فيروس كورونا وشبكات 5G.. كيف تحولت نظرية المؤامرة إلى هجمات تخريب؟
حدثت خلال الأيام القليلة الماضية عدة هجمات لتخريب أبراج البث الخلوية لاتصالات شبكات الجيل الخامس (5G)، على أيدي المعارضين لنشر مثل هذه الشبكات الجديدة في بعض الدول، مثل المملكة المتحدة، وهولندا، بسبب انتشار نظرية كاذبة تُسمى (فيروس كورونا 5G) تشير إلى ارتباط هذه الشبكات بانتشار فيروس كورونا المستجد (COVID-19).
خلال الأسبوع الأول من شهر أبريل الجاري فقط تم إحراق ما لا يقل عن سبعة أبراج خلوية في المملكة المتحدة، بعد أن انتشرت هذه النظرية عبر الإنترنت، في حين لم يكن أحد الأبراج المحترقة مخصصًا لشبكات (5G).
وقد صرح وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني (مايكل جوف) الأسبوع الماضي أن نظرية ارتباط أبراج اتصالات الجيل الخامس بانتشار فيروس كورونا المستجد مجرد أخبار مزيفة ولكنها خطيرة للغاية. كما أكد الخبراء أن مثل هذه الأخبار الزائفة، بدون أي أساس علمي، ستضر بالطبع بقدرات الاستجابة الطارئة للوباء.
وهنا يُطرح سؤلٌ مهمٌ، كيف بدأت نظرية المؤامرة هذه، وانتشرت عبر الإنترنت لتتحول إلى هجمات تخريب في الواقع؟
بدأ الأمر يوم 22 يناير الماضي حين نشرت الصحيفة البلجيكية (Het Laatste Nieuws) مقابلة مع طبيب يُدعى (كريس فان كيركوفن) تحت عنوان: “شبكات 5G مُهددة للحياة، ولا أحد يعرف ذلك”.
لم يزعم (فان كيركوفن) أن شبكات الجيل الخامس 5G خطيرة وحسب، بل ادعى أن انتشارها قد يكون مرتبطًا بتفشي فيروس كورونا المستجد (COVID-19)، بالرغم من أنه لم يقم بالفحص ليتحقق من النتائج بعد.
وهذا الادعاء الذي لا أساس له من الناحية العلمية، والذي نُشر في النسخة الإقليمية المطبوعة للصحيفة، وحُذف منذ ذلك الحين من موقعها على الإنترنت، أدى إلى ظهور نظرية المؤامرة التي انتشرت بسرعة عبر الإنترنت، ثم تحوّلت لهجمات تخريب لأبراج 5G في العالم الحقيقي.
في ذلك الوقت؛ كان تفشي الفيروس محدودًا جدًا، فقد تسبب حينها في وفاة 9 أشخاص، وأصاب 440 شخصًا، معظمهم في مدينة ووهان الصينية.
أشار الصحفي الذي كان يحاور (فان كيركوفن) أنه خلال عام 2019 بُني عددٌ من أبراج اتصالات الجيل الخامس 5G حول مدينة ووهان. فهل هناك ارتباط بين هذين الأمرين؟ ليقول (فان كيركوفن): “إنه لم يقم بالفحص والتحقق من النتائج، ولكن قد يكون لذلك صلة بالأحداث الجارية”. ومن هنا كانت البداية!
سرعان ما أخذ المعارضون الهولنديون لشبكات الجيل الخامس تعليقات (فان كيركوفن)، وبدأوا بنشرها كدليل على خطورة الأمر، من خلال ربط صفحات الفيسبوك بالمقال والاقتباس منه. وفي غضون أيام انتشرت نظرية المؤامرة إلى عشرات الصفحات في فيسبوك باللغة الإنجليزية.
وعلى موقع يوتيوب، انتشرت مقاطع فيديو للكشف عن الحقيقة حول شبكات 5G وفيروس كورونا. لبعض الوقت ظلت نظرية المؤامرة لا تجد أي صدى. ولكن بعد بضعة أسابيع بدأت تندلع مدفوعة بخوارزميات المشاركة والتفاعل، التي كانت ذكية بما يكفي لتصنيفها كتوجه رائج (Viral Trend)، ولكنها غبية بما يكفي لعدم ملاحظة حماقة محتواها.
بعد ذلك دعم هذه النظرية بعض المشاهير الذين لديهم مئات الآلاف أو الملايين من المتابعين في منصات التواصل الاجتماعي؛ مثل: الملاكم البريطاني (أمير خان)، والمغنية (آن ماري)، والممثل الأمريكي (وودي هارلسون)، و(كيري هيلسون)، و(لوسي واتستون)، والمذيعة (أماندا هولدن).
في الأيام الأخيرة وصل عدد الأبراج التي حُرقت في جميع أنحاء المملكة المتحدة إلى ما لا يقل عن 20 برجًا، وفقًا لصحيفة الغارديان. وانتشرت مقاطع الفيديو لهذه الهجمات عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما زاد من حماسة معارضي شبكات 5G.
وقد قال (ستيفين باويس) المدير الطبي لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة: “إن هذه النظرية أسوأ أنواع الأخبار المزيفة”.
يقول (جوش سميث) الباحث في مؤسسة Demos: “لقد أوجد الفيروس بيئة مثالية لنشر هذه النظرية، مثل العديد من نظريات المؤامرة”.
حتى الآن؛ يوجد أكثر من 4800 منشور على فيسبوك حول نظرية ارتباط فيروس كورونا بشبكات 5G، وقد حصلت هذه المنشورات على أكثر من 1.1 مليون تفاعل.
وقد قامت منظمة (Full Fact) بتحليل المنشورات التي تتضمن نظرية فيروس كورونا 5G على منصات التواصل الاجتماعي، ووجدت نظريات مؤامرة مماثلة تنتشر في فرنسا واليونان، وتثير عشرات الآلاف من التفاعلات والمشاركات والآراء في فيسبوك ويوتيوب وتويتر.
قال المتحدث باسم يوتيوب لصحيفة الغارديان: “إن المنصة تتخذ إجراءات صارمة للحد من انتشار نظرية مؤامرة فيروس كورونا 5G”.
كما قال وزير الثقافة البريطاني (أوليفييه دودن): “إنه يجري محادثات مع منصات التكنولوجيا الرئيسية لتأكيد أهمية معالجة المعلومات المضلّة التي تنتشر”.