص التقرير إلى أن حلولًا مثل: نماذج البيانات الضخمة، والنماذج التنبئية، والأجهزة القابلة للارتداء، والرعاية الصحية عن بُعد ومجموعة كبيرة من المنصات والتطبيقات الجديدة يمكن أن تقلل من تكاليف الرعاية الصحية وتحسن الوصول والنتائج والكفاءة بشكل منصف.

وفيما يلي أبرز التوجهات العالمية الحالية التي تُشكل مجال الرعاية الصحية والتي نحتاج إلى مواجهتها بهدف تحويل الأنظمة لتصبح أكثر استدامة ومرونة وإنصافًا:

1- زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية والاستثمار:

تشير التقارير إلى أن الإنفاق العالمي على الرعاية الصحية قد نما بأكثر من 40% بين عامي 2018 و 2022، ليصل إلى 12 تريليون دولار.

وفي الوقت نفسه؛ وصلت استثمارات الرعاية الصحية أيضًا إلى مستويات قياسية في السنوات الأخيرة، مع الاهتمام بمجالات مثل: العلاج المناعي الجيني ولقاحات (mRNA) الجديدة لأمراض مثل: زيكا والملاريا.

2- التقدم العلمي:

إلى جانب هذا الاستثمار المتزايد في المجال؛ نشهد أيضًا تقدمًا في علاج الأمراض وتشخيصها، إذ يتزايد استخدام الطب الدقيق والمؤشرات الحيوية، فعلى سبيل المثال نجد أن التقدم في (الخزعات السائلة) liquid biopsies يغير كيفية اكتشاف السرطان.

تُعد الخزعات السائلة اكتشافًا ثوريًا جديدًا في رحلة الكشف المبكر عن السرطان، فهي عبارة عن اختبار معملي يُجرى على عينة من الدم للبحث عن الخلايا السرطانية أو جزيئات أخرى تطلقها الخلايا السرطانية في جسم الشخص، مما يساعد الأطباء على فهم نوع التغييرات الجينية أو الجزيئية التي تحدث في الورم، واكتشافه في المراحل الأولية.

3- الابتكار الرقمي والذكاء الاصطناعي:

أدت جائحة كورونا إلى حدوث تطور رقمي سريع في قطاع الرعاية الصحية، كما هو الحال مع القطاعات الأخرى، ففي عام 2021؛ تضاعفت الاستثمارات الرقمية في قطاع الرعاية الصحية تقريبًا لتصل إلى 57 مليار دولار، مع التركيز على الرعاية الصحية عن بُعد والصحة العقلية، وركزت شركات التكنولوجيا بشكل أكبر في الرعاية الصحية، بينما تنمو الشركات الناشئة في مجال الصحة الرقمية بسرعة.

كما يوجد اهتمام متزايد بالبيانات، إذ يتيح جمع البيانات وتحليلها بطرق احترافية الوصول إلى رؤى أكثر استنارة وتنبؤات دقيقة، مما يساعد في تحسين النتائج.

وفي الوقت نفسه؛ يُستخدم الذكاء الاصطناعي لدعم مجالات تشمل: التشخيص، والقرارات السريرية، والمراقبة والعلاج، وسير العمل، كما أن التصوير الطبي بمساعدة الذكاء الاصطناعي قيد الاستخدام بالفعل، وتستكشف العديد من شركات الأدوية كيفية تطوير الأدوية بمساعدة الذكاء الاصطناعي.

4- نماذج الرعاية البديلة:

لقد أظهرت الجائحة أيضًا مدى أهمية وقوة توفير الرعاية خارج المستشفيات؛ في المنازل والمجتمعات، لذلك من المتوقع أن يتجاوز النمو في الإنفاق على توفير الرعاية الصحية في المنزل الإنفاق على الرعاية الصحية في جميع المجالات الأخرى تقريبًا.

على سبيل المثال: سيُستخدم هذا الاستثمار لتعزيز التشخيصات المنزلية، وأنظمة توصيل الأدوية للمنازل، وأجهزة مراقبة المرضى.

5- اتساع التفاوتات:

سلطت الجائحة الضوء على تفاوتات كبيرة في تغطية الرعاية الصحية، لا سيما النساء والأطفال والمراهقين، وقد تأثرت البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بشكل خاص بانقطاع خدمات الرعاية الصحية الأساسية.

لذلك يحتاج توفير الرعاية الصحية في المستقبل إلى التركيز في سد هذه الثغرات وجعل الرعاية الصحية ميسورة التكلفة ومتاحة للجميع.

6- نقص العاملين في مجال الرعاية الصحية وتزايد معدلات الإرهاق:

أثرت الجائحة للغاية في العاملين في مجال الرعاية الصحية، إذ شكلت عبئًا إضافيًا أُلقى على عبء قوة عاملة مرهقة بالفعل وتعاني من الكثير من المشكلات.

فقد تفاقمت مشكلات الصحة العقلية والإرهاق، مما أدى إلى مغادرة العديد من المهنيين للقطاع، بالإضافة إلى انخفاض معدلات التوظيف.

7- تدهور الصحة النفسية:

تزداد قضية الصحة النفسية المتدهورة سوءًا في المجتمع يومًا بعد يوم، خاصة بعدما قللت الأنظمة إلى حد كبير من أهميتها مقارنة بالصحة البدنية.

وقد أظهرت الجائحة أهمية الاهتمام بالصحة النفسية، فقد تركت العزلة والتوتر وعدم اليقين والخسارة على نطاق واسع أثناء عمليات الإغلاق بصماتها في الكثير من الناس.

8- القضايا الاقتصادية:

لقد أثرت التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي في أنظمة الرعاية الصحية بشكل كبير أيضًا، فقد أدت التوترات الجيوسياسية، وارتفاع أسعار الطاقة، والتضخم، ومشكلات سلاسل التوريد إلى زيادة التكاليف وتدهور نظام الرعاية الصحية.

وفي الوقت نفسه؛ تؤدي المخاوف البيئية وأزمة المناخ إلى تفاقم العديد من الظروف الصحية وانتشار بعض الأمراض، كما صنعت تحديات جديدة فيما يتعلق باستدامة القطاع.

وفي النهاية؛ يتطلب تحويل الرعاية الصحية بإنشاء نظام مناسب للتحديات التي تواجهها الآن وفي المستقبل تعاونًا والكثير من الشراكات الإستراتيجية.

كما حدد المنتدى الاقتصادي العالمي في تقريره أربع ركائز إستراتيجية تجب معالجتها وهي: الوصول العادل والنتائج؛ وتحول أنظمة الرعاية الصحية؛ والتكنولوجيا والابتكار؛ والاستدامة البيئية، ويمكن البدء الآن بهذه الركائز لدعم التغيير المنهجي الطويل الأجل وبناء رعاية صحية أفضل في جميع أنحاء العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى