القبض على الرئيس التنفيذي لتيليجرام.. ما الأسباب الكامنة وراء هذا الإجراء؟

يواجه القطاع التقني صدمة بعد اعتقال بافيل دوروف، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لمنصة تيليجرام، في مطار لو بورجيه الفرنسي، فقد أثارت هذه الخطوة غير المسبوقة مخاوف بالغة بشأن مستقبل حرية التعبير والخصوصية في العصر الرقمي.
وقد أثارت هذه الخطوة أيضًا العديد من التساؤلات عن الأسباب الكامنة وراء هذا الإجراء، وكيف ستؤثر هذه القضية في مستقبل منصة تيليجرام ومستخدميها؟
أولًا، كيف استقبل العالم هذا الخبر؟
ندد العديد من المشاهير والسياسيين بخطوة اعتقال دوروف في فرنسا، وجاء في المقدمة إيلون ماسك، والسياسي الأمريكي روبرت كينيدي جونيور، اللذان أعربا عن قلقهما العميق بشأن تداعيات هذا الاعتقال على الحريات المدنية.
وتعليقًا على هذه الخطوة نشر ماسك تغريدة في موقع إكس، قال فيها: “وجهة نظر: عندما يأتي عام 2030 في أوروبا، قد تُعدم بسبب إعجابك بميم (منشور كوميدي)”. في إشارة ساخرة إلى القيود الصارمة التي تطبقها أوروبا على حرية التعبير.
POV: It’s 2030 in Europe and you’re being executed for liking a meme https://t.co/OkZ6YS3u2P
— Elon Musk (@elonmusk) August 24, 2024
كما دعا في تغريدات منفصلة إلى حرية التعبير وإطلاق سراح دوروف، تحت وسم (FreePavel#). وهو ما أكده السياسي الأمريكي كينيدي جونيور، الذي نشر تغريدة منفصلة قال فيها: “قبضت فرنسا توًّا على بافيل دوروف، المؤسس والرئيس التنفيذي لمنصة تيليجرام المشفرة وغير الخاضعة للرقابة.. هذا الحدث يبرز الحاجة الملحة إلى حماية حرية التعبير في هذا الوقت الحساس أكثر من أي وقت مضى”.
كما انضم إلى موجة استنكار خبر الاعتقال، سياسيون فرنسيون مثل: فلوريان فيليبو، الذي عبر عن استيائه الشديد من هذا القرار، متسائلًا بسخرية: “هل سيُعتقل إيلون ماسك إذا وطئت قدمه فرنسا غدًا بتهمة عصيان اللائحة الأوروبية للرقابة!”. وأضاف فيليبو أن هذا الإجراء يُظهر وجهًا قبيحًا لفرنسا، داعيًا إلى التخلص من هذه السياسات المتشددة.
Incroyable ! ⤵️
À l’aéroport du Bourget, le PDG et fondateur du réseau social #Telegram a été arrêté cette nuit par la police française, mis en détention provisoire et risque 20 ans de prison !
Pourquoi ? « Pour absence de modération, de coopération avec les forces de l’ordre,… pic.twitter.com/zPIspVnKLT
— Florian Philippot (@f_philippot) August 25, 2024
ثانيًا، من هو بافيل دوروف؟
بافيل دوروف، البالغ من العمر 39 عامًا، هو رجل أعمال روسي، ويُطلق عليه أحيانًا لقب (مارك زوكربيرج روسيا)، إذ اشتهر اسمه أول مرة عندما شارك في تأسيس منصة (فكونتاكتي) VKontakte – التي تُعرف باسم (VK) – في عام 2006، والتي سرعان ما تحولت إلى أكبر شبكة تواصل اجتماعي في روسيا، وكان يطلق عليها اسم (فيسبوك روسيا).
وفي عام 2013، أسس دوروف وشقيقه نيكولاي، وهو مبرمج وعالم رياضيات، تطبيق تيليجرام، الذي يبلغ عدد مستخدميه النشطين حاليًا أكثر من 900 مليون مستخدم، لذلك يُعدّ واحدًا من أكثر تطبيقات المراسلة شعبية على مستوى العالم.
ولكن في عام 2014، بدأ بافيل دوروف صراعًا مع الحكومة الروسية بعد رفضه الامتثال لمطالبها بتسليم بيانات المجموعات المعارضة التي تستخدم منصة (VK) عند اشتعال الأحداث السياسية في أوكرانيا.
وبعد تزايد ضغوط الحكومة الروسية عليه، غادر دوروف روسيا في العام نفسه، وباع حصته في منصة (VK)، ثم بدأ رحلة البحث عن ملاذ آمن لتأسيس مقر لشركة (تيليجرام)، إذ استقر في برلين ولندن وسنغافورة وسان فرانسيسكو قبل اختيار دبي في عام 2017، التي أشاد ببيئة الأعمال فيها وحيادها، والتي يقع فيها مقر الشركة الرئيسي حاليًا.
واشتهر دوروف بدفاعه الشديد عن الخصوصية الرقمية وحرية التعبير، وقدرت فوربس ثروته بنحو 15.5 مليار دولار، حصل دوروف على الجنسية الفرنسية في أغسطس/آب من عام 2021، لكنه يعيش في دبي حاليًا.
ثالثًا؛ ما أسباب القبض على بافيل دوروف في فرنسا؟
حتى الآن، لا توجد معلومات رسمية واضحة ومؤكدة حول الأسباب المباشرة لاعتقال بافيل دوروف في فرنسا، ولكن وفقًا لما نقلته وكالات أنباء عالمية عن وسائل إعلام فرنسية محلية، جاء هذا الإجراء بناءً على مذكرة اعتقال في إطار تحقيقات أولية تتعلق باتهامات حول تهاون منصة تيليجرام في ضبط المحتوى، وعدم اتخاذ إجراءات كافية للحد من الأنشطة الإجرامية المحتملة.
وقالت (فرانس برس) إن وكالة (أوفمين) Ofmin الفرنسية، وهي وكالة أُنشئت لمكافحة العنف ضد القاصرين، أصدرت مذكرة اعتقال لدوروف ليُحقق معه في جرائم مزعومة تُجرى عبر منصة تيليجرام تتضمن الاحتيال والاتجار بالمخدرات والتنمر الإلكتروني والجريمة المنظمة والترويج للإرهاب، إذ يُتهم دوروف بالفشل في اتخاذ إجراءات للحد من الاستخدام الإجرامي لمنصته.
وأدانت منصة تيليجرام في بيان رسمي هذا الإجراء، مشيرةً إلى أن تحميل المنصة أو مالكها مسؤولية أي إساءة استخدام لها يُعدّ أمرًا غير منطقي.
وأكدت المنصة التزامها بالقوانين الأوروبية، ومنها قانون الخدمات الرقمية. وأضاف البيان أن دوروف ليس لديه ما يخفيه، وأعربت المنصة عن أملها تسوية هذه المسألة بسرعة.
⚖️ Telegram abides by EU laws, including the Digital Services Act — its moderation is within industry standards and constantly improving.
✈️ Telegram's CEO Pavel Durov has nothing to hide and travels frequently in Europe.
😵💫 It is absurd to claim that a platform or its owner…
— Telegram Messenger (@telegram) August 25, 2024
وقد اتهمت السفارة الروسية في فرنسا السلطات المحلية برفض التعاون مع موسكو بعد توقيف دوروف، وقالت السفارة، في بيان نشرته عبر منصة إكس: “فور ظهور أخبار اعتقال بافيل دوروف لقد طلبنا من السلطات الفرنسية توضيح أسباب هذا الاحتجاز، وحماية حقوقه، والسماح بزيارة قنصلية. وحتى الآن؛ يرفض الجانب الفرنسي التعاون في هذه المسألة”. وأكدّت السفارة أنها على تواصل مع محامي دوروف.
رابعًا؛ لماذا أصبحت تيليجرام هدفًا للحكومات؟
تشتهر منصة تيليجرام للمراسلة الفورية، بمزايا الخصوصية القوية، التي ساعدتها في جمع قاعدة مستخدمين كبيرة، كما يستخدمها الكثير من السلطات والسياسيين للتواصل.
وبفضل مزاياها القوية، أصبحت المنصة قناة لنقل المعلومات المتعلقة بالصراعات، وأبرزها الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا، إذ يستخدمها الجانبان على نطاق واسع، مما دفع بعض المحللين إلى وصفها بأنها ساحة معركة افتراضية.
وقد قال دوروف، في مقابلة مع الأمريكي تاكر كارلسون، مُقدم البرامج الحوارية، في أبريل الماضي، إنه أطلق تيليجرام بعد تعرضه لضغوط من الحكومة الروسية أثناء عمله في منصة (VK).
لطالما واجه دوروف ضغوطًا شديدة من السلطات، سواء من خلال محاولات اختراق منصة تيليجرام أو من خلال ملاحقته شخصيًا. ومع ذلك، ظل متمسكًا بمبادئه، مما جعله أيقونة للخصوصية الرقمية في عصرنا.
وقد أكد دوروف في خلال مقابلته مع كارلسون أيضًا أنه تعرض لضغوطات من حكومات متعددة، بما يشمل الولايات المتحدة الأمريكية، التي حاولت السلطات فيها في عام 2018 اختراق منصة تيليجرام.
إذ كشف دوروف عن محاولات مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) لتجنيد أحد مهندسيه بهدف زرع أدوات مفتوحة المصدر في الكود البرمجي للمنصة تمكّنهم من التجسس على المستخدمين. كما روى قصصًا مثيرة عن الملاحقات التي تعرض لها من المكتب، بدءًا من المراقبة المستمرة في المطارات وصولًا إلى زيارات مفاجئة لمنزله، مما يؤكد الرغبة الأمريكية في السيطرة على منصة تيليجرام وكشف أسرار مستخدميها.
ما الأسباب التي تدفع الحكومات إلى الوصول إلى بيانات مستخدمي تيليجرام؟
تسعى الحكومات إلى الوصول إلى بيانات مستخدمي تيليجرام لعدة أسباب، تختلف باختلاف السياق السياسي والأمني لكل دولة، وأبرزها:
- مكافحة الإرهاب والجريمة: تدعي بعض الحكومات أن الوصول إلى بيانات تيليجرام أمر ضروري لتعقب الأنشطة الإرهابية والجماعات الإجرامية، إذ تُعدّ المنصة من الأدوات المفضلة لهذه الجماعات بسبب مزاياها الأمنية القوية، مما يجعل مراقبة الاتصالات عبرها تحديًا كبيرًا.
- حماية الأمن القومي: تزعم بعض الحكومات أن هذه البيانات ضرورية لحماية الأمن القومي، إذ ترغب في مراقبة المحتوى الذي يجري تداوله عبر تيليجرام لمنع انتشار المعلومات التي تعدها مضرة، مثل الأخبار المزيفة، والمواد الإباحية، أو التحريض على العنف.
- السيطرة على المعلومات: تسعى بعض الحكومات إلى السيطرة على تدفق المعلومات وتوجيه الرأي العام.
خامسًا، ما مشكلات تيليجرام مع أوروبا؟
بينما تقدم منصة تيليجرام بيئة آمنة للتعبير عن الآراء، تواجه أيضًا انتقادات متزايدة بسبب استغلالها بنشر معلومات مضللة وحملات كراهية، علاوة على تداول المحتوى المملوك لمنصات إعلامية عالمية عبر المنصة دون تصريح، وقد أدى هذا الاستخدام غير المسؤول إلى زيادة الضغوط على المنصة للمزيد من الرقابة والتدخل، خاصة أن المنصة تبنّى نهجًا متساهلًا نسبيًا في الإشراف على المحتوى، مع التركيز أكثر في خصوصية المستخدم وحرية التعبير.
لذلك ترى الكثير من الحكومات ووكالات الأمن أن سياسات تيليجرام تسمح بانتشار المحتوى الضار والنشاط الإجرامي. وقد بدأت حقبة جديدة للتنظيم الرقمي في أوروبا في أغسطس 2023، مع دخول (قانون الخدمات الرقمية) Digital Services Act، حيز التنفيذ، إذ يمثل هذا القانون المبدأ القائل: “إن كل ما هو غير قانوني خارج الإنترنت يجب أن يكون غير قانوني عبر الإنترنت أيضًا”.
وقانون الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي، هو تشريع أقره الاتحاد الأوروبي بهدف تنظيم المنصات الرقمية الكبرى، مثل منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث، ويفرض عليها متطلبات صارمة فيما يتعلق بسياسات الإشراف على المحتوى الذي يُنشر عبرها لضمان حماية الحقوق الأساسية للمستخدمين الأوروبيين.
وقد زادت الضغوط التنظيمية على منصة تيليجرام في الاتحاد الأوروبي في مايو 2024، وذلك مع اقترابها من عتبة الـ 45 مليون مستخدم داخل الاتحاد الأوروبي، فوفقًا لقانون الخدمات الرقمية الجديد، ستخضع المنصة لرقابة أشد على المحتوى، مما يعني أنها ستضطر إلى تطبيق أنظمة متطورة لكشف المحتوى غير القانوني وإزالته. وفي حال عدم الامتثال، ستواجه تيليجرام غرامات مالية كبيرة وعقوبات أخرى.
سادسًا؛ تحويل تيليجرام إلى Web3:
أطلق الأخوان نيكولاي وبافيل دوروف، في عام 2018، (شبكة تيليجرام المفتوحة) Telegram Open Network – المعروفة اختصارًا باسم (TON) – بهدف إنشاء شبكة بلوك تشين من الجيل الثالث مع قابلية توسع عالية ومعاملات سريعة ورسوم منخفضة.
ولكن في عام 2020، واجهت شبكة (TON) مشكلات تنظيمية مع لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، وقد أدى ذلك إلى إلغاء تيليجرام للمشروع في عام 2021. ثم في عام 2022، تولى مجتمع من المطورين وعشاق العملات الرقمية المشفرة مهمة إعادة إحياء TON، والآن، بات المشروع مدعومًا من مجتمع مستقل.
وقد شهدت عملة (Toncoin) المشفرة المرتبطة بمنصة تيليجرام، انخفاضًا في قيمتها تجاوز 20% خلال تعاملات يوم الأحد، وذلك عقب إعلان اعتقال دوروف في فرنسا.
وفقًا لبيانات موقع (CoinMarketCap)، فقد هبطت قيمة عملة (Toncoin) من 6.80 دولارات إلى نحو 5.35 دولارات خلال 24 ساعة، مما يؤكد أن المستثمرين لا يزالون يرون دور مؤسس تيليجرام كعامل حاسم في مستقبل هذه العملة المشفرة.