دراسات وتقاريرمنوعات تقنيةنصائح تكنولوجية

لا iMessage لغير أجهزة آبل.. إليك قصة تطبيق Beeper Mini الذي يؤرق آبل

ظل تطبيق التراسل (iMasseage) تطبيقًا حصريًا لأجهزة آبل منذ إطلاقه في عام 2011، حتى ظهر تطبيق (Beeper Mini) الذي أتاح الفرصة لمستخدمي هواتف أندرويد للتواصل مع مستخدمي آيفون عبر (iMessage) كما لو كانوا يستخدمون آيفون.

ولكن سرعان ما أدى ذلك إلى اندلاع صراع بين آبل وشركة Beeper، فبعد أسبوع واحد من إطلاق تطبيق (Beeper Mini)، حظرت شركة آبل التطبيق عن طريق تغيير نظام iMessage الخاص بها، وقالت إن التطبيق يمثل خطرًا على الأمن والخصوصية.

أدى رد فعل شركة آبل إلى بحث شركة Beeper عن طرق جديدة لإعادة ربط مستخدمي أندرويد بتطبيق iMessage مرة أخرى، الأمر الذي دفع آبل إلى إيجاد طرق جديدة لحظر التطبيق ردًا على ذلك.

وسرعان ما أثار هذا الصراع تساؤلات في واشنطن حول استخدام شركة آبل هيمنتها على (iMessage) لمنع المنافسة وإجبار المستهلكين على إنفاق المزيد من الأموال لشراء هواتف آيفون مقارنة بالبدائل المنخفضة السعر، مما يجعلها تواجه تحقيق مكافحة احتكار.

ولكن ما تطبيق (Beeper Mini)، وكيف تمكن من ربط مستخدمي أندرويد بمستخدمي آيفون؟ لماذا تحارب أكبر شركة تقنية في العالم تطبيق تراسل بهذه الطريقة؟.. إليك القصة الكاملة لتطبيق (Beeper Mini) أحدثِ صداعٍ تعانيه آبل: 

أولًا؛ ما تطبيق Beeper Mini؟

لا iMessage لغير أجهزة آبل.. إليك قصة تطبيق Beeper Mini الذي يؤرق آبل

تأسست شركة (Beeper) في عام 2020 على يد كل من (إريك ميجيكوفسكي) Eric Migicovsky؛ الشريك في مسرعة الأعمال (Y Combinator)، و(برادي مواري) Brad Murray، بهدف إيجاد طريقة لربط تطبيقات المراسلة الحديثة في تطبيق واحد، فمن خلال تطبيق Beeper الذي قدمته الشركة يمكن للمستخدمين الاتصال بما يصل إلى 15 خدمة مراسلة مختلفة، بما يشمل: واتساب، وتيلجرام، وسيجنال، ورسائل إنستاجرام، وتويتر، وغيرها، وحتى (iMessage) من خلال بعض الحيل.

وقد صرح (ميجيكوفسكي) وقتها أن فكرة تطبيق دردشة عالمي خطرت له لأول مرة أثناء عمله في شركة (Pebble) الرائدة في مجال الساعات الذكية، قبل أن تستحوذ عليها شركة Fitbit.

ولكن مع الوقت طورت الشركة تطبيقها حتى وصلت إلى إطلاق تطبيق جديد يُسمى (Beeper Mini) في مطلع شهر ديسمبر 2023، ويستخدم هذا التطبيق بذكاء بروتوكولات تطبيق (iMessage) من آبل للسماح لمستخدمي هواتف أندرويد بإرسال رسائل مشفرة ذات فقاعات زرقاء.

وقالت شركة (Beeper): “إنها منذ أن بدأت بتطوير تطبيقها وهي تركز في مزايا الخصوصية والأمان”، إذ لا يتطلب عمل التطبيق وجود خادم سحابي لإرسال الرسائل واستقبالها، كما أنه ينفذ أيضًا بروتوكول التشفير الشامل من آبل داخل تطبيق أندرويد نفسه، حيث يشفر التطبيق جميع الرسائل عن طريق تقنية (التشفير من طرف إلى طرف) End-to-end encryption، مما يعني أن شركة آبل وكذلك Beeper، لا يمكنهما رؤية الرسائل، أو ملفات الوسائط المتعددة التي تُرسل عبر التطبيق.

يتصل تطبيق (Beeper Mini) مباشرة بخوادم آبل، ولا يلزم وجود معرف آبل حتى تستخدمه في هواتف أندرويد، مما يعني أن شركة Beeper لا يمكنها الوصول إلى حسابات آبل الخاصة بمستخدمي هواتف آيفون.

لتنفيذ لكل هذا؛ استعانت شركة (Beeper) بالبحث الذي أجراه (جيمس جيل) James Gill – وهو طالب في المدرسة الثانوية يبلغ من العمر 16 عامًا وهو من هواة علوم الحاسوب – الذي تمكن من إجراء هندسة عكسية لبروتوكول iMessage والتشفير، ومن خلال الاستفادة من هذا البحث، ينفذ تطبيق (Beeper Mini) بروتوكول iMessage محليًا داخل التطبيق. ولكن إذا كان الأمر هكذا لماذا حظرت آبل التطبيق؟

ثانيًا؛ لماذا حظرت آبل تطبيق (Beeper Mini)؟

لا iMessage لغير أجهزة آبل.. إليك قصة تطبيق Beeper Mini الذي يؤرق آبل

لأول وهلة؛ سيبدو الصراع بين آبل وشركة Beeper بشأن الرسائل النصية غريبًا بعض الشيء، ولكن عند التركيز قليلًا ستجد أنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإستراتيجية شركة آبل للسيطرة على سوق الهواتف المحمولة.

فمنذ إطلاق شركة آبل تطبيق iMessage في عام 2011 – قبل أن تصبح تطبيقات المراسلة الفورية التابعة لجهات خارجية مثل: واتساب هي المسيطرة – وهي تعده الإستراتيجية الأساسية التي تساعدها في بيع المزيد من هواتف آيفون. إذ يميز التطبيق مستخدمي آيفون؛ لأنه يظهر النصوص المرسلة في فقاعات باللون الأزرق ويمكن النقر عليها للتعبير عن الإعجاب، لكن النصوص المرسلة بين مستخدمي هواتف أندرويد تظهر في فقاعات باللون الأخضر وليس لها أي امتيازات بسيطة.

منذ ذلك الحين، نمت شركة آبل لتصبح شركة تكنولوجية عملاقة تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات، وتسيطر على غالبية حصة سوق الهواتف المحمولة في الولايات المتحدة بنسبة قدرها 57%، مع نسبة مذهلة تبلغ 87% من مستخدمي الجيل Z لهواتف آيفون، وفقًا لبحث أجراه بايبر ساندلر.

تشجع منظومة آبل التقنية المغلقة للبرامج والأجهزة الأشخاص الذين لديهم أجهزة آبل على شراء أجهزة آبل الجديدة فقط، وهناك من يشتري أجهزة آبل لأفراد العائلة للتمتع بهذه المنظومة المغلقة، مما زاد من هيمنة الشركة.

تعد حماية iMessage بمنزلة إستراتيجية عمرها عقد من الزمن في شركة آبل، ففي عام 2013، عارض (كريج فيديريغي)؛ رئيس قسم البرمجيات في شركة آبل جعل iMessage قابلًا للعمل في أجهزة المنافسين؛ لأنه “سيزيل العائق أمام العائلات التي لديها هواتف آيفون أن تمنح أطفالها هواتف أندرويد”، وذلك وفقًا لرسائل البريد الإلكتروني التي نُشرت خلال معركة آبل في المحكمة مع Epic Games، صانع Fortnite.

كما قاوم تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة آبل الدعوات لتغيير هذا الموقف. وأخبر أحد مالكي هواتف آيفون في مؤتمر العام الماضي أن الحل الوحيد للتخلص من الرسائل النصية الخضراء هو شراء هواتف آيفون للأصدقاء وأفراد العائلة.

باختصار ترى سياسية آبل أن مجرد إتاحة (iMessage) في الأجهزة المنافسة سيؤثر مباشرة في مبيعات آيفون، إذ إن العائلات لن تضطر إلى شراء هواتف آيفون لأطفالها إذا كانوا يرغبون في استخدام iMessage. ومن ثم سيقلل ذلك من عدد أجهزة آيفون التي تُباع، مما سيضر بأعمال آبل.

دفعت هيمنة آبل شركات تصنيع هواتف أندرويد إلى إيجاد حل، فقد تعاونت شركة (Nothing) – الشركة الناشئة التي انطلقت في عام 2021 لتصنيع أجهزة أندرويد بجودة عالية – مع تطبيق يُسمى (Sunbird) لتقديم تطبيق يُسمى (Nothing Chats)، الذي يتيح إرسال الرسائل واستقبالها عبر iMessage، وهو لا يتبع آبل بأي صفة رسمية.

وقال وقتها (كارل بي) Carl Pei؛ مؤسس (Nothing) والمؤسس المشارك في شركة OnePlus: “يجب إنشاء باب خلفي في iMessage، وإلا فلن يفكر المستخدمون في شراء أي شيء آخر غير آيفون”.

ولكن بعد أقل من 24 ساعة من إصدار تطبيق (Nothing Chats) في متجر جوجل بلاي، أُزيل بدعوى افتقاره إلى مزايا الأمان والخصوصية.

كما ضغطت شركة جوجل، التي طورت نظام التشغيل أندرويد، على شركة آبل لتبني تقنية تُسمى خدمات الاتصالات الغنية (RCS)، التي من شأنها أن تجعل من الممكن إرسال مقاطع فيديو وصور عالية الدقة بين الهواتف الذكية المتنافسة.

لكن هذه الجهود كلها لم تحقق الكثير من النجاح، وفي الشهر الماضي فقط، قالت شركة آبل إنها ستتبنى هذه التقنية في العام المقبل (بسبب لوائح الاتحاد الأوروبي). وتعني هذه الخطوة أن مستخدمي أندرويد سيستمتعون بمزايا مثل: مشاركة مقاطع فيديو عالية الدقة، ولكنهم سيظلون عالقين مع الفقاعات الخضراء للرسائل النصية.

ثالثًا؛ ما دفاع شركة آبل تجاه حظرها تطبيق (Beeper mini)؟

قالت متحدثة باسم شركة آبل إن الشركة ستستمر في تحديث iMessage؛ لأنها لم تتمكن من التحقق من أن شركة Beeper تحتفظ برسائله مشفرة. وقالت في بيان: “تشكل هذه التقنيات مخاطر كبيرة على أمان المستخدم وخصوصيته، ومنها: احتمالية الكشف عن البيانات الوصفية وتمكين الرسائل غير المرغوب فيها والبريد العشوائي وهجمات التصيد الاحتيالي”.

ولكن لا يوافق (ميجيكوفسكي) مؤسس شركة Beeper على ذلك، وقال: “إنه بدلًا من السماح لعملاء أندرويد بإرسال رسائل مشفرة لعملاء آيفون، تحاول آبل إجبارهم على تبادل الرسائل النصية غير المشفرة”. ونشر كود برنامج Beeper عبر الويب وشجع شركة آبل وخبراء الأمن السيبراني على مراجعته.

وقال ماثيو جرين، الأستاذ المشارك في علوم الحاسوب بجامعة جونز هوبكنز: “إن لدى شركة آبل بعض المخاوف الأمنية المشروعة، وحذر من أن الصراع الممتد بين الشركتين يمكن أن يؤدي إلى ظهور نقاط ضعف يمكن أن يستغلها المجرمون”.

وفي محاولة لإنهاء الأزمة، قال ميجيكوفسكي إنه أرسل بريدًا إلكترونيًا إلى تيم كوك، لكن رئيس شركة آبل لم يرد عليه. وأوضح ميجيكوفسكي أن نيته لم تكن محاربة آبل، ولكن كان الهدف الوحيد من إطلاق التطبيق، هو جمع تطبيقات التواصل تحت مظلة واحدة، لتسهيل الأمر على المستخدم.

رابعًا؛ هل ستواجه آبل تحقيق مكافحة احتكار بسبب حظر التطبيق؟

دفع الصراع بين آبل وشركة Beeper بالفعل مجموعة من أعضاء الكونجرس الأمريكي إلى إرسال رسالة إلى وزارتي العدل والتجارة، للمطالبة بفتح تحقيق موسع في حظر شركة آبل تطبيقات شركة Beeper، وهي: Beeper Mini، و Beeper Cloud، التي تجعل مستخدمي هواتف أندرويد قادرين على مراسلة مستخدمي آيفون عبر (iMessage) متهمين آبل باتباع ممارسات احتكارية في سوق تطبيقات التراسل الفوري. ورفضت شركة آبل التعليق على الرسالة.

بحسب رسالة النواب الأمريكيين فإن تطبيق (Beeper Mini) في هواتف أندرويد يشكل تهديدًا قويًا لأفضلية آبل، مما سيوفر سوقًا تنافسية لتطبيقات الهاتف، وذلك سينعكس على رفع مستوى التنافسية في سوق الهواتف الذكية.

الجدير بالذكر أن القوانين الأوروبية الجديدة لم تُصنف تطبيق (iMessage) من آبل على أنه في موضع احتكاري في سوق تطبيقات التراسل، حتى الآن على الأقل.

وأورد أعضاء الكونجرس في رسالتهم أيضًا تعليقات قالها إيريك ميجيكوفسكي مؤسس شركة Beeper، خلال جلسة استماع بعنوان: (تأثير التوحيد والقوة الاحتكارية على الابتكار الأمريكي) في الكونجرس في 2021، قال خلالها: “خدمات التراسل المسيطرة تستخدم وضعها في السوق لوضع قيود تحول دون سهولة الاستخدام وتبادل الرسائل بين المنصات”.

وقد انعكس صدق تلك الرؤية بوضوح في حظر آبل لخدمات Beeper، وفقًا لما ورد في رسالة أعضاء الكونجرس الأمريكي.

الخاتمة: 

إن المعركة بين آبل وشركة Beeper مثيرة للاهتمام للغاية؛ لأنها تضع وجهتي نظر مختلفتين تمامًا مقابل بعضهما، الأولى: اعتقاد Beeper أن المراسلة مخصصة للأشخاص، وليس للشركات، وأنه لا ينبغي لأحد أن يكون رهينة لمنصة المراسلة الخاصة بأي شركة، والثانية: أن آبل تُعد شركة ناجحة جدًا تدافع عن سلامة منتج ناجح جدًا ومهم جدًا، ولها كل الحق في القيام بذلك.

لذلك فالنتيجة ستكون أحد أمرين؛ الأول: وهو المرجح حتى الآن، نجاح شركة آبل في إبقاء الوصول إلى تطبيق (Beeper Mini) صعبًا، إذ تتمتع شركة آبل بتاريخ طويل في الحفاظ على منظومتها التقنية مغلقة، ويبدو من غير المرجح أن يتغير الأمر الآن.

والثاني: هو أن تبدأ شركة (Beeper) ثورة تصبح في النهاية أكبر من أن تتمكن شركة آبل من إيقافها، ستؤدي إلى فتح iMessage أخيرًا للجميع.

وبالتأكيد الأمر الثاني سيكون صعب التحقق، ولكن يأمله الكثيرون، وكل شيء متوقع في القطاع التقني، لذلك دعنا نرى أي فريق سيكسب في هذا الصراع خلال الأيام القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى