نموذج o1 الجديد.. هل وصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى التفكير البشري؟
أطلقت شركة (OpenAI) يوم الجمعة الماضي، أحدث ابتكاراتها في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو النموذج اللغوي الكبير (o1) – الذي كان يُعرف داخليًا باسم مشروع (Strawberry) – والذي لا يكتفي بتقديم إجابات، بل يفكر بعمق قبل أن يقدمها لك.
تخيل أن يكون لديك مساعد شخصي مثل المحقق قادر على التفكير المنطقي المعقد وحل المشكلات المتعددة الخطوات، وذلك بالطريقة نفسها التي يستخدمها العقل البشري، هذا هو بالضبط ما يقدمه لك نموذج (o1).
ولكن كيف يفكر نموذج (o1) الجديد قبل الإجابة، وهل يمكن تحسين جودة استجابة نماذج الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير قدراتها على التفكير، وهل وصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى التفكير البشري فعلًا؟
أولًا، ما نموذج (o1) الجديد من (OpenAI)؟
صممت شركة (OpenAI) نموذج (o1) الجديد للتفوق في مهام التفكير المعقدة، فعلى عكس الإصدارات السابقة، مثل GPT-4، التي دُربت لمحاكاة الأنماط من بياناتها، فإن نموذج (o1) يستند في تدريه إلى نهج جديد يُسمى (التعلم التعزيزي) Reinforcement learning، الذي يتيح له التعلم من خلال التجربة والخطأ، فهو يحل المشكلات خطوة بخطوة، ويقوم بتقييم نتائجه، ويعدل سلوكه بناءً على المكافآت والعقوبات التي يتلقاها، وهذه الطريقة تجعله أقرب إلى التفكير البشري، حيث يتعلم ويتحسن باستمرار.
وقالت الشركة إن نموذج (o1) مُصمم لقضاء المزيد من الوقت في التفكير قبل الرد على استفسارات المستخدم، وباستخدام هذا النموذج، يُفترض أن تكون أدوات (OpenAI) قادرة على حل المشكلات التي يتطلب حلها خطوات متعددة، بما يشمل أسئلة الرياضيات والبرمجة المعقدة.
ويأتي نموذج (o1) في إصدارين هما: (o1-preview)، و(o1-mini)، وكل إصدار يتمتع بمزايا خاصة، مما يتيح للمستخدمين اختيار الإصدار الذي يناسب احتياجاتهم بشكل أفضل بناءً على متطلبات الميزانية والأداء. إذ يوفر نموذج (o1-preview) قدرات استدلال وفهم متفوقة، في حين يوفر نموذج (o1-mini) بديلًا أقل تكلفة مع أداء منخفض قليلًا.
وقد أولت الشركة سلامة النموذج والأخلاقيات اهتمامًا كبيرًا، إذ خضع النموذجان لاختبارات صارمة للتحقق من أنهما لا ينتجان محتوى ضارًا أو متحيزًا، مما يجعلهما أدوات آمنة للمستخدمين والمطورين على حد سواء.
ثانيًا، كيف يفكر نموذج (o1) الجديد قبل الإجابة؟
يتفوق نموذج (o1) بنحو ملحوظ على النماذج السابقة، مثل (GPT-4)، و( GPT-4o)، في تعامله مع مهام الاستدلال المعقدة بسهولة، وتتطلب هذه المهام من نظام الذكاء الاصطناعي أن يتجاوز مجرد فهم المعنى الظاهري للنص أو البيانات، وأن يقوم بتطبيق قواعد منطقية معقدة، واستخلاص استنتاجات جديدة، وحل مشكلات تتطلب التفكير النقدي والإبداعي.
ويتطلب ذلك من النموذج القيام بعدة خطوات تشمل:
1- تحليلًا عميقًا للمعلومات:
- فهم السياق: لا يكتفي نموذج (o1) بفهم الكلمات المفردة، بل يحاول فهم المعنى الكلي للجملة والسياق الذي قيلت فيه.
- استخراج المعلومات ذات الصلة: يستخدم النموذج خوارزميات معقدة لاستخراج أكثر المعلومات أهمية من النص، وتجاهل المعلومات غير ذات الصلة.
- ربط الأفكار: يربط النموذج الأفكار المختلفة ببعضها لبناء فهم شامل للموضوع.
2- الاستدلال المنطقي:
- تطبيق القواعد: يستخدم نموذج (o1) قواعد منطقية معقدة للوصول إلى استنتاجات جديدة بناءً على المعلومات المتاحة.
- التفكير السببي: يحاول النموذج فهم العلاقة بين الأسباب والنتائج، وتوقع ما يمكن أن يحدث في المستقبل.
- حل المشكلات: يستخدم النموذج مجموعة من الإستراتيجيات لحل المشكلات المعقدة، مثل تقسيم المشكلة إلى أجزاء صغيرة أو البحث عن حلول بديلة.
- التعلم المستمر: يتعلم النموذج من أخطائه ويعدل سلوكه لتحسين أدائه في المستقبل، كما يمكنه التكيف مع بيئات جديدة ومعلومات جديدة، مما يجعله أكثر مرونة.
بسهولة، يمكن تشبيه عمل نموذج (o1) بعمل المحقق الذي يحاول حل لغز، فهو يجمع الأدلة (المعلومات)، ويحللها (باستخدام القواعد المنطقية)، ويصل إلى استنتاجات (الإجابة)، وما يجعله مميزًا هو قدرته على القيام بذلك بسرعة ودقة عالية.
للتوضيح أكثر، نضرب مثالًا: إذا سألت نموذج (o1) سؤالًا مثل: (لماذا السماء زرقاء؟)، فإنه لن يقتصر على تقديم إجابة بسيطة مثل: لأن الضوء ينكسر في الغلاف الجوي، بل سيقوم بتحليل السؤال بشكل أعمق، وربط هذا السؤال بمعرفته حول الضوء والألوان والغلاف الجوي، ثم تقديم إجابة شاملة وعميقة.
وتجعل هذه القدرات هذا النموذج أداة لا غنى عنها في مجالات مثل: البحث العلمي، والفيزياء الكمومية، والرياضيات، والرعاية الصحية، فمع التفكير النقدي المعزز، يمكن للنموذج أداء مهام مثل إنشاء صيغ رياضية معقدة، وشرح البيانات العلمية المعقدة، وحتى المساعدة في اكتشاف علاجات جديدة للأمراض.
ثالثًا، ما إمكانيات نماذج (OpenAI o1)؟
أكدت شركة (OpenAI) أن نماذج (o1) أثبتت خلال الاختبارات قدرة فائقة على التفكير المنطقي وحل المسائل المعقدة بأداء مشابه لطريقة تفكير طلاب درجة الدكتوراه العلمية، في حل مهام في مجالات الفيزياء والكيمياء والعلوم الحيوية.
إذ حققت النماذج الجديدة نتائج مبهرة في الرياضيات والبرمجة، ففي اختبار (الأولمبياد الدولي للرياضيات) IMO، استطاع نموذج GPT-4o حل نسبة بلغت 13% فقط من إجمالي المسائل الرياضية، في حين وصلت نماذج (o1) الجديدة إلى نسبة بلغت 83% من الحلول السليمة لمسائل الاختبار.
ومع ذلك، فإن النماذج الجديدة أثبتت أنها لا تتمتع بالمزايا نفسها التي تتمتع بها نماذج (OpenAI) السابقة، فمثلا GPT-4o يقدم مزايا فائقة في تصفح الإنترنت بحثًا عن المعلومات وتحليل الملفات المرفقة بأوامر المستخدم من صور وأنواع مستندات مختلفة، ولكن نماذج (o1) لا تقدم هذا المستوى من التنوع في الأداء، ومن ثم فإن في غالبية جوانب استخدام ChatGPT، ستكون عائلة GPT-4o، هي أكثر قدرة على تلبية احتياجات المستخدمين على المدى القريب.
وأوضحت OpenAI أنها تنظر حاليًا في إضافة إمكانيات تصفح الإنترنت وتحليل الملفات ومزايا أخرى إلى نماذج (o1) لتوسيع نطاق الاستفادة منها لتشمل جميع المستخدمين.
رابعًا؛ هل يمكن تحسين جودة استجابة نماذج الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير قدراتها على التفكير؟
نعم يمكن تحسين جودة استجابة نماذج الذكاء الاصطناعي من خلال تطوير قدراتها على التفكير، وهذه الخطوة تُعدّ واحدة من أهم الأهداف التي يسعى الباحثون إلى تحقيقها في مجال الذكاء الاصطناعي.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال مجموعة من التقنيات والأساليب، منها: تعزيز قدرات الاستدلال المنطقي، وتحسين فهم اللغة الطبيعية، وتطوير آليات التعلم المستمر، وإدماج المعرفة البشرية في النماذج، مثل القيم الأخلاقية والحقائق العلمية.
خامسًا، هل وصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى التفكير البشري فعلًا؟
يتردد هذا السؤال كثيرًا في عصرنا الحالي مع التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي. والجواب المختصر عنه هو: لا، لم يصل الذكاء الاصطناعي إلى مستوى التفكير البشري بنحو كامل ومن المتوقع أنه لن يصل إلى ذلك نهائيًا!
ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى أن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك الوعي الذاتي أو المشاعر التي تميز البشر، فهو يعمل على أساس البيانات والبرمجيات، وليس لديه تجارب شخصية أو وعي بوجوده.
وبينما يمكن للذكاء الاصطناعي توليد نصوص إبداعية أو أعمال فنية، فإنه يعتمد كليًا على البيانات التي تدرب عليها، ولا يزال يفتقر إلى القدرة على التفكير خارج الصندوق وإنتاج أفكار جديدة تمامًا، كما لا يزال يواجه صعوبة في فهم المعاني المجازية والسياق الاجتماعي للكلمات.