تحت الضوءدراسات وتقاريرمنوعات تقنية

 الصين تطور “شريحة ضوئية” لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي

حقق فريق من الباحثين في جامعة (تسينغهوا) Tsinghua الصينية إنجازًا علميًا جديدًا في مجالي الحوسبة والذكاء الاصطناعي، إذ طوروا تقنية ثورية لتدريب الشبكات العصبية تعتمد بشكل كامل على الضوء، مما يمهد الطريق لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أسرع وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة، دون الحاجة إلى شرائح معالجة الرسومات (GPUs)، التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات لإبطاء تقدم الصين في مجال الذكاء الاصطناعي.

وتظهر الدراسة التي نُشرت في مجلة (Nature) العلمية، أن الباحثين الصينيين قد طوروا تقنية مبتكرة يطلق عليها اسم (التعلم في الوضع التقدمي الكامل) Fully Forward Mode Learning – وتُعرف اختصارًا باسم (FFM) – وتسمح هذه التقنية بتدريب الشبكات العصبية البصرية مباشرة عبر الشريحة دون الحاجة إلى عمليات محاكاة معقدة.

وطور الباحثون الصينيون أيضًا شريحة ضوئية تُسمى (Taichi-II) تستند في عملها إلى تقنية التعلم (FFM)، لتصبح بديلاً أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وأسرع لتدريب النماذج اللغوية الكبيرة.

إذ تمثل شريحة (Taichi-II) قفزة نوعية في مجال الحوسبة الضوئية؛ لأنها تعزز بشكل كبير كفاءة وأداء عملية تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وتُعدّ تطورًا كبيرًا مقارنة بالإصدار الأول منها (Taichi)، وذلك وفقًا لما ورد في تقرير صحيفة (South China Morning Post).

وتتميز شريحة (Taichi-II) بكونها الشريحة الأولى من نوعها في العالم التي تستخدم الضوء بشكل كامل في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، دون الحاجة إلى الحواسيب الإلكترونية في أي مرحلة من مراحل التدريب.

ويفتح هذا الإنجاز آفاقًا جديدة في مجال توفير استهلاك الطاقة، إذ تتفوق شريحة (Taichi-II) الجديدة بنحو كبير على الشرائح المتوفرة في الأسواق، بما يشمل: الجيل السابق (Taichi).

وقد أثبتت الدراسات في أبريل الماضي، أن الشريحة الأصلية (Taichi) تفوقت على أحدث شرائح معالجة الرسومات من شركة إنفيديا، وهي شريحة (NVIDIA H100) بأكثر من ألف مرة من حيث كفاءة الطاقة. ومع الجيل الثاني من الشريحة من المتوقع أن ينخفض استهلاك الطاقة إلى أدنى مستوى ممكن.

ويرى الباحثون أن هذه التقنية تمثل خطوة حاسمة في تطوير الحوسبة الضوئية، إذ تساعد في الانتقال من المرحلة النظرية إلى التطبيق العملي على نطاق واسع، كما يمكن لشريحة (Taichi-II) الجديدة أن تكون حلًا بديلًا للتحديات التي تواجهها الصين في الحصول على شرائح معالجة الرسومات المتقدمة من إنفيديا وغيرها من الشركات الأمريكية، التي تُعدّ ضرورية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المعقدة.

الحوسبة الضوئية:

تُعدّ الحوسبة الضوئية مجالًا من مجالات علوم الحاسوب، ولكنها تستخدم الضوء والتقنيات البصرية لمعالجة المعلومات وتنفيذ الحسابات، فبدلًا من الاعتماد على الإلكترونيات التقليدية التي تستخدم الشحنات الكهربائية، تستخدم الحوسبة البصرية الفوتونات – جسيمات الضوء – لإجراء العمليات الحسابية.

مزايا الحوسبة الضوئية:

  • سرعة عالية: تتحرك الفوتونات بسرعة الضوء، مما يجعل الحوسبة الضوئية أسرع بكثير من الحوسبة التقليدية.
  • استهلاك طاقة أقل: لا تستهلك الحوسبة الضوئية طاقة كبيرة مقارنة بالحوسبة الإلكترونية، مما يجعلها أكثر كفاءة.
  • معالجة كميات ضخمة من البيانات: يمكن للضوء أن ينقل البيانات بسرعة أكبر بكثير من التيار الكهربائي، وهذا يعني إمكانية إجراء مليارات العمليات الحسابية في ثانية واحدة، مما يجعل الحوسبة الضوئية أداة مثالية للتعامل مع البيانات الضخمة والمعالجات المعقدة، ويفتح ذلك آفاقًا جديدة في العديد من المجالات أهمها الذكاء الاصطناعي.

لذلك تُعدّ الحوسبة الضوئية بديلًا واعدًا للحواسيب التقليدية، إذ تستغل خصائص الضوء في معالجة المعلومات بشكل أسرع وأكثر كفاءة. ومع ذلك، كانت عملية تدريب الشبكات العصبية البصرية تتطلب موارد حاسوبية كبيرة وعمليات محاكاة معقدة، مما يحد من انتشارها.

وقد تغلبت تقنية (FFM) التي طورها الباحثون الصينيون على هذه التحديات من خلال إتاحة عملية التدريب مباشرة على الشريحة الضوئية دون الحاجة إلى عمليات محاكاة، مما سمح للشبكات العصبية بالتعلم والتكيف لحظيًا، وقد قلل ذلك بنحو كبير من الحاجة إلى موارد الحوسبة. لذلك تفتح هذه التقنية الباب أمام تطوير مجموعة واسعة من التطبيقات.

لماذا تُعدّ شريحة (Taichi-II) حلًا ثوريًا في تدريب الذكاء الاصطناعي؟

أظهرت الدراسة التي أجراها الباحثون على شريحة (Taichi-II) تفوقها على سابقاتها في العديد من السيناريوهات، إذ حققت الشريحة زيادة بنسبة بلغت 40% في دقة إنجاز مهام التصنيف، وسرّعت تدريب الشبكات الضوئية بمقدار عشر مرات مقارنة بالشرائح التقليدية، وفي مجال التصوير في ظروف الإضاءة المنخفضة، تحسنت كفاءة الطاقة للشريحة بمقدار 6 أضعاف، مما يجعلها مثالية للتطبيقات التي تتطلب أداءً عاليًا مع استهلاك طاقة منخفض.

 الصين تطور "شريحة ضوئية" لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي

وقالت (لو فانج) Lu FANG، البروفيسورة في جامعة (تسينغهوا)، والباحثة المشاركة في الدراسة: “تواجه الطرق التقليدية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام الضوء تحديات كبيرة، فاعتماد هذه الطرق على محاكاة الشبكات العصبية باستخدام الهندسة الضوئية على الحواسيب الإلكترونية يؤدي إلى استهلاك كم كبير من الطاقة، بالإضافة إلى وجود فجوة كبيرة بين النموذج النظري والنظام الحقيقي بسبب تعقيدات انتشار الضوء في الواقع، وعدم قدرة الأنظمة الرقمية على محاكاتها”.

وأوضحت (لو فانج) أن هذه التحديات هي ما دفعت فريق البحث إلى تطوير تقنية (FFM)، التي أتاحت إجراء عملية التدريب مباشرة على الشريحة الضوئية، مما سمح بتنفيذ أغلب مهام التعلم الآلي في الوقت نفسه، دون الحاجة إلى إجراء عمليات المحاكاة.

ويؤكد (Zhiwei Xue)، طالب الدكتوراه في الجامعة، والباحث المشارك في الدراسة، أن هذا التصميم يفتح آفاقًا جديدة للتدريب الدقيق والواسع النطاق للشبكات العصبية، مما يسهل تدريب النماذج اللغوية الكبيرة بدقة عالية.

وأشار إلى أن تقنية (FFM) تستفيد من النماذج الضوئية المتاحة تجاريًا وتقدم أداءً يفوق شرائح معالجة الرسومات التقليدية في عمليات التعلم السريع.

وقالت الباحثة (فانج): “إن بحثنا يتصور مستقبلًا تكون فيه الشرائح الضوئية حجر الأساس لقوة الحوسبة المستخدمة في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي”.

التأثير في صناعة الرقاقات والذكاء الاصطناعي:

تمثل شريحة (Taichi-II) وتقنية (FFM) تحديًا مباشرًا لسياسات الولايات المتحدة الرامية إلى تقييد صادرات الرقائق المتقدمة إلى الصين. فبدلًا من الاعتماد على الرقائق الإلكترونية المتقدمة، يمكن للصين تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تعتمد على الحوسبة الضوئية مما يقلل من اعتمادها على التكنولوجيا الأجنبية. كما أنها تساهم في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية من خلال تقليل استهلاك الطاقة.

ومن المتوقع أن تؤدي هذه التكنولوجيا إلى تطورات مهمة في مجالات مثل:

  • الروبوتات: بتطوير روبوتات أكثر ذكاءً وقادرة على التعلم والتكيف مع البيئة المحيطة.
  • السيارات الذاتية القيادة: بتحسين قدرات السيارات على تعرف البيئة واتخاذ القرارات بشكل أسرع وأكثر دقة.
  • الطب: بتطوير تقنيات جديدة للتشخيص والعلاج.

الخلاصة:

النجاح الذي حققه الباحثون الصينيون في تطوير شريحة (Taichi-II) وتقنية (FFM)يمثل إنجازًا علميًا كبيرًا، ويفتح آفاقًا جديدة أمام تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أسرع وأكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة، وهو تحدٍ تواجهه كافة شركات الذكاء الاصطناعي التي تعتمد على الشرائح الإلكترونية.

كما يضع هذا الإنجاز الصين في صدارة السباق نحو تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، مما يفتح آفاقًا جديدة للتطبيقات المستقبلية.

زر الذهاب إلى الأعلى