رأي وحوار

آبل وسياسة “جيد، أفضل، الأفضل”

لم تعلن آبل عن آيفون الجديد لهذا العام بعد، إلا أن حدث إعلانها الذي عقدته الشهر الماضي، قدم لنا صورة واضحة عن تشكيلة منتجاتها لهذا العام. تضمّن الحدث الإعلان عن أربعة أجهزة جديدة: ساعة (Apple Watch Series 6) وساعة (Apple Watch SE) و(iPad Air) الجديد والجيل الثامن من آيباد. يبدو من خلال هذه الأجهزة أن سياسة آبل في تصميم وتسعير منتجاتها تشهد تغييراً مهماً.

هناك مبدأ تسويقي شائع يدعى بسياسة “جيد، أفضل، الأفضل”، يعتمد بشكل أساسي على توفير خيارات متنوعة للزبائن، تتفاوت فيما بينها من حيث المواصفات والأسعار. هذه السياسة تمكّن الشركة من كسب الزبائن في شرائح سعرية متنوعة. ورغم أن المبدأ قد يبدو بسيطاً وبديهياً إلا أن تطبيقه ليس سهلاً، فإن كان المنتَج الأرخص أفضل من اللازم يمكن للشركة أن تخسر زبائن الفئة العليا وتبيع بشكل أساسي المنتجات الأرخص ذات هامش الربح الأقل.

 ليس هذا النموذج غريباً على آبل، وينطبق على بعض منتجاتها مثل (iPhone SE) الأول، الذي وُجد مع (iPhone 8) و(iPhone X)، إلا أنه كان الاستثناء حتى وقت قريب. إذ كانت سياسة آبل تعتمد على الأجيال القديمة من آيفون وآيباد لتلعب دور المنتج الرخيص. إن لم يُرد الزبون شراء الهاتف الأغلى من آبل، كان عليه شراء الهاتف الأقدم الذي يباع بمبلغ أقل.

بدأت هذه السياسة بالظهور بشكل أوضح منذ طرح (iPhone Xr) مع (iPhone Xs) فأصبح هناك خيار ذو سعر أقل، وهناك فرق واضح في المواصفات ضمن الجيل نفسه من المنتجات. وظهرت بشكل أوضح في حدث آبل الأخير في هواتفها وساعاتها وأجهزتها اللوحية، وعلى الأغلب أن تستمر حتى بعد الإعلان القريب عن آيفون 12. تسعى آبل من خلال منتجاتها الأخيرة إلى أن تجعل خيارها الأوسط أفضل مِن قبل، وذي سعر أعلى بقليل.

فمثلاً، أعلنت آبل عن ساعتها الرائدة (Apple Watch Series 6) وأخرى ذات سعر أقل وهي (Apple Watch SE)، وبهذا أصبح لديها ثلاثة مستويات من حيث السعر لساعتها، بشكل مشابه للوضع الحالي لآيفون مع اختلاف بسيط في طريقة التسميات:

  • جيد: (Apple Watch 3) وهي تكافئ (iPhone SE).
  • أفضل: (Apple Watch SE) وهي تكافئ (iPhone 11).
  • الأفضل: (Apple Watch 6) وهي تكافئ (iPhone 11 Pro).

يحقق الخيار “جيد” في هذه التشكيلة أمرين: الأول أنه يشكّل صفقة جيدة لمن يرغب في شراء ساعة من آبل، فهو يملك المواصفات الأساسية للساعة الذكية ويؤدي الحد الأدنى من الوظائف المطلوبة. والثاني أنه يفسح المجال للخيار المتوسط ليمتلك مواصفات أفضل ويباع بسعر أعلى.

يمكن كذلك رؤية السياسة نفسها في أجهزة آيباد الجديدة. إذ يتمتع (iPad Air) الجديد بالعديد من المواصفات التي كانت حصرية لشريحة (iPad Pro) سابقاً، كالتصميم الجديد بحافات رفيعة و (USB-C)، وجوانب أخرى عديدة. تجعل هذه المواصفات الجهاز جذاباً لأولئك الذين لا يحتاجون إلى كل مواصفات (Pro) أو لا يرغبون في دفع ثمنه العالي. إلا أن ثمن (iPad Air) الجديد هو أكثر بـ 100 دولار من الجيل السابق من (iPad Air).

ولا يبدو أن آبل تخشى على مبيعات (iPad Pro) فلا زالت بعض الميزات حكراً عليه، مثل الشاشة ذات معدل التحديث العالي و (FaceID)، والكاميرا التي تدعم تقنية (LIDAR)، والسعات التخزينية التي تفوق 256GB. 

يعكس كل هذا شيئين لدى آبل، الأول هو توجهها الجديد لجعل المستوى “أفضل” – من منتجاتها – أقرب إلى المستوى “الأفضل” منه إلى المستوى “جيد”. فتصميم ساعة SE يشبه إلى حد كبير ساعة Series 6 مع مواصفات أقل، وآيباد (Air) هو أقرب إلى (Pro) مع مواصفات أقل، وكذلك آيفون 11 هو أقرب إلى آيفون 11 (Pro) منه إلى آيفون SE.

والثاني هو استعداد آبل لقبول هوامش ربحية أقل في أجهزتها ضمن الشريحة الرخيصة؛ بهدف جذب أكبر عدد ممكن من الزبائن، وتعويض هذا الفرق عن طريق بيعهم المزيد من خدماتها. فليس صدفة إعلان الشركة في الحدث نفسه عن خدمة (+Apple Fitness) وباقات (Apple One) للاشتراك بعدد من خدماتها في الوقت نفسه وبسعر أقل.

قد لا تنطبق سياسة آبل التسويقية هذه بشكل دقيق على أجهزة (MacBook) في الوقت الحالي، إلا أن منتجات (MacBook) تمر بفترة انتقالية مع خطة آبل لاستبدال معالجات (Intel) بمعالجات من تصميمها. كما أن أجهزة الحواسيب الشخصية يمكن تخصيصها بمعالجات وذواكر وسعات تخزينية متنوعة ضمن مجالات واسعة من الخيارات، فتكون الخطوط أقل وضوحاً بين مستويات المواصفات التقنية ومعها الشرائح السعرية. وسنرى إن كانت آبل ستتبع هذه السياسة نفسها في أجهزة (MacBook) القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى