هل يمكن أن يستبدل الذكاء الاصطناعي الرؤساء التنفيذيين؟

أعلنت الشركة الصينية (NetDragon Websoft) لتطوير الألعاب في شهر أغسطس الماضي أنها عينت السيدة (تانج يو) Tang Yu رئيسيةً تنفيذية لها، ومنذ ذلك الحين حققت الشركة نتائج مبهرة في سوق الأسهم في هونج كونج، إذ ارتفعت أسهم الشركة بنسبة 10% خلال الأشهر الستة الماضية، وفقًا لبيانات (Google Finance)، وبلغت إيراداتها ٢.١ مليار دولار سنويًا.

فقد تخطى أداء (تانج يو) التوقعات كلها، بقدرتها على الإشراف على مهام تقييم المخاطر، واتخاذ القرار، وتحسين بيئة العمل وزيادة إنتاجيتها.

ولكن كانت هناك مشكلة:

يدفع النجاح الذي حققته (تانج يو) في شركة (NetDragon Websoft) أي شخص إلى التساؤل عن مؤهلاتها وخبراتها، ولكن الجواب أنها لا تملك أيًا من ذلك؛ لأنها ليست إنسانًا، ولكنها روبوت افتراضي مدعوم بالذكاء الاصطناعي!

الذكاء الاصطناعي وتهديد الوظائف:

نظرًا إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي تطورت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، ظهرت الكثير من التقارير حول استبدال قطاعات شاسعة من العمال، إذ توقع مركز ماكينزي العالمي للأبحاث أن 45 مليون عامل، أو ما يقرب من 28% من القوة العاملة الأمريكية بأكملها سيفقدون وظائفهم بسبب الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030.

وقد ركزت التقارير كلها التي ظهرت على أن تهديد الذكاء الاصطناعي سيقتصر على أصحاب (الياقات الزرقاء) Blue Collar، وهم العمال الذين يمارسون الأعمال التي تحتاج إلى جهد بدني وتتطلب الحد الأدنى من المهارات، مثل: عمال المستودعات وسائقي الشاحنات وعمال المصانع، بينما أصحاب (الياقات البيضاء) White Collar، مثل: المحاسبين والمديرين ينعمون براحة البال؛ لأن الآلات ليست قادرة على مجاراة متطلبات وظائفهم حتى الآن.

ولكن ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي التي شاهدناها خلال الفترة الأخيرة؛ أظهرت فلسفة جديدة وتهديدات كبرى، إذ هددت أصحابَ الياقات البيضاء مثل: المحاسبين والصحفيين والكتّاب، والمبرمجين، في حين ظل الرؤساء التنفيذيون في أعلى السلسلة يفكرون في استبدال الموظفين بالذكاء الاصطناعي لخفض التكاليف! ولكن تجربة شركة (NetDragon Websoft) ونتائجها تدل على أنهم أصبحوا مهددين أيضًا.

ماذا لو استبدلنا الرؤساء التنفيذيين بالموظفين؟

عادة ما يكون المبرر الأول لاستبدال الموظفين بالذكاء الاصطناعي هو خفض التكاليف وزيادة الكفاءة، ولكن تشير التقارير إلى أن متوسط رواتب الرؤساء التنفيذيين في قائمة (فورتشن 500) يصل إلى 16 مليون دولار سنويًا، وهذا يعني أن راتب مدير تنفيذي واحد يساوي راتب 399 عاملًا!

وفي الشركات الكبيرة، غالبًا ما تكون هذه النسبة أعلى بكثير؛ فعلى سبيل المثال: حصل الرئيس التنفيذي لشركة أمازون (آندي جاسي) في عام 2021 على راتب إجمالي قدره 213 مليون دولار، وهو ما يُعادل راتب 6474 موظفًا في أمازون، وهذا عدد كافٍ من العاملين لتشغيل 4 مستودعات كبيرة لأمازون.

وقد خلص معظم علماء الاقتصاد الذين درسوا رواتب الرؤساء التنفيذيين إلى أن الرؤساء التنفيذيين يحصلون على أجور مرتفعة للغاية، أي أنهم يكسبون أكثر بكثير مما يقدمونه من خلال قياس الإنتاجية.

وقد أظهرت الأبحاث أنه قد تكون هناك علاقة عكسية بين رواتب الرئيس التنفيذي وأداء الشركة على المدى الطويل، إذ حللت إحدى الدراسات رواتب الرؤساء التنفيذيين في 400 شركة بين عامي 2006 و 2015 ووجدت أن:

• نسبة 20% من الشركات ذات الرؤساء التنفيذيين الأعلى أجرًا، كان من الممكن أن ينمو استثمار 100 دولار إلى 265 دولارًا.
• ونسبة 20% من الشركات ذات الرؤساء التنفيذيين الأقل أجرًا، كان الاستثمار بقيمة 100 دولار قد نما إلى 367 دولارًا.

وتعود أسباب هذه النتائج إلى أن هياكل رواتب التنفيذيين تحفز الرؤساء التنفيذيين على السعي وراء الأرباح القصيرة الأجل بدلًا من النمو الهادف على المدى الطويل، إذ يعتمد معظم أجر الرئيس التنفيذي على تعزيز المقاييس مثل: ربحية السهم، التي يمكن التلاعب بها من خلال مناورات مثل إعادة شراء الأسهم. والنتيجة هي أن الرؤساء التنفيذيين غالبًا ما يكافَؤون بسخاء حتى عندما يقودون شركاتهم إلى نتائج مالية سيئة.

الفكرة الجديدة:

لذلك بدلًا من فصل مئات الموظفين العاديين في الشركة، يمكن أن يقتصر التوفير على تسريح الرئيس التنفيذي فقط لخفض التكاليف.

ولكن الميزة الأولى للرؤساء التنفيذيين – البشريين – هي قدرتهم على التلاعب والإقناع، لذا من الوارد جدًا أن يقنعوا المستثمرين بأن فكرةَ استبدالهم بآلة فكرةٌ مجنونة.

تأسست (NetDragon) عام 1999، وقد طورت العديد من الألعاب المتعددة اللاعبين مثل: Eudemons Online، و Heroes Evolved، و Conquer Online، بالإضافة إلى أول بوابة ألعاب عبر الإنترنت في الصين وهي (www.17173.com).

في حين أنها قد تكون أول شركة تعين روبوتًا رئيسًا تنفيذيًا، فقد توقع (جاك ما) Jack Ma المؤسس لمجموعة (علي بابا) Alibaba في عام 2017 أنه في غضون 30 عامًا؛ من المرجح أن يظهر الروبوت على غلاف مجلة Time كأفضل مدير تنفيذي. وحذر من الأوقات المظلمة المقبلة للأشخاص غير المستعدين للاضطرابات التي من المقرر أن تجلبها التكنولوجيا.

قالت (مارجريتا لين) اقتصادية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لصحيفة The Hustle: “لدي شعور يقول إن الرئيس التنفيذي سيكون آخر وظيفة يمكن أن تُستبدل بالذكاء الاصطناعي، إذ إن المهام الوظيفية للرئيس التنفيذي التي لا يمكن للذكاء الاصطناعي تكرارها متجذرة في اللمسة الإنسانية والتواصل مع الجمهور، والتفاوض وهذا أشياء لا يمكن أن يقوم بها الذكاء الاصطناعي بعد”.

ولكن هذا لا يعني أن العديد من المهام الوظيفية للرئيس التنفيذي لا يمكن أتمتتها، إذ قدرت دراسة معهد ماكينزي أن نحو 25% من وقت المدير التنفيذي يُقضى في مهام يمكن للآلات أو الذكاء الاصطناعي القيام بها، مثل: مراجعة الأداء المالي، وإرسال رسائل بالبريد الإلكتروني، والتنبؤ بالتوجهات.

وعلاوة على ذلك، فإن القوى العاملة لا تعارض تمامًا التخلص من الرؤساء التنفيذيين:

• أظهر استطلاع أجري عام 2019 أن نسبة 30% من العمال يوافقون على استبدال رئيسهم التنفيذي بإنسان آلي بكل سرور.
• وفي استطلاع أجرته The Hustle، قالت نسبة 40% من جميع المشاركين إنهم يعتقدون أن الرؤساء التنفيذيين يجب أن يكونوا آليين.

لذلك إذا تمكن روبوت (تانج يو) Tang Yu الرئيس التنفيذي لشركة (NetDragon) من الاستمرار في التفوق في الأداء على هذا النحو الذي حققه خلال 6 أشهر، فقد لا يكون التنبؤ باستبدال الرؤساء التنفيذيين بالذكاء الاصطناعي بعيد المنال.