دراسات وتقاريرمنوعات تقنيةنصائح تكنولوجية

من إليزا إلى ChatGPT .. كيف تطورت روبوتات الدردشة التفاعلية؟

أصبحت (روبوتات الدردشة التفاعلية) Chatbots أسرع وأكثر تفاعلًا بفضل تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي ومعالجة اللغة الطبيعية وعلوم البيانات، فمنذ أن ظهر (إليزا) ELIZA أول روبوت دردشة تفاعلية طوره (جوزيف وايزنباوم) Joseph Weizenbaum الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الستينيات مرت هذه التقنية بتطورات كبيرة.

يُعد أحدث التطورات الآن في مجال روبوتات الدردشة التفاعلية هو ChatGPT الذي طورته شركة OpenAI، وهو نموذج للدردشة الآلية قائم على الحوار وقادر على فهم اللغة البشرية، حيث يمكنه إجراء محادثات معك بانسيابية من خلال الإجابة عن أسئلة متتابعة مع الحفاظ على السياق، بالإضافة إلى ذلك لديه القدرة على كتابة الأكواد البرمجية وتصحيحها، كما يعترف بأخطائه ويرفض تقديم إجابات عن الطلبات غير المناسبة.

كما أعلنت جوجل يوم الاثنين الماضي عن إطلاقها الإصدار التجريبي الأول من تطبيق (بارد) Bard – الذي يعد رد جوجل على روبوت ChatGPT- والذي يستند في عمله إلى (LaMDA) النموذج اللغوي الكبير الذي طورته جوجل، وأعلنت مايكروسوفت عن دمج إصدار مُحدث من ChatGPT في محرك البحث بينج (Bing) ومتصفح إيدج.

كل هذا يجعلنا نتساءل إلى أين سيؤدي هذا السباق المحموم بين كبرى الشركات التقنية، وكيف تطورت روبوتات الدردشة التفاعلية خلال هذه الفترة التي تصل إلى 60 عامًا تقريبًا لتصل إلى ما نشهده الآن؟

1- إليزا عام 1966:

من إليزا إلى ChatGPT .. كيف تطورت روبوتات الدردشة التفاعلية؟

يمكن القول إن أصل روبوتات الدردشة التفاعلية يكمن في الورقة البحثية العلمية التي نشرها العالم البريطاني (آلان تورنج) Alan Turing عام 1950 بعنوان (الآلات الحاسوبية والذكاء) Computing Machinery and Intelligence، واقترح بعدها إجراء اختبار عُرف فيما بعد باسم (اختبار تورنج)، وعلى مدار العقود القليلة التالية، كان لهذا الاختبار أثر كبير في المناقشات التي أثيرت حول موضوع الذكاء الاصطناعي.

ركز (آلان تورنج) في أبحاثه ومقالاته على أن الآلات أيضًا يمكنها التفكير ولديها ذكاء خاص بها، فقد كان رائدًا في معيار ذكاء الآلات، كان يقول: “إذا كان بإمكان الآلة انتحال شخصية إنسان وسلوكه لإقناع الشخص الآخر المشارك في محادثة لحظية أنه يتفاعل مع إنسان وليس آلة، فإن الآلة لديها ذكاء”.

ولكن أول روبوت محادثة تفاعلية ظهر كما نعرفه حاليًا كان في عام 1966 وقد طوره (جوزيف وايزنباوم) الأستاذ والباحث في مختبر الذكاء الاصطناعي التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، اعتمادًا على أبحاث آلان تورنج.

وكان هدف جوزيف هو إمكانية إجراء محادثة بين الحاسوب والمستخدم البشري من خلال التعرف على الكلمات أو التعبيرات الرئيسية وعرض أسئلة المتابعة المكونة من هذه الكلمات الرئيسية.

كان (إليزا) عبارة عن برنامج بسيط مكونًا من 200 سطر فقط من التعليمات البرمجية، ويُعرض في أجهزة Tandy التي طورتها Radio Shack في ذلك الوقت، حيث يرد بالرسائل وفقًا للكلمات الرئيسية المكتشفة المرسلة إليه.

من إليزا إلى ChatGPT .. كيف تطورت روبوتات الدردشة التفاعلية؟

يعتبر روبوت (إليزا) أول روبوت دردشة في تاريخ علوم الحاسوب، على الرغم من أن مصطلح (Chatterbot) لم يُصَغ في ذلك الوقت. كان يستند الروبوت في عمله إلى منهجية (مطابقة الأنماط) pattern matching والاستبدال مما سهل عليه التعرف على الكلمات أو العبارات الرئيسية من المدخلات لإعادة إنتاج استجابة باستخدام تلك الكلمات الرئيسية من الردود المبرمجة سابقًا، وقد جعل ذلك المستخدمين الأوائل يشعرون أنهم يتحدثون إلى شخص يفهم مداخلاتهم.

على سبيل المثال: إذا قال إنسان “أمي تطبخ طعامًا جيدًا”. يلتقط الروبوت كلمة “أم” ، ويرد بطرح سؤال مفتوح “أخبرني المزيد عن عائلتك”. وقد صنع ذلك وهمًا بالفهم والتفاعل مع إنسان حقيقي على الرغم من أن العملية كانت آلية.

أوضح وايزنباوم أن نيته الأساسية كانت إظهار سطحية التواصل بين الإنسان والآلة، ولكنه تفاجأ كثيرًا عندما أدرك أن العديد من المستخدمين قد انغمسوا في التفاعل مع إليزا ونسوا تمامًا أنه عبارة عن برنامج كان بدون ذكاء حقيقي – فهو لم يكن ذكاءً اصطناعيًا بالمعنى الدقيق للكلمة – وخالٍ من أي مشاعر وعواطف.

يمكنك تجربة التواصل مع إصدار  إليزا أُجريت عليه بعض التحسينات بلغة جافا سكريبت؛ عبر هذا الرابط. لكن عليك أن تُدرك أنك تحادث برنامجًا طُور في ستينيات القرن العشرين.

2- روبوت PARRY في عام 1972:

طور (كينيث كولبي) Kenneth Colby عالم النفس في جامعة ستانفورد الروبوت (باري) PARRY عام 1972 لمحاكاة محادثة مع شخص مصاب بجنون العظمة، وعلى عكس ELIZA، كان لدى PARRY أنماط كلام أكثر تقدمًا، وغالبًا ما كان يستجيب بدقة للتواصل الكتابي.

وفي عام 1973 خلال مؤتمر دولي للحاسوب؛ قرر (فينت سيرف) Vint Cerf – عالم الحاسوب وأحد رواد مجال الإنترنت – إجراء محادثة بين (باري) و(إليزا)، وكانت هذه المحادثة بمثابة حدث وقتها، بالرغم من بساطتها، وتعد هذه المحادثة أول حديث بين جهازي ذكاء اصطناعي في التاريخ.

3- روبوت Dr Sbaitso عام 1992:

شهدت التسعينيات ظهور برامج الدردشة التي يمكنها التحدث مع البشر، حيث ظهر عام 1992 روبوت المحادثة (دكتور سبيتسو) DR. SBAITSO المُصمم للتحدث مع البشر، وقد اشتهر بصوته الرقمي الغريب الذي لا يبدو على الإطلاق بشريًا، على الرغم من تشابهه مع روبوتات المحادثة السابقة.

أصدرت شركة Creative Labs لبطاقات الصوت عام 1992 روبوت المحادثة (DR. SBAITSO) – وهو اختصار لعبارة “Sound Blaster Acting Intelligent Text to Speech Operator” – وقد صُمم البرنامج لعرض الأصوات الرقمية التي كانت البطاقات قادرة على إنتاجها آنذاك، على الرغم من أن الجودة كانت بعيدة تمامًا عن الواقعية.

تحدث البرنامج مع المستخدم كما لو كان طبيبًا نفسيًا، على الرغم من أن معظم ردوده كانت على غرار “لماذا تشعر بهذه الطريقة؟” بدلاً من أي نوع من التفاعل المعقد، وعندما يُواجه بعبارة لا يستطيع فهمها، فإنه غالبًا ما كان يرد بشيء مثل “هذه ليست مشكلتي”.

كان هناك أيضًا نسخة من هذا البرنامج لمايكروسوفت ويندوز تستند إلى برنامج (Prody Parrot)، وقد تميز هذا الإصدار من البرنامج بواجهة مستخدم رسومية أكثر تفصيلاً.

4- روبوت A.L.I.C.E عام 1995:

في عام 1995؛ طور (ريتشارد والاس) Richard Wallace – عالم الحاسوب ومخترع لغة برمجة الذكاء الاصطناعي (AIML) – روبوت ( A.L.I.C.E) وهو روبوت محادثة لمعالجة اللغة الطبيعية مستوحى من روبوت (إليزا) ELIZA الكلاسيكي لجوزيف وايزنباوم.

حصلت منهجية (مطابقة الأنماط) في هذا الروبوت على ترقية كبيرة عن روبوتات المحادثة السابقة؛ وقد ساعات ترقيات خوارزمية A.L.I.C.E. في جعله الفائز بجائزة (لوبنر) Loebner ثلاث مرات، وذلك في عام 2000 و 2001 و 2004، على الرغم من أنه لم ينجح في اجتياز اختبار (Turing) الحقيقي.

 5- روبوت Smarterchild عام 2001:

طورت شركة (ActiveBuddy) في عام 2001 روبوت (Smarterchild) ليندمج مع برنامج خدمة العملاء. وقد أصبح متاحًا وقتها على نطاق واسع عبر شبكات الرسائل القصيرة العالمية: AOL IM، و MSN Messenger، و Yahoo Messenger. ليخدم المستخدمين بطريقة مشابهة لما تفعله المساعدات الصوتية الحالية Siri و Cortana.

لقد أصبح شائعًا جدًا بين المستخدمين، حيث اجتذب أكثر من 30 مليون مستخدم في برامج المراسلة الفورية في AIM AOL و MSN و Yahoo Messenger على مدار حياته.

وقد غيرت شركة (ActiveBuddy) اسمها إلى (Colloquis) وركزت في تطوير روبوتات محادثة لخدمة العملاء، ولكن شركة مايكروسوفت استحوذت عليها في عام 2007، ثم اختفى (SmarterChild) الذي كان يعتبر مقدمة للمساعدات الصوتية، مثل: Siri من آبل و S Voice من سامسونج.

6- برنامج واتسون من IBM عام 2006:

طورت شركة (IBM) عام 2006 برنامج (واتسون) Watson للإجابة عن الأسئلة المطروحة بلغة طبيعية، وقد صُمم في البداية للإجابة عن الأسئلة في برنامج المسابقات الشهير (Jeopardy).

وفي عام 2011 دخل برنامج (واتسون) المسابقة ضد اثنين من أقوى لاعبي (Jeopardy) على الإطلاق، وهما: (كن جينينجز) Ken Jennings، و(براد روتر) Brad Rutter، وفاز البرنامج بالمركز الأول وحصل على جائزة قدرها مليون دولار.

بعد سنوات من ذلك وجهت شركة (IBM) واتسون للعمل في الشركات والمستشفيات، ففي فبراير 2013 أعلنت الشركة أن أول تطبيق تجاري لواتسون سيكون في تشخيص سرطان الرئة في مركز (ميموريال سلون كيترنيج للسرطان) بالاشتراك مع شركة (WellPoint) وقد حقق واتسون في المجال الطبي نجاحات كبيرة.

7- سيري من آبل عام 2011:

ظهر المساعد الصوتي (سيري) Siri أول مرة عام 2011 في هاتف iPhone 4، ومن هنا أخذت روبوتات الدردشة التفاعلية شكلًا آخر، حيث مهد الطريق للمساعدات الصوتية التي نعرفها الآن، مثل: مساعد جوجل، وأليكسا من أمازون، وكورتانا من مايكروسوفت.

كانت الميزة الأساسية في المساعد الصوتي (سيري) هي قابليته العالية للتعامل مع الأوامر الصوتية التي يوجهها له المستخدم، مثل: الاتصال بشخص ما من جهات الاتصال في الهاتف، أو توجيه أسئلة عن حالة الطقس وغيرها، لذلك حظي بشعبية كبيرة بين المستخدمين، ومازالت آبل تجري عليه الكثير من التطورات وتحظى إصداراته باهتمام كبير.

ثم في عام 2014، قدمت أمازون مساعدها الصوتي (أليكسا) Alexa في مكبرات الصوت الذكية Amazon Echo التي طورتها الشركة. روجت أمازون أليكسا على أنه مساعد شخصي، يمكنه التفاعل مع المستخدم عبر الصوت بدرجة دقة عالية، ويستطيع تنفيذ الأوامر، مثل: تشغيل الموسيقى، وعمل قوائم المهام، كما يمكنه تقديم معلومات حول حالة الطقس وحالة المرور، وغير ذلك الكثير.

وفي عام 2016؛ قدمت جوجل مساعدها الصوتي (Google Assistant) داخل تطبيق Allo للمراسلة، ثم في عام 2017، أعلنت جوجل أن مساعدها الصوتي سيتاح في جميع الهواتف الذكية التي تعمل بنظام أندرويد 6.0 أو أي إصدار أحدث، ولكنه وقتها كان متاحًا باللغتين الإنجليزية والألمانية فقط، وصار الآن يدعم أكثر من 40 لغة.

8- روبوت ChatGPT في عام 2022:

أطلقت شركة (OpenAI) يوم 30 نوفمبر 2022 الإصدار التجريبي الأول من روبوت الدردشة التفاعلي (ChatGPT) الذي يستند في عمله إلى النموذج اللغوي الكبير (GPT-3.5) للتنبؤ باللغة، إذ يستخدم مجموعات من مليارات الكلمات الخاصة به لمعالجة النصوص والتنبؤ بالتسلسل التالي للكلمات في سياق معين لتقديم استجابات شبيهة بالبشر. وخلال أقل من أسبوع وصل عدد مستخدمي الإصدار التجريبي من ChatGPT إلى مليون مستخدم.

وقد أطلق روبوت الدردشة (ChatGPT) في أواخر العام الماضي حقبة جديدة من الذكاء الاصطناعي، وأثار مخاوف واسعة النطاق بشأن تأثير الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، حيث أدت قدراته على كتابة المحتوى وكتابة الأكواد البرمجية، وإجراء محادثات بانسيابية عالية مع البشر إلى أن يقترح بعض الناس أنه يمكن أن يتولى بسرعة وظائف في خدمة العملاء وكتابة المحتوى وحتى مهنة المحاماة.

كل ذلك دفع شركة (OpenAI) إلى تقديم إصدار مدفوع من ChatGPT، وسارعت شركة مايكروسوت إلى دمجه في منتجاتها، فأعلنت أمس عن دمج إصدار مُحدَّث من ChatGPT في محرك البحث التابع لها (بينج) Being، ومتصفح إيدج.

9- جوجل Bard عام 2023:

بعد ما غير روبوت (ChatGPT) سوق روبوتات الدردشة التفاعلية، دخلت جوجل سباق المنافسة بالإعلان عن (بارد) Bard الذي يكون مُجرد روبوت للدردشة، بل ستدمج إمكانياته ضمن نتائج بحث جوجل وذلك لتقديم إجابة مُلخصة لما يبحث المُستخدم عنه، إضافةً إلى نتائج البحث التقليدية المُعتادة في محرك جوجل.

وقبل ذلك قدمت في أغسطس 2022 إصدارًا تجريبًا من تطبيق يُسمى (AI Test Kitchen) يستند في عمله إلى النموذج اللغوي (LaMDA) الذي طورته. حيث بدأت الشركة بالسماح للمستخدمين بتنزيل تطبيق AI Test Kitchen والتسجيل فيه باستخدام حساب جوجل في هواتف أندرويد أو iOS وهو يتيح للمستخدمين الدردشة مع LaMDA.

من المتوقع أيضًا أن تُدمج جوجل (LaMDA) في الكثير من منتجاتها مستقبلًا، كما ستقدم منتجات جديدة تستند في عملها إليه.

الخاتمة: 

لا يزال الذكاء الاصطناعي يبهرنا في العصر الحالي، تتطور تقنياته بسرعة كبيرة جدًا، كما أن الشركات الكبرى تستثمر الكثير في عمليات تطويره وهي خطوة مهمة يبدو أنها تؤتي ثمارها بالفعل. ما شهدناه حتى الآن في سباق الشركات الكبرى في دمج روبوتات الدردشة التفاعلية في منتجاتها يوحي أن هناك مزيداً من ما يمكن لنا أن نتوقعه في الفترة المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى