نصائح تكنولوجية

كيف تمكنت كوريا الجنوبية من السيطرة على تفشي فيروس كورونا؟

بعد زيادة انتشار وباء فيروس كورونا (COVID-19) في شهر فبراير الماضي، طبقت كوريا الجنوبية العديد من الإجراءات للسيطرة على انتشار الفيروس، حيث تمكنت من خفض عدد الإصابات الجديدة من 851 إصابة في 3 مارس إلى 22 إصابة فقط في 17 أبريل، كما انخفض معدل الوفيات إلى 2% فقط.

فكيف تمكنت كوريا الجنوبية من الحد من انتشار فيروس كورونا باكرًا، وقامت بإجراء انتخابات برلمانية دون اللجوء إلى عمليات الإغلاق الشاملة أو الجزئية التي انتهجتها بعض الدول الأخرى؟

ساهمت العديد من الإجراءات في نجاح كوريا الجنوبية في السيطرة على تفشي الفيروس، لكن هناك إجراءان حاسمان اتخذتهما الدولة للسيطرة على تفشي فيروس كورونا، دون أن تضطر إلى إغلاق أي مدينة أو منطقة، وهما: الاختبار المكثّف للمرض، ونظام وطني للتتبع الفوري والفعال للأشخاص المصابين بفيروس كورونا.

أولًا: الفحص الموسّع والفرز المنهجي:

منذ بدء تفشي فيروس كورونا المُسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية لعام 2015، والمعروفة اختصارًا (MERS)، علِمت كوريا الجنوبية أن إصابة الطواقم الطبية كانت السبب الأساسي في استنزاف قدراتها للسيطرة على المرض.

حيث قام المواطنون المصابون في المستشفيات بتحويل الطواقم الطبية إلى نقاط ساخنة للعدوى، ونتيجة لذلك، في بداية انتشار فيروس كورونا، قامت الحكومة الكورية الجنوبية بتوفير معدات الحماية الشخصية المناسبة للطواقم الطبية، كما أنشأت مواقع فحص ومعالجة منفصلة للعاملين في مجال الرعاية الصحية.

بمجرد تأمين مواقع الفحص الآمنة والعلاج للطواقم الطبية في الخطوط الأمامية، بدأت في إجراء فحوصات فيروس كورونا على نطاق واسع لأكثر من 440،000 شخص، وهو ما غطّى بشكل أساسي جميع أولئك الذين يعانون من الأعراض، مع عزل الأشخاص الذين لديهم نتائج إيجابية في وحدات خاصة، والبدء في علاجهم على الفور.

كما ركزت كوريا الجنوبية بشكل خاص على علاج الأشخاص الذين يعانون من أعراض حادة، والذين تقل احتمالية تعافيهم، بدلاً من التركيز على الأشخاص الذين يعانون من أعراض خفيفة، وقد ساعد هذا النهج على خفض معدل الوفيات بشكل ملحوظ.

حيث تعافى بعض السكان الأكثر ضعفاً الذين عانوا من أعراض شديدة عند الإصابة بفيروس كورونا، بعكس الشائع في الكثير من الدول التي ركزت جهودها على علاج المرضى الذين تزيد احتمالية بقائهم على قيد الحياة، مما أدى إلى ارتفاع معدل الوفيات عند هذه الدول مع وفاة المرضى الأكثر ضعفًا.

هذه الخطوة المتعلقة بالفحص الموسّع ساعدت كوريا الجنوبية في تحديد حالة الإصابات في المنطقة التي تحدث فيها حالة التفشي، ومن ثم تصبح هذه البيانات بعد ذلك نقطة انطلاق لتحديد أي نقاط ساخنة للعدوى في البلد وتعقّب السكان، وتحديد الذين كانوا على اتصال مع المصابين.

ثانيًا: نظام تتبع الاتصال المُعد سابقًا:

ما يميز النموذج الكوري في السيطرة على فيروس كورونا، هو القدرة على تتبع الأفراد الذين شُخصت إصابتهم بالمرض، والذين قد يكونون خالطوا الأفراد المصابين، من خلال نظام تتبع يُعرف باسم (COVID-19 Smart Management System) أو (COVID-19 (SMS.

يدير مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (KCDC) في كوريا الجنوبية نظام تتبع الاتصال، الذي يستخدم بيانات من 28 منظمة محلية، مثل: الشرطة الوطنية، وجمعية تمويل الائتمان، وثلاث شركات للهواتف الذكية، و 22 شركة لبطاقات الائتمان، لتتبع حركة الأفراد المصابين بفيروس كورونا.

يستغرق هذا النظام 10 دقائق لتحليل حركة الأفراد المصابين، وبالنسبة للأشخاص الذين يتعاملون مع شخص مصاب، تُبلِغ KCDC مركز الصحة العام المحلي بالقرب من مكان إقامة المواطن المصاب، الذي بدوره يُرسل الإشعار إليه.

إذا كانت نتائج الاختبار إيجابية، يدخل المصاب المستشفى ضمن مراكز عزل صحي خاصة في هذه المستشفيات، بينما يُطلب من الذين لم تظهر عليهم أعراض البقاء في الحجر الصحي لمدة 14 يومًا.

الجدير بالذكر أن الأساس القانوني لهذا النظام الذي مكن المسؤولين من الوصول للمعلومات الشخصية للمواطنين قد أُعد بعد تفشي فيروس (MERS) في عام 2015، عندما علمت الحكومة أن تعقب حركة الأفراد المصابين والأشخاص الذين اتصلوا بهم أمر بالغ الأهمية.

وكإجراء أمني رقمي ستكون هذه المعلومات متاحة فقط للباحثين عن الأوبئة في مركز KCDC، حيث يمكنهم الوصول إلى المعلومات المتعلقة بمواقع المواطنين، وتؤكد الدولة أنه بمجرد زوال حالة تفشي فيروس كورونا، ستُحذف المعلومات الشخصية المستخدمة لتتبع الاتصال.

حاليا، هناك شعور بعودة الحياة الطبيعية إلى كوريا الجنوبية، حيث لا توجد مدن تحت الإغلاق، وسُمح للمطاعم وصالات الألعاب الرياضية والمؤسسات التعليمية بمواصلة العمل إذا التزمت بإرشادات الحجر الصحي الحكومية.

كما يرتدي المواطنون الأقنعة ويمارسون التباعد الاجتماعي في جميع الأوقات، مما يساعد على منع المزيد من العدوى، ومع توصية علماء الأوبئة فإن مفتاح التغلب على فيروس كورونا هو تحديد النقاط الساخنة للعدوى وعزلها. يبدو أن كوريا الجنوبية قد نجحت بصورة بارزة في السيطرة على تفشي الوباء.

وبذلك تعتبر كوريا الجنوبية نموذجًا يُحتذى به للعديد من الدول، حيث يمكن اتباع هذا النهج للحد من تفشي فيروس كورونا دون الاضطرار إلى إغلاق المدن والمجتمعات إلى أجل غير مسمى.

زر الذهاب إلى الأعلى