تحت الضوءدراسات وتقاريرمنوعات تقنية

ثورة جديدة في اقتصاد المحتوى.. الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقًا جديدة لتقاسم العائدات

يشهد عالم المحتوى تحولًا جذريًا بفضل التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي، لذلك بدأت شركات إعلامية كبرى مثل: (فايننشال تايمز) Financial Times، و(ذا أتلانتيك) The Atlantic، و(فورتشن) وFortune، ويونيفرسال ميوزيك جروب، بالتعاون مع (ProRata.ai)، وهي شركة ناشئة، تعمل على تطوير نظام مبتكر لتوزيع عائدات المحتوى المولد من خلال روبوتات الدردشة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يضمن حصول صناع المحتوى على حقوقهم كاملة.

ولكن ما (ProRata.ai)، وكيف يضمن نظامها حصول صناع المحتوى على حقوقهم في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي نشهده حاليًا، وما أهمية تعاونها مع كبرى الشركات الإعلامية لصناعة المحتوى؟

أولًا؛ ماذا يعني توزيع عائدات المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي؟

لكي نفهم ما ستقوم به شركة (ProRata.ai) في صناعة المحتوى، يجب أن نفهم أولًا ماذا يعني توزيع عائدات المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي؟ ببساطة، يعني إيجاد طريقة جديدة لتحديد من يستحق المال عندما يقوم روبوت دردشة بإنشاء محتوى جديد، مثل: كتابة قصة أو مقال أو تأليف أغنية.

للتوضيح أكثر، تخيل هذا السيناريو:

  • تدريب الروبوت: يُدرب أي روبوت دردشة يستند في عمله إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي – مثل: ChatGPT، و Gemini، و Copilot – على كمية ضخمة من البيانات، بما يشمل: الكتب والمقالات والأغاني التي كتبها مؤلفون بشريون.
  • إنشاء محتوى جديد: يستخدم الروبوت هذه البيانات لإنشاء محتوى جديد، مثل: كتابة قصة قصيرة، أو كتابة مقال، أو تأليف أغنية.
  • من يستحق المال؟ هنا تكمن المشكلة، من يستحق أن يحصل على المال مقابل هذه القصة الجديدة التي كتبها الروبوت؟ هل هو مبرمج الروبوت؟ أم مؤلفو الكتب والمقالات التي اُستخدمت لتدريب الروبوت!

وهذه هي المشكلة التي تعمل شركة (ProRata.ai) على حلها، والتي دفعت كبرى الشركات الإعلامية للتعاون معها.

ثانيًا؛ كيف ستحل شركة (ProRata.ai) هذه المشكلة؟

تهدف شركة (ProRata.ai) إلى حل هذه المشكلة من خلال تطوير نظام ذكي قادر على تحديد المساهمات، أي تحديد أي جزء من المحتوى الجديد مستمد من البيانات التدريبية للروبوتات، وتوزيع العائدات الناتجة عن استخدام هذا المحتوى الجديد بشكل عادل بين جميع الأطراف المعنية، بما يشمل: مبرمجي روبوت الدردشة، ومؤلفي البيانات التدريبية.

وقد نجحت شركة (ProRata.ai) في جمع تمويل ضخم قدره 25 مليون دولار في جولتها التمويلية الأولى، بدعم من نخبة من المستثمرين العالميين مثل: Mayfield، و Revolution Ventures، و Prime Movers Lab، و Idealab Studio، وهي حاضنة تقنية أسسها ويديرها رائد الأعمال المخضرم (بيل جروس).

وقد تأسست شركة (ProRata.ai) أيضًا على يد (بيل جروس)، مبتكر نموذج الإعلانات الشهير الدفع مقابل النقرة (PPC)، الذي غير وجه صناعة الإعلانات الرقمية، والذي تعتمد عليه محركات البحث وأهمها جوجل، وذلك بعد نجاح باهر في تأسيس شركة (GoTo.com) في عام 1998، التي استحوذت عليها شركة ياهو فيما بعد، والآن يواصل جروس مع فريق محترف دفع حدود الابتكار في مجال التقنية في عصر الذكاء الاصطناعي.

إذ سيتولى جروس، منصب الرئيس التنفيذي لشركة (ProRata.ai)، ليثبت مرة أخرى قدرته على تطوير نماذج أعمال ثورية في عالم يتحكم فيه الذكاء الاصطناعي.

ويقول (بيل جروس): “تعاني محركات البحث التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي مشكلة خطيرة تتمثل في الاعتماد على محتوى غير أصلي ومسروق، وتؤدي هذه المشكلة إلى حرمان المبدعين من حقوقهم وتسهيل انتشار المعلومات المضللة. ولهذا السبب، طورت شركة (ProRata.ai) تقنية مبتكرة تضمن حصول المبدعين على التقدير والتعويض المستحقين، وفي الوقت نفسه تقدم للمستخدمين إجابات دقيقة وموثوقة، وسيؤدي هذا الحل إلى حركة أوسع عبر صناعة الذكاء الاصطناعي بأكملها”.

وقال السير لوسيان جرينج، رئيس مجلس إدارة مجموعة (Universal Music) ورئيسها التنفيذي: “تتوافق أهداف (ProRata.ai) مع رؤيتنا الخاصة لكيفية استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي الثورية بطريقة أخلاقية تعود بالنفع على المبدعين”.

وأعرب نيكولاس تومسون، الرئيس التنفيذي لمجلة (The Atlantic)، عن أمله في أن يصبح هذا النهج الجديد الذي يركز في الحصول على الأذونات اللازمة، والتحكم في المحتوى، والإشارة الواضحة إلى المصادر، وتقييم المحتوى بنحو عادل، هو المعيار المتبع في جميع أنحاء الصناعة.

ثالثًا، كيف سيعمل نموذج شركة (ProRata.ai) الجديد؟

تعمل شركة (ProRata.ai) على تطوير روبوت دردشة بالذكاء الاصطناعي يعتمد على نموذج لغوي كبير مدرب على مجموعة واسعة من المحتوى الموثوق لتقديم إجابات دقيقة وشاملة، وتخطط الشركة لتقسيم العائدات بالتساوي من الاشتراكات في محرك البحث الخاص بروبوت الدردشة مع شركائها في ترخيص المحتوى. ولكنها لم تُسمِّ هذا الروبوت بعد، وتخطط لإطلاقه في الخريف القادم.

وتهدف الشركة إلى إبرام صفقات مع مجموعة واسعة من مالكي المحتوى المتميز، بما يشمل: الناشرين والمؤلفين وشركات الموسيقا والشعراء والفنانين والمزيد، لتغذية النموذج اللغوي الكبير، الذي سيعمل على تشغيل روبوت الدردشة الخاص بها.

وبالإضافة إلى تعاقدها مع كبرى الشركات الإعلامية التي أعلنتها الشركة أمس، قال جروس إن الشركة أبرمت أيضًا صفقات مع مؤلفين فرديين مثل: آدم جرانت، وسيث جودين، وتوني روبنز.

وأوضح جروس أن نصف إيرادات الاشتراكات الشهرية التي ستجنيها (ProRata.ai) من روبوت الدردشة الخاص بها ستُوزع بنحو عادل بين جميع الشركاء في ترخيص المحتوى. وتعتمد آلية التوزيع على خوارزمية متقدمة تحسب بدقة مساهمة كل شريك في المحتوى الناتج.

إذ تستخدم (ProRata.ai) خوارزمية مبتكرة حاصلة على براءة اختراع لتحديد المساهمات الدقيقة لكل مالك محتوى في كل إجابة يقدمها روبوت الدردشة، وستُحسب هذه المساهمات بناءً على مجموعة من العوامل، بما يشمل: مدى حداثة المعلومات ودقتها، وستُوزع العوائد على مالكي المحتوى بشكل مباشر بناءً على نسبة مساهمتهم في كل إجابة.

ويعتقد جروس أن هذه التقنية ستمكن الناشرين من المطالبة بحقوقهم المالية بنحو عادل من أي شركة تستخدم محتواهم لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ونظرًا إلى عدم وجود نظام فعال لتحديد مساهمات مالكي المحتوى في أرباح شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى، يخطط جروس لمنح شركات مثل: OpenAI و Anthropic ترخيصًا لاستخدام النموذج اللغوي الكبير الذي تطوره شركته، وذلك لتمكين هذه الشركات من تحديد مساهمات كل مالك محتوى بدقة في أرباحها.

وتجدر الإشارة إلى أن كبرى الشركات الإعلامية، مثل: فايننشال تايمز، وذا أتلانتيك، وفورتشن، وتايم، ومجموعة (أكسل شبرينجر)، قد عقدت صفقات بالفعل مع شركات الذكاء الاصطناعي مثل: OpenAI و Perplexity، ولكن هذه الصفقات غير حصرية، إذ يمكن لهذه الشركات إبرام صفقات مع شركات ذكاء اصطناعي أخرى مثل (ProRata.ai) إذا رغبت تلك الشركات في ذلك.

كما تستطيع شركة (ProRata.ai) تسويق تقنيتها لشركات الطرف الثالث مثل: شركة (Tollbit)، التي توفر منصة رقمية تسمح لشركات الذكاء الاصطناعي وناشري المحتوى، بالالتقاء وإبرام الصفقات التجارية، والتي يمكنها استخدام خوارزمية الإسناد الجديدة لمساعدة الأطراف في تحديد قيمة المساهمات المختلفة بدقة، مما يعزز الثقة والشفافية في الصفقات.

ومع ذلك، يجازف جروس بمستقبل الشركة بربط نجاحها بشكل كامل بدقة وموثوقية النموذج اللغوي الكبير، الذي لا يزال في مرحلة التطوير، ولم يخضع لاختبارات واسعة النطاق حتى الآن.

وقد أظهرت الشركات الإعلامية اهتمامًا كبيرًا بنموذج شركة (ProRata.ai)، نظرًا إلى آلية تقاسم الأرباح الفعالة التي تقدمها، والتي تحفزها على التعاون.

كما يعتقد جروس أن شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى سترغب في الحصول على ترخيص استخدام نموذج (ProRata.ai) بدلًا من تطوير نماذج خاصة بها من البداية، نظرًا إلى التكلفة المنخفضة وسهولة تفويض مسؤولية تحديد مساهمات مالكي المحتوى إلى طرف ثالث موثوق به.

باختصار، يقول جروس: “نحن نبني حركة تقول إن الذكاء الاصطناعي التوليدي أمر رائع، لكنه معيب. إنه قوي، لكنه غير عادل، ونحن نعمل على جعله عادلًا”.

رابعًا، ما أهمية ما يحدث لصناعة المحتوى؟

تواجه صناعة المحتوى الرقمي تحديات كبيرة في تحديد ملكية المحتوى وتوزيع العائدات بشكل عادل، خاصةً مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد المحتوى، لذلك تُعدّ تقنية (ProRata.ai) وتعاونها مع كبرى شركات الإعلام خطوة مهمة نحو بناء مستقبل عادل ومستدام لصناعة المحتوى. وذلك من خلال:

  • حماية المبدعين: يضمن نموذج الشركة حصول المبدعين على التقدير المادي والمعنوي لجهودهم الإبداعية.
  • ضمان استدامة صناعة المحتوى: يساهم في بناء صناعة محتوى مستدامة تعتمد على التوزيع العادل للعائدات وحماية حقوق الملكية الفكرية.
  • تطوير نماذج أعمال جديدة: يفتح هذا التعاون آفاقًا جديدة لتطوير نماذج أعمال مبتكرة في مجال الذكاء الاصطناعي وصناعة المحتوى، ويأتي هذا التطور في ظل الاهتمام المتزايد بأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي وحماية حقوق الملكية الفكرية.

باختصار، يمكن القول إن شركة (ProRata.ai) ستؤدي دورًا حيويًا في تطوير صناعة المحتوى الرقمي من خلال توفير حلول مبتكرة لحماية حقوق الملكية الفكرية وتوزيع العائدات بشكل عادل.

زر الذهاب إلى الأعلى