دراسات وتقاريرمنوعات تقنية

كل ما تود معرفته عن اتفاق الإمارات التاريخي للعمل المناخي

اُختتمت أمس أعمال النسخة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف للمناخ (كوب28) COP28 – الذي أُقيم هذا العام في مدينة دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة – بنجاح باهر، وبإعلان (اتفاق الإمارات) للمناخ، الذي وصف بأنه اتفاق تاريخي بشأن العمل المناخي، إذ أقره ممثلو 197 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي.

يدعو اتفاق الإمارات إلى التحوّل نحو التخلي التدريجي عن الوقود الأحفوري – بما يشمل: الفحم والنفط والغاز – من خلال تمهيد الطريق لانتقال سريع وعادل ومنصف، مدعوم بتخفيضات كبيرة في الانبعاثات، ودعم الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، مثل: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بهدف الوصول إلى الحياد الكربوني في عام 2050، الأمر الذي يضع العالم على مسار العمل المناخي الصحيح للحفاظ على البشرية وكوكب الأرض.

وعقد مؤتمر الأطراف جلسة مهمة لعرض صيغة النص النهائية التي تم التوصل إليها، ووصفت بالتاريخية، إذ تعهد 198 طرفًا بالإجماع على الحد من الانبعاثات الكربونية، مما ساهم في الوصول إلى مستهدفات COP28 وتجاوز الطموحات المحددة.

وعند افتتاح الجلسة العامة، تبنى المندوبون الاتفاق الذي أعدّته الإمارات وقوبل ذلك بتصفيق حار من الحاضرين. وقال الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة رئيس مؤتمر الأطراف COP28 في كلمته خلال الجلسة: “إنه قرار تاريخي لتسريع العمل المناخي، لدينا لأول مرة صيغة حول الطاقات الأحفورية في الاتفاق النهائي”.

ولكن أكد أن نجاح اتفاق الإمارات الحقيقي سيكون في تنفيذه. وقال: “نحن ما نفعله، وليس ما نقوله، علينا أن نتخذ الخطوات اللازمة لتحويل هذا الاتفاق إلى إجراءات ملموسة”.

وأشاد الدكتور سلطان الجابر بنجاح COP28 في تطوير منظومة مؤتمرات الأطراف وإدراج بنود شاملة تتعلق بالوقود التقليدي لأول مرة في نص الاتفاق النهائي مما سيفيد كلًا من البلدان الصغيرة النامية والدول ذات الاقتصادات الكبيرة، ويساهم في تحقيق تقدم جوهري نحو تنفيذ الأهداف المناخية العالمية وتوفير الاستثمارات اللازمة لتحقيقها، كما رحب بالتفاؤل الذي ساد الأجواء بين الأطراف في اليوم الختامي للمفاوضات، مما ساهم في الوصول لمستهدفات المؤتمر وتجاوز الطموحات المحددة.

وقال الدكتور سلطان الجابر خلال كلمته أيضًا: إنه اتفاق الإمارات.. إذ قال الكثيرون إن هذا الاتفاق لا يمكن أن يتحقق. لكن عندما تحدثت إليكم في بداية المؤتمر، وعدتُ بمؤتمر للأطراف يختلف عن سابقِيه، مؤتمر يجمع كافة المعنيين من القطاعين الخاص والحكومي، وممثلي المجتمع المدني، والقيادات الدينية والشباب والشعوب الأصلية”.

وأضاف قائلا: “إنه منذ اليوم الأول، تعاون الجميع، واتحدوا، وعمِلوا، وأنجزوا. لقد قمنا معًا بتفعيل الصندوق العالمي المختص بمعالجة تداعيات تغير المناخ وبدأنا بتمويله. وحشدنا تعهدات تمويلية جديدة تفوق 83 مليار دولار. كما أطلقنا صندوق (ألتيرّا) للاستثمار المناخي، وهو أكبر صندوق عالمي خاص لتحفيز استثمارات العمل المناخي يركز بنسبة قدرها 100% في حلول تغير المناخ، وحققنا إنجازات عالمية رائدة”.

تدشين مرحلة نوعية جديدة في مسار العمل المناخي:

وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات: “إن اتفاق الإمارات التاريخي يدشن مرحلة نوعية جديدة في مسار العمل المناخي الدولي”.

وقال سموه في تدوينة عبر منصة إكس: “في ختام (كوب28) أشكر كل الوفود التي عملت بروح التعاون والعمل الجماعي، ومن منطلق الوعي بالمسؤولية تجاه الأجيال المقبلة، على الخروج بـ “اتفاق الإمارات” التاريخي الذي يدشن مرحلة نوعية جديدة في مسار العمل المناخي الدولي. كما أشكر فرق العمل الوطنية والأممية التي أسهمت في إنجاح هذا الحدث العالمي”.

نحو نهاية عصر الوقود الأحفوري:

جاء نص (اتفاق الإمارات) للمناخ في 21 صفحة، وقد دعت الفقرة رقم 28 من أصل 196 فقرة إلى “التحول عن استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، لتحقيق هدف صفر انبعاثات بحلول عام 2050، تماشيًا مع ما يوصي به العلم”.

كما يدعو الاتفاق إلى زيادة قدرة الطاقة المتجددة على مستوى العالم إلى ثلاثة أمثالها بحلول عام 2030، وتسريع الجهود المبذولة للحد من استهلاك الفحم، وتسريع استخدام تقنيات مثل: احتجاز الكربون وتخزينه، التي يمكن أن تحول قطاعات يصعب إزالة الكربون منها إلى قطاعات نظيفة.

وأقر الاتفاق التاريخي بأن الحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية دون تجاوز الهدف أو تجاوزه بشكل محدود يتطلب تخفيضات كبيرة، وسريعة، ومستدامة في انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تبلغ 43% بحلول عام 2030، ونسبة قدرها 60% بحلول عام 2035، مقارنة بالمستويات التي كانت عليها في عام 2019.

ودعا الأطراف إلى الإسهام في الجهود العالمية بالطريقة المقررة على المستوى الوطني، مع الأخذ في الحسبان اتفاق باريس، ومختلف الظروف الوطنية.

وأشار الاتفاق إلى أن اتفاق باريس للمناخ الذي وُقع في 2015، قاد إجراءات شبه عالمية من أجل المناخ، من خلال تحديد الأهداف وإرسال إشارات إلى العالم بشأن الحاجة المُلحة إلى الاستجابة لأزمة المناخ.

وقال سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، خلال جلسة إعلان الاتفاق: “إن السنوات المقبلة حاسمة وستكون خلالها أصوات الأطراف وإصرارهم أكثر أهمية من أي وقت مضى، ويمثل الاتفاق المُعلن اليوم بداية النهاية لعصر الوقود الأحفوري، مع أننا لم نطوِ صفحة عصر الوقود الأحفوري في دبي، ولكن الآن يتعين على جميع الحكومات والشركات تحويل هذه التعهدات إلى نتائج اقتصادية حقيقية، دون تأخير”.

وبدوره، قال أنطونيو جوتيريش؛ الأمين العام للأمم المتحدة، بعد التوصل إلى الاتفاق: “إن عصر الوقود الأحفوري يجب أن ينتهي، ويجب أن ينتهي من خلال تحقيق العدالة والإنصاف”.

وتابع جوتيريش في تغريدة عبر منصة إكس: “للمرة الأولى، بات لدينا اعتراف بالحاجة إلى التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري، بعد سنوات عديدة من عرقلة مناقشة هذه القضية”.

ترحيب عالمي باتفاق الإمارات التاريخي:

رحب توفيق البراء؛ رئيس الوفد السعودي إلى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، والمتحدث باسم المجموعة العربية، باتفاق الإمارات، ونجاح مخرجاته التي تؤكد تعدد المسارات والنهج؛ بما يتماشى مع ظروف وأولويات كل دولة في سبيل تحقيق التنمية المستدامة”.

وشدد خلال الجلسة الختامية لمؤتمر (COP28)، التي أُقر خلالها الاتفاق، على أن المجموعة العربية تؤكد ضرورة تفعيل مبدأ العدالة والمسؤولية المشتركة، كما ورد في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ التي تدعم اتخاذ نهج مختلف لمعالجة الانبعاثات، حسب الظروف والأولويات المختلفة.

وهذا ما أكده سمو الأمير عبدالعزيز بن سلمان؛ وزير الطاقة السعودي في وقت لاحق متحدثًا عن مراعاة “ظروف كل دولة وإمكانياتها”.

وقال سمو الأمير عبد العزيز بن سلمان: “إن اتفاق (كوب 28) يشدد بالأساس على أهمية تحول الطاقة”. مشيرًا إلى أن نص البيان الختامي لاتفاق (كوب 28) خضع للمراجعة كلمة بكلمة.

وأكد سموه في مقابلة خاصة مع قناة العربية أن التركيز عاد على معالجة التحديات بالتوافق مع المصالح الوطنية، وعدّ أن الاتفاق الحالي أعاد اتفاق باريس إلى الواجهة مجددًا، ولفت إلى أن المستهدف هو خفض الانبعاثات، وللدول حق اختيار المنهجية المناسبة. وشدد على أن اتفاق (كوب 28) أعطى لكل دولة الحق في اختيار المنهجية التي تحافظ على مصالحها.

أهم الاتفاقيات والتعهدات المالية التي شهدها COP28:

نجح مؤتمر COP28 في التوصّل إلى مجموعة من الاتفاقيات والتعهدات المالية المهمة التي تتماشى مع خطة عمل رئاسة المؤتمر الهادفة إلى الحفاظ على إمكانية تفادي تجاوز الارتفاع في درجة حرارة كوكب الأرض مستوى قدره 1.5 درجة مئوية، وتنفيذ أهداف اتفاق باريس. وجمَع COP28 إجمالًا أكثر من 83.9 مليار دولار للتمويل المناخي، ومن أبرز الوقائع التي شهدها المؤتمر ما يلي:

صندوق الخسائر والأضرار:

أقر مؤتمر المناخ (COP28) في يومه الأول رسميًا اتفاقًا بشأن تشغيل صندوق (الخسائر والأضرار)، لتعويض أكثر الدول تضررًا من تداعيات التغير المناخي، وهو الأمر الذي كان العالم قد توصل إلى اتفاق مبدئي بشأنه في (COP27) الذي عُقد في مدينة شرم الشيخ المصرية العام الماضي.

وبحلول آخر أيام المؤتمر بلغ حجم التعهدات للصندوق أكثر من  700 مليون دولار، وتقوم فكرة صندوق (الخسائر والأضرار) على جمع مبالغ مالية من الدول الكبرى المسؤولة بالنسبة الكبرى عن التغير المناخي الناتج عن عمل المصانع والتلوث واستهلاك البيئة، لتُدفع إلى الدول الفقيرة الأكثر تضررًا من تداعيات التغير المناخي، علمًا أنها الأقل تسببًا في التلوث.

صندوق (ألتيرّا) للاستثمار المناخي:

شهدت فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر (COP28) إطلاق صندوق (ألتيرّا) وهو أكبر صندوق استثماري لتحفيز العمل المناخي العالمي برأس مال أساسي أولي قدره 110 مليارات درهم إماراتي – أي ما يُعادل 30 مليار دولار – ويستهدف الصندوق تحفيز الأسواق الخاصة لإطلاق استثمارات مناخية مع التركيز في إحداث تغيير جذري في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.

ويقوم صندوق ألتيرّا الاستثماري على هيكل مبتكر يستهدف تنشيط الأفكار المبتكَرة وإيجاد الحلول المطلوبة لجمع وتحفيز رأس المال بصورة عاجلة تسهم في تنشيط جميع مكونات منظومة الاقتصاد المناخي. ويستهدف الصندوق جمع نحو 920 مليار درهم من الاستثمارات بحلول عام 2030 لبناء اقتصاد مناخي عالمي جديد.

التمويل الأخضر: 

خلال اليوم الخامس من فعاليات المؤتمر؛ كشف عبد العزيز الغرير؛ رئيس اتحاد مصارف الإمارات عن مبادرة بنوك الإمارات بتخصيص نحو تريليون درهم إماراتي – أي أكثر من 272 مليار دولار – للتمويل الأخضر والمستدام بحلول عام 2030، وذلك في إطار الخطة الوطنية للتنمية المستدامة لدولة الإمارات، وقال: “هدفنا يتماشى مع أجندة حكومة الإمارات في مجال المناخ وعام الاستدامة”.

وأعلن الصندوق العربي للطاقة (أبيكورب سابقًا)، خلال المؤتمر، أنه يعتزم استثمار مليار دولار في تقنيات إزالة الكربون على مدى السنوات الخمسة المقبلة. ويركز الصندوق، وهو مؤسسة مالية متعددة الأطراف، على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

أكبر مشروع للطاقة الشمسية:

وفي اليوم السابع للمؤتمر، أطلق سمو الشيخ محمد بن راشد؛ نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء أكبر مشروع للطاقة الشمسية المركّزة على مستوى العالم، ضمن المرحلة الرابعة من (مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية) في دبي، بشراكة سعودية صينية.

وقال سمو الشيخ محمد بن راشد خلال مراسم التدشين: “دولة الإمارات تتبنى رؤية واضحة وأهدافًا محددة للتحوّل إلى واحدة من أكثر دول العالم استدامة، وهو ما يتضح في إطلاقها مشاريع نوعية للطاقة النظيفة والمتجددة بحلول مبتكرة تدمجها في مختلف المجالات الاقتصادية.. ومجمع الطاقة الشمسية يعكس التزامنا بتأسيس بنية تحتية عالمية المستوى تحقق أهداف الاستدامة، وتضع أسسًا متينة لمستقبل صديق للبيئة”.

يمتد المشروع على مساحة إجمالية تصل إلى 44 كم مربع وباستثمارات تصل إلى 15.78 مليار درهم، ويستخدم 70,000 من المرايا (heliostats) التي تتبع حركة الشمس، ويضم أعلى برج للطاقة الشمسية المركزة في العالم على ارتفاع 263 مترًا.

ويضم أيضا أكبر سعة تخزينية للطاقة الحرارية في العالم بقدرة تبلغ 5,907 ميجاوات/الساعة، وذلك وفق جينيس للأرقام القياسية العالمية، كما سيخفض انبعاثات الكربون بأكثر من 1.6 مليون طن سنويًا، مما يعزز دور دبي كقطب عالمي رائد في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة والعمل المناخي.

زر الذهاب إلى الأعلى