دراسات وتقاريرمنوعات تقنية

ثورة في تشخيص أمراض الرئة.. الذكاء الاصطناعي يتنبأ بالتدهور قبل أسبوع

يشكل مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD) تهديدًا كبيرًا للصحة العامة، فهو من أخطر الأمراض المزمنة على مستوى العالم، إذ تسبب في وفاة ما وصل إلى 3.5 ملايين شخص في عام 2021 وحده، أي ما يقرب من 5% من إجمالي الوفيات، مما يجعله رابع أكبر سبب للوفاة عالميًا.

لذلك أصبح البحث عن حلول مبتكرة لمكافحة هذا المرض أمرًا مهمًا، وفي هذا السياق، يبرز الذكاء الاصطناعي كأداة واعدة لتحسين التشخيص والعلاج.

ففي إنجاز طبي واعد، استطاع الباحثون تطويع الذكاء الاصطناعي لتوقع نوبات تفاقم أعراض مرض الانسداد الرئوي المزمن قبل أسبوع كامل من حدوثها، من خلال تحليل عينات البول وتحليل نتائجها، وذلك وفقًا للدراسة التي نُشرت في دورية (ERJ Open Research).

ويفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة في مجال الرعاية الصحية، إذ يسمح للمرضى وأطبائهم باتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب المضاعفات الخطيرة.

ولكن كيف تمكنت خوارزميات الذكاء الاصطناعي من التنبؤ بتفاقم أعراض مرض الانسداد الرئوي المزمن، وما تأثير هذا الإنجاز في الرعاية الصحية؟

الذكاء الاصطناعي والتنبؤ بالأمراض:

أجرى الدراسة البروفيسور كريس برايتلينج من جامعة ليستر في المملكة المتحدة، وهي جزء من مركز ليستر للأبحاث الطبية الحيوية التابع للمعهد الوطني للصحة والرعاية الاجتماعية، بهدف تحسين حياة مرضى الانسداد الرئوي المزمن، إذ إن التعامل مع نوبات المرض الحادة يمثل عبئًا كبيرًا على هؤلاء المرضى، لذلك سعى البروفيسور برايتلينج وفريقه إلى تطوير أداة تساعد في التنبؤ بهذه النوبات سابقًا، مما يتيح التدخل العلاجي المناسب قبل تفاقم الحالة.

وخلال الدراسة، أجرى المرضى اختبارًا بسيطًا يوميًا باستخدام شرائط اختبار البول، ثم أرسلوا نتائجهم عبر هواتفهم المحمولة إلى الباحثين.

وقد بدأ الباحثون بتحليل عينات البول من مجموعة من 55 شخصًا مصابين بمرض الانسداد الرئوي المزمن، وذلك بهدف تحديد التغيرات التي تظهر قبل تفاقم الأعراض، و​​ساعدهم ذلك في تحديد مجموعة من المؤشرات الحيوية، التي تشمل البروتينات، أو الجزيئات الكيميائية، والتي تميل إلى التغيير عندما يتفاقم مرض الانسداد الرئوي المزمن.

ثم استخدم الباحثون نوعًا من الذكاء الاصطناعي يُسمى (الشبكة العصبية الاصطناعية)، للبحث عن تغييرات في مستويات هذه المؤشرات الحيوية والتنبؤ بموعد تعرض المريض لتفاقم أعراض مرض الانسداد الرئوي المزمن. وأظهرت النتائج أن الذكاء الاصطناعي قادر على التنبؤ بتفاقم الأعراض قبل نحو سبعة أيام من ظهورها.

ما تأثير هذا الإنجاز في الرعاية الصحية؟

  • العلاج الاستباقي: يتيح هذا الاكتشاف للمرضى والمتخصصين في الرعاية الصحية اتخاذ إجراءات وقائية قبل حدوث التفاقم، مثل تعديل العلاج أو تجنب المحفزات.
  • تحسين نوعية الحياة: يمكن أن يساعد هذا الاختبار في تقليل عدد مرات دخول المستشفى وتقليل حدة الأعراض، مما يحسن بنحو كبير نوعية حياة مرضى الانسداد الرئوي المزمن.
  • تخصيص الرعاية: يمكن للذكاء الاصطناعي توفير خطط علاج مخصصة لكل مريض بناءً على بياناته الفردية، مما يزيد من فعالية العلاج.
  • تخفيف العبء على النظام الصحي: يمكن تقليل عدد الزيارات إلى المستشفى وتقليل التكاليف المرتبطة بالعلاج.

وقال البروفيسور برايتلينج: “يمثل هذا الاكتشاف خطوة مهمة نحو مستقبل أكثر تخصيصًا في رعاية مرضى الانسداد الرئوي المزمن. فبفضل الذكاء الاصطناعي، يمكننا توقع احتياجات كل مريض بشكل فردي وتقديم العلاج المناسب في الوقت المناسب. هذا يعني أننا نتحرك من مرحلة العلاج التفاعلي إلى مرحلة العلاج الاستباقي، إذ نسعى إلى منع حدوث المشاكل الصحية بدلًا من معالجتها بعد حدوثها”.

كما أكد البروفيسور أبوستولوس بوسيوس، من معهد كارولينسكا في السويد ورئيس جمعية أمراض مجرى الهواء، التابعة للجمعية الأوروبية للجهاز التنفسي، أن هذا الاكتشاف يمثل نقطة تحول في علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن. فمن خلال التنبؤ المبكر بتفاقم الأعراض، يمكننا مساعدة المرضى على تجنب الأيام الصعبة التي تزداد فيها النوبات، والتي قد تؤدي إلى دخول المستشفى. هذا الأمر ليس فقط يحسن نوعية حياة المريض، بل يقلل أيضًا من العبء على الأنظمة الصحية. ومع ذلك، هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لتطوير هذه التقنية وتطبيقها على نطاق واسع.

ما الخطوات التالية؟

يؤكد الباحثون أن هذا الإنجاز يُعدّ خطوة أولى واعدة، وأن هناك حاجة إلى المزيد من الأبحاث لتوسيع نطاق الدراسة وشمول عدد أكبر من المرضى. كما يسعون إلى تطوير الخوارزميات المستخدمة لزيادة دقتها وفعاليتها.

وقد أكد البروفيسور برايتلينج ضرورة مواصلة تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في هذا الاختبار، وذلك من خلال تغذيتها ببيانات أكبر وأشمل عن المرضى. ويهدف هذا التطوير إلى صنع نموذج ذكي قادر على تعرف الحالة الصحية الطبيعية لكل مريض بشكل فردي، مما يتيح التنبؤ الدقيق بأي تغييرات قد تشير إلى تفاقم المرض. ومن ثم يمكن تخصيص خطط العلاج والرعاية لكل مريض بشكل أكثر دقة، مما يساهم في تحسين نتائج العلاج بشكل عام.

الخلاصة:

يشكل اكتشاف قدرة الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بتفاقم مرض الانسداد الرئوي المزمن نقلة نوعية في مجال الرعاية الصحية. فمن خلال السماح بتشخيص مبكر وعلاج استباقي، يمكن تقليل عدد حالات الاستشفاء وتقليل التكاليف المرتبطة بهذا المرض المزمن. وتفتح هذه النتائج الباب أمام تطوير أدوات تشخيصية جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمجموعة واسعة من الأمراض المزمنة.

زر الذهاب إلى الأعلى