تحت الضوءدراسات وتقاريرمنوعات تقنية

كيف أحدث الذكاء الاصطناعي التوليدي تحولًا في قدرات الروبوتات؟

يشهد عالم الروبوتات تحولًا كبيرًا، إذ تنتقل هذه الآلات من أداء مهام بسيطة إلى تنفيذ مهام معقدة، وذلك بفضل التطور المتسارع في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، والقدرات المتطورة للنماذج اللغوية الكبيرة، التي أتاحت للروبوتات أن تتعلم وتتطور بشكل مستمر. وهذا يعني أنها ستكون قادرة على التفاعل مع البشر والعالم المحيط بطرق أكثر طبيعية وفعالية، مما يفتح آفاقًا جديدة للتطبيقات في مختلف المجالات.

ويمكن القول إن إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في الروبوتات البشرية يشبه الثورة التي أحدثها ظهور الهواتف الذكية، فكما غيرت الهواتف الذكية حياتنا اليومية، فإن الروبوتات الذكية ستعيد تشكيل العديد من القطاعات الصناعية والاجتماعية.

وتؤدي شركات، مثل: بوسطن ديناميكس، وتسلا، وOpenAI دورًا محوريًا في دفع هذا التطور من خلال تطوير النماذج اللغوية الكبيرة وإدماجها في أنظمة عمل تلك الروبوتات

وفي هذا المقال سنكتشف كيف يساهم الذكاء الاصطناعي التوليدي في تحويل الروبوتات إلى آلات متعددة الاستخدامات وقادرة على التعامل مع تحديات متنوعة؟

أولًا؛ ما دور النماذج اللغوية الكبيرة في تطوير قدرات الروبوتات؟

لقد أظهرت النماذج اللغوية الكبيرة، مثل تلك التي يعمل بها روبوت الدردشة ChatGPT، قدرتها الفائقة على التعلم من كميات ضخمة من البيانات التي تُدرب عليها، واستنباط المعلومات الصحيحة واستخدامها للتفكير، لذلك تُعدّ هي المفتاح إلى ما يُسمى (الذكاء الاصطناعي المتجسد) Embodied AI.

تستند فكرة (الذكاء الاصطناعي المتجسد) إلى مفهوم أن الذكاء ليس مجرد عملية حسابية تحدث داخل حاسوب، بل هو جزء لا يتجزأ من التفاعل مع العالم المحيط، فكما يتعلم الإنسان من خلال التفاعل مع بيئته، يمكن للروبوت أن يتعلم ويتطور من خلال تجاربه الحسية والحركية.

لذلك ينطوي (الذكاء الاصطناعي المتجسد) على تزويد الروبوتات بالقدرة التي تساعدها في التفاعل مع العالم المادي بشكل طبيعي وبديهي، تمامًا كما يفعل البشر. ويحدث ذلك من خلال دمج العمليات المعرفية المعقدة، التي تتمثل في فهم اللغة وتوليدها واتخاذ القرارات، مع الأفعال الجسدية مثل الحركة والتلاعب بالأشياء.

وتعتمد هذه التقنية بنحو كبير على النماذج اللغوية الكبيرة التي تمكن الروبوت من فهم العالم من حوله من خلال معالجة كميات ضخمة من البيانات النصية والمرئية. كما تساهم أنظمة الرؤية الحاسوبية في تمكين الروبوت من تعرّف الأجسام والأشخاص والأماكن وتحديد العلاقات بينها.

ويمثل نموذج (PaLM-E) الذي طورته شركة جوجل، قفزة نوعية في مجال الذكاء الاصطناعي المتجسد، إذ دُرب على التعلم مباشرة من البيانات الخام التي تجمعها أجهزة استشعار الروبوت، مما يتيح للروبوت تطوير قدرات جديدة وتكييف سلوكه مع البيئة المحيطة به بشكل مستمر.

وبفضل الذكاء الاصطناعي المتجسد، يمكن للروبوتات أن تقوم بمجموعة واسعة من المهام المعقدة، مثل مساعدة الأشخاص في حياتهم اليومية، والعمل في المصانع، واستكشاف البيئات الصعبة. كما يمكن أن تساهم هذه التقنية في تطوير روبوت قادرة على اتخاذ قرارات سريعة وذكية في بيئات ديناميكية.

ثانيًا؛ تطبيقات الروبوتات البشرية.. من استكشاف الفضاء إلى المنازل:

بدأت رحلة تطوير الروبوتات البشرية بالتركيز في تطوير روبوتات قادرة على العمل في البيئات القاسية والخطيرة التي يصعب على البشر الوصول إليها، ومن الأمثلة على ذلك روبوت (Valkyrie) التابع لوكالة ناسا، الذي صُمم لاستكشاف الفضاء. ولكن مع التطور التقني الحالي، من المتوقع أن تشهد قطاعات أخرى، مثل قطاع التصنيع، انتشارًا واسعًا للروبوتات البشرية التي يمكنها أداء مهام محددة بدقة وفعالية.

إذ يمكن للروبوتات مثل (أوبتيموس) Optimus من تسلا أن تحدث ثورة حقيقية في قطاعي التصنيع واللوجستيات من خلال أداء المهام التي تتطلب دقة وتحملًا، وهذا يعني أننا نقترب من مصانع ذكية بالكامل، إذ تعمل الروبوتات مع البشر في بيئة عمل أكثر أمانًا وفعالية. تخيل مثلًا، روبوت أوبتيموس وهو يتعامل مع المواد الكيميائية الخطرة أو يقوم بعمليات التجميع والفحص الدقيقة، في حين يقوم العامل البشري بمهام تتطلب اتخاذ قرارات إبداعية وحل المشكلات.

وقد أظهر روبوت (Atlas2) الجديد من شركة (بوسطن ديناميكس) Boston Dynamics، الذي كشفت عنه منذ بضعة أشهر، بالفعل بعض حالات الاستخدام في المصانع، مثل رفع المكونات الثقيلة وتخزينها.

لا تقتصر تطبيقات الروبوتات البشرية على المصانع وحسب، بل تمتد لتشمل منازلنا وحياتنا اليومية، تخيل روبوتًا مثل (Atlas) يساعدك في الأعمال المنزلية الروتينية، مثل: التنظيف والطهي، أو يقدم الرعاية لكبار السن.

هذا المستقبل ليس بعيدًا، فقد أظهرت روبوتات مثل روبوت (Aloha)، الذي طورته جامعة ستانفورد قدرات مذهلة في أداء مهام منزلية متنوعة، تشمل: إعداد الطعام الصيني، ووضع الأطباق في غسالة الأطباق، وترتيب الأسرّة، ووضع الغسيل في خزانة الملابس.

وفي المستقبل، يمكننا أن نتوقع أن نشاهد هذه الروبوتات تعمل في مجالات أكثر تخصصًا، مثل الرعاية الصحية والأمن العام. ففي المستشفيات، يمكن للروبوتات أن تساعد في الرعاية المباشرة للمرضى، في حين يمكن استخدامها في مجال الأمن لحماية المنشآت والمجتمعات.

ثالثًا، ما التحديات التي تواجه انتشار الروبوتات؟

لا يمكن إنكار الإمكانات الكبيرة التي تحملها الروبوتات، ولكن نجاحها التجاري وانتشارها في حياتنا اليومية يظل مرتبطًا بالعديد من التحديات والعوامل التي تشمل:

  • التكلفة: لا تزال تكلفة تطوير الروبوتات البشرية وإنتاجها مرتفعة للغاية، مما يحد من انتشارها على نطاق واسع.
  • الموثوقية: يجب أن تكون الروبوتات البشرية موثوقة وقادرة على أداء مهامها بدقة وكفاءة، وهو ما يتطلب تطويرًا مستمرًا للبرامج والأجهزة.
  • القبول الاجتماعي: يواجه المجتمع العديد من المخاوف بشأن الروبوتات البشرية، مثل تأثيرها في سوق العمل وخصوصية البيانات والأمن السيبراني.

علاوة على ذلك، تثير الروبوتات الشبيهة بالبشر تساؤلات أخلاقية وقانونية عميقة، من أبرزها: من يملك حق الوصول إلى البيانات الضخمة التي تجمعها هذه الروبوتات أثناء تفاعلها مع البشر، خاصة في المواقف الحساسة؟ وهل من المقبول أن تحل هذه الروبوتات محل البشر في وظائف مثل رعاية المسنين؟ ستؤدي هذه العوامل الأخلاقية دورًا حاسمًا في تشكيل الرأي العام والأطر التنظيمية.

تاريخيًا، شهدنا أن اعتماد التقنيات الجديدة غالبًا ما يواجه تحديات تتعلق بثقة المستهلك والقدرة على تحمل التكاليف. ولذلك، فإن نجاح الروبوتات البشرية لا يقتصر على إثبات قدراتها التقنية فحسب، بل يتطلب أيضًا إظهار قيمة مضافة حقيقية للمستخدمين تفوق تكاليف شرائها وصيانتها.

الخلاصة:

تُعدّ الروبوتات البشرية تقنية واعدة تحمل في طياتها إمكانات كبيرة لتغيير حياتنا. ومع ذلك، يجب أن نتعامل مع هذه التكنولوجيا بحذر، وأن نضع القوانين واللوائح اللازمة لضمان استخدامها بطريقة آمنة وأخلاقية. يجب علينا أيضًا أن نستعد للتحديات التي قد تواجهنا، وأن نعمل معًا لبناء مستقبل أفضل للجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى