الشبكات المتقدمة ركيزة أساسية لتحقيق التميّز في قطاع التعليم

بقلم رفعت الكرمي، مهندس استشاري أول في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا في شركة جونيبر نتوركس.
يزداد العالم تعقيدًا من الناحية التكنولوجية في كل ثانية، وتؤدي التطورات المتلاحقة في تقنيات مثل: الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء إلى إحداث تغيير جذري في طريقة عملنا وتفاعلنا مع الأدوات التي نستخدمها لإدارة حياتنا اليومية، بدءًا من السيارات، والهواتف الذكية وحتى النظارات والأحذية. ومن شأن هذا الواقع أن يضع ضغوطًا هائلة على النظام التعليمي لإعادة تأهيل الطلاب الحاليين، وإعداد أجيال جديدة يمكنها العيش في عالم تعمل فيه التكنولوجيا بشكل مستقل بنحو كبير.
وفي دولة الإمارات العربية المتحدة التي تولي اهتمامًا كبيرًا بجودة التعليم، باعتباره إحدى الركائز الأربع التي تقوم عليها إستراتيجية (مئوية الإمارات 2071)، كما يمثل ركنًا أساسيًا في رؤية (نحن الإمارات 2031)، تهدف الدولة إلى صنع بيئة قادرة على إنتاج عقول ماهرة رائدة ومعرفية يمكنها تصميم المستقبل واستشرافه، واكتساب أفضل وأحدث الفرص التعليمية في جميع مراحل الحياة.
وبدءًا من المدارس الابتدائية وحتى برامج الدراسات العليا، إلى جانب كافة المنظمات التجارية والتقنية والتجارية، يتعيّن استخدام أحدث التقنيات لتعليم أكبر عدد من الطلاب في أوسع نطاق ممكن من المجالات. وعندما يتعلق الأمر بضرورة تحقيق التميز التعليمي، تبرز أهمية الشبكات المتقدمة لدورها الحاسم في هذه المعادلة.
تعليم بلا حدود:
يعد التعليم جهدًا تعاونيًا، لكن في بعض الأحيان يندر توفير أفضل المعلمين في المكان والزمان نفسه، ويُعد هذا الجانب واحدًا من أهم التحديات التي ينبغي لقطاع التعليم مواجهتها لتحقيق التميز في مشهد اليوم المتطور باستمرار، عبر الحرم الجامعي أو في أرجاء المدينة، أو على مستوى العالم.
يمكن للمؤسسات التعليمية الحديثة والمتصلة بالشبكات أن تدعم تجارب التعلم التعاوني بنحو فعال، وأن تمتد إلى ما هو أبعد من جدران الفصول الدراسية، في إطار الحلول التي تساعد في تجاوز الفجوات العرقية والدينية والثقافية. وبفضل تقنيات الترجمة اللحظية المبتكرة، لم يعد اختلاف اللغات يشكل عائقًا، ويعني ذلك أن تبادل الأبحاث الأكاديمية يمكن أن يصبح أسرع وأبسط، كوسيلة لتعزيز المعرفة العالمية، ودعم التطورات الرائعة المتلاحقة، عبر مجموعة واسعة من الصناعات والتخصصات.
إن هذا النوع من المؤسسات التعليمية التي تعتمد على التفكير التقدمي يمكنها أيضًا تحقيق مجموعة واسعة من الأهداف بشكل أكثر فعالية، مع توفير فوائد متعددة لجميع الأطراف المعنية. على سبيل المثال: يمتلك الطلاب فرصة ثمينة تساعدهم في الوصول إلى ثروة من المعلومات من كل ركن من أركان العالم. ويتيح لهم هذا الوضع اكتساب المعرفة على نطاق غير مسبوق، لاسيما أنها تكون متاحة في متناول أيديهم بسهولة.
ويمكنهم أيضًا مواصلة دراستهم خلال وجودهم داخل منازلهم في حال تفشّي المخاوف الصحية أو نتيجة ظروف أخرى غير متوقعة. وفي المقابل، يمكن للمعلمين الوصول إلى الموارد التعليمية بلمسة زر واحد، لاسيما أن الكثير من هذه المواد تكون متاحة للجمهور من المؤسسات التعليمية والمصادر الحكومية، مما يساعد في تقليل النفقات التشغيلية.
تطوّر بنية الشبكة لتمكين الفصول الدراسية من الجيل التالي:
لو افترضنا أن كل ما ذكر سابقًا يعمل بسلاسة، يجب إحداث تحوّل في كيفية بناء شبكات المؤسسات التعليمية. وفضلًا عن توفير فرص الوصول إلى محيط هائل من المعرفة، تكون الشبكات بمنزلة العمود الفقري للتحول الرقمي في هذا القطاع القادر على إحداث ثورة كاملة في المشاركة في الفصول الدراسية، وإلهام الجيل القادم من المتعلمين.
إذ يستطيع المعلمون جذب انتباه طلابهم ومساعدتهم في تطوير تواصل أقوى بموضوعات الدراسة، وذلك من خلال إدماج التكنولوجيا بمهارة في الفصل الدراسي، وباستخدام عناصر مثل: مقاطع الفيديو والصور والأنشطة التفاعلية، يمكنهم تصميم وتقديم دورات ديناميكية وجذابة تجذب الانتباه وتعزز المشاركة النشطة.
ويكون لزامًا على المؤسسات التعليمية أن تستفيد من قدرات البنى القائمة على السحابة وتكامل الذكاء الاصطناعي، بدلًا من الاعتماد على التصاميم القديمة. إذ كانت البنى التحتية القديمة ترتكز على مركزية كل شيء، وإنشاء مجموعات متوازية من المعدات حتى تتمكن من تقديم مزايا، مثل: إدارة الشبكة والخدمات المستندة إلى الموقع. ومن شأن هذا الهيكل أن يؤدي إلى نقطة فشل، كما أنه يضيف تعقيدًا إضافيًا؛ لأن التعديل على نظام واحد قد يترك تأثيرًا سلبيًا في أي نظام آخر متصل أو تابع.
ولضمان النجاح في هذه البيئة كخطوة أولى، يجب على المؤسسات التعليمية التوقف عن التركيز في المعدات، والاعتراف بأن تجربة المستخدم يجب أن تأتي في مقدمة العوامل الأساسية. ليس هذا فحسب، بل يجب علينا أن نتوقف عن الطريقة القديمة لإنشاء السجلات الرسمية لتوثيق المشكلات، وتوجيه المستخدمين عبر عملية إصلاح طويلة.
كما سيكون من المفيد للغاية في هذه الحالة إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي بوصفها عاملًا بالغ الأهمية لتحقيق هذا التحول في الشبكة. ويُعد تكامل تقنيات الذكاء الاصطناعي من العوامل الضرورية التي يجب أخذها في الحسبان لتحقيق هذا التحول في الشبكات.
ومع أن العديد من الموردين يزعمون أنهم يستخدمون (أو سيستخدمون) الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لإدارة الشبكة، تظل هذه الادعاءات في الغالب مجرد برامج ودعايات تسويقية. وهنا تبرز أهمية سحابة الخدمات الصغيرة الحديثة وسنوات الخبرة في تجميع البيانات والأدوات المساعدة لإجراء المحادثات، حيث تعد جميعها عوامل أساسية لدعم عمليات الشبكة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
لم يعد إنشاء شبكة متطورة أمرًا صعبًا أو باهظ التكلفة خلافًا للاعتقاد الشائع، كما وصلت صناعة الشبكات إلى مستوى من الخبرة يسمح بنشر شبكات جديدة تمتاز بالقدرة العالية على التكيف بسرعة ومن دون انقطاع.
إذ إن إضفاء الطابع الافتراضي على الشبكات بسرعة يساعد في تطوير البنى التحتية بأكملها وإدارتها بالكامل، بدءًا من المرافق المركزية وامتدادا إلى الشبكات الأساسية، ووصولًا إلى الشبكات السلكية واللاسلكية التي تتصل بأجهزة المستخدم.
وعندما تكون تلك الشبكات معززة بالتقنيات الذكية، يصبح تشغيلها أسهل بكثير، كما تكتسب مستوى أعلى من المرونة في مواجهة الاضطرابات، وتصبح أكثر قدرة على دعم الاتصال العالمي من خلال التنقل تلقائيًا في عدد كبير من الأنساق والبروتوكولات وتقنيات النقل التي تمكن تدفق المعلومات من نقطة إلى أخرى من دون عوائق.
تعزيز إدارة المرافق والاستدامة والتجربة الجامعية باستخدام البيانات والذكاء الاصطناعي:
ترتقي أهمية صيانة المعدات التي تستثمر فيها المؤسسات بكثافة كل عام إلى مستوى التجربة التعليمية الحديثة. وعن طريق تبنّي تقنيات الشبكات المتقدمة، يمكن لمديري المرافق وأقسام تكنولوجيا المعلومات تصميم حرم جامعي ذكي لمراقبة مختلف المجريات والعمليات والمكونات تقريبًا، بدءًا من معدات المختبرات وحتى الحواسيب المحمولة والإنارة.
وبهذه الطريقة، يمكنهم اكتساب فهم أعمق لاستخدامها الحقيقي وموقعها وحالتها، وبما أن تكاليف المرافق تحتل المرتبة الثانية في قائمة أهم النفقات في الجامعات، يمكن تحليل كل عنصر من عناصر الجامعة للكشف عن المشكلات، وتعزيز الكفاءة، وخفض التكاليف في النهاية.
ويمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على جمع البيانات وترجمتها إلى قيمة ذات معنى، لاسيما أنه يقع في قلب الحرم الجامعي الذكي، مما يوفر الوصول إلى التفاصيل الدقيقة التي تساعد الجامعات في فهم مساحاتها. على سبيل المثال، بدلًا من تشغيل الأضواء أو التدفئة أو تكييف الهواء بنحو مستمر، يمكن للخدمات المستندة إلى الموقع والمدعومة برؤى الذكاء الاصطناعي، أن تضمن استخدام المرافق فقط عند الحاجة. وهذا يمنح صناع القرار فهمًا أفضل للمجالات التي تعد أكثر استخدامًا، وأقل استخدامًا.
وخلال أقل الأوقات ازدحامًا، يمكن للجامعات اختيار إيقاف تشغيل المرافق في الأماكن الثانوية لتقليل فواتير الخدمات غير الضرورية، وإطالة دورة حياة أصولها، والمساهمة في تحقيق أهداف الاستدامة. وعلى ضوء التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بخفض مستويات الانبعاثات الكربونية، فإن الشبكات المتقدمة تُعد أمرًا ضروريًا للمؤسسات التعليمية التي تهدف إلى تقليل بصمتها الكربونية التشغيلية بنحو فعال.
وبعيدًا عن إدارة المرافق واستدامتها، يعني اعتماد الذكاء الاصطناعي داخل مجتمع التعليم العالي أن المؤسسات المبتكرة ذات التفكير التقدمي يمكن أن تصبح قادرة على التكيف والتفوق في أنشطتها التعليمية والبحثية.
ويُعد تنفيذ الإستراتيجيات المستندة إلى البيانات وتحسين العمليات من الأمور المهمة للغاية لتوجيه التغيير الإيجابي والتدريجي. ولو أخذنا صحة ورفاهية الطلاب كمثال على ذلك، يمكن اللجوء إلى تحويل نهج الخدمات التفاعلية التقليدية إلى تنبيهات استباقية باكرة، كأحد الحلول المساعدة في تقديم الدعم المناسب في الوقت المناسب، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير قواعد اللعبة المتعلقة بالنتائج الإيجابية للطلاب.
لا شك أننا نعيش بالفعل في عالم مترابط للغاية، ومن المتوقع أن ينمو هذا التوجه في المستقبل المنظور، ويعمل الجيل الجديد من الشبكات المتقدمة على إحداث تحول في قطاعات الرعاية الصحية والمالية والخدمات والتصنيع وغيرها من الصناعات في جميع أنحاء العالم. ويجب على المؤسسات التعليمية والقائمين على هذا القطاع عمومًا الاستفادة من التقدم في مجال الشبكات لتوفير فوائد كبيرة للمجتمع وضمان تكافؤ الفرص، والمساهمة في تحقيق نتائج حاسمة لمستقبل البشرية.