المملكة المتحدة تنتهك حقوق الإنسان عبر المراقبة الجماعية
تلقت حكومة المملكة المتحدة ضربة جديدة فيما يتعلق بسجلها لمعالجة البيانات بالجملة لأغراض استخباراتية، حيث قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ECHR في ستراسبورج بأن ممارسات مراقبة الدولة تنتهك قانون حقوق الإنسان، واستمعت المحكمة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي إلى الحجج ضد ممارسات جمع وتبادل البيانات التي أجرتها وكالات الاستخبارات البريطانية، وقضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اليوم بأن بعض جوانب نظام المراقبة في المملكة المتحدة ينتهك قانون حقوق الإنسان.
وبحسب المحكمة فقد انتهكت أساليب GCHQ في تنفيذ الاعتراضات الجماعية للاتصالات عبر الإنترنت الخصوصية وفشلت في توفير ضمانات مراقبة كافية، لكن المحكمة في ستراسبورج وجدت أن نظام GCHQ لمشاركة المعلومات الاستخبارات الرقمية الحساسة مع الحكومات الأجنبية لم يكن غير قانوني، ويعد هذا الحكم أول تحد رئيسي لشرعية أجهزة الاستخبارات البريطانية التي تعترض الاتصالات الخاصة بكميات كبيرة بعد أن كشف عن ذلك إدوارد سنودن في عام 2013.
ويعتبر الحكم بمثابة أحد التقييمات الأكثر شمولاً من جانب المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان حول قانونية عمليات الاعتراض التي تديرها وكالات الاستخبارات البريطانية، وقد تم تقديم هذه الادعاءات، التي سبق أن استمعت إليها محكمة تحقيقات المملكة المتحدة، من قبل تحالف يضم 14 مجموعة من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات الخصوصية والصحفيين، بما في ذلك منظمة العفو الدولية و Liberty و Privacy International و Big Brother Watch.
وقد نظر القضاة في الشكاوى المتعلقة بثلاثة أنظمة مراقبة مختلفة: 1) الاعتراض الجماعي للاتصالات المعروف أيضًا باسم “المراقبة الجماعية” 2) تبادل المعلومات الاستخبارية مع الحكومات الأجنبية 3) الحصول على بيانات الاتصالات من مقدمي خدمات الاتصالات، ووجد القضاة أن نظام الاعتراض المدار من قبل GCHQ ينتهك المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تضمن الخصوصية، لكن نظام تبادل المعلومات مع الحكومات الأجنبية الذي تديره حكومة المملكة المتحدة لم ينتهك المادة 8 أو المادة 10.
وكان إدوارد سنودن قد كشف أن GCHQ قد اعتراض وعالج وخزن بيانات حول اتصالات ملايين الأشخاص، إذ كان GCHQ يستعين في إحدى العمليات المسماة تيمبورا Tempora بالكابلات وشبكات الاتصالات للحصول على كميات هائلة من بيانات الإنترنت، ويشير حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى أن سلطات المملكة المتحدة لم تؤكد أو تنفي وجود عملية اسمها تيمبورا.
وقالت المحكمة ضمن الملاحظات المصاحبة للحكم الرئيسي، والذي يشمل أكثر من 500 بند، إنها تعترف بمدى خطورة تهديدات الإرهاب والانتهاكات وغيرها من الجرائم التي تواجهها الدول الأوروبية، وقال القضاة إن التطورات في التكنولوجيا جعلت من السهل على الإرهابيين والمجرمين التخفي، وقد تكون أنظمة الاعتراض الجماعي قانونية إذا اعتبرت البلدان أنها ضرورية لمصلحة الأمن القومي ولكن هناك حاجة إلى بعض الضمانات الدنيا.
وتشمل هذه الضمانات أنه يجب أن يشير القانون إلى طبيعة الجرائم التي قد تؤدي إلى أمر اعتراض وتعريف فئات الأشخاص الذين يحتمل اعتراض اتصالاتهم والحد من مدة الاعتراض والإجراء الواجب اتباعه لفحص واستخدام وتخزين البيانات التي تم الحصول عليها والاحتياطات الواجب اتخاذها عند توصيل البيانات إلى أطراف أخرى والظروف التي يمكن أو يجب فيها تدمير أو حجب البيانات التي تم اعتراضها.
وانتقد الحكم أوامر الاعتراض الصادرة بموجب المادة 8 (4) من قانون تنظيم سلطات التحقيق، حيث لا تحتاج مثل هذه الأوامر إلى تسمية أو وصف الشخص الخاضع للاعتراض أو الأماكن المعنية، وقال القضاة: “في حين أن المحكمة لا تشك في أن بيانات الاتصالات ذات الصلة هي أداة أساسية لأجهزة الاستخبارات في مكافحة الإرهاب والجريمة الخطيرة، لكنها تعتبر أن السلطات لم تحقق توازنًا عادلًا بين المصالح العامة والخاصة”.
وقالت ميغان غولدينغ Megan Goulding، محامية في منظمة Liberty: “هذا انتصار كبير لحقوق وحرية الناس في المملكة المتحدة، حيث يظهر الحكم أن هناك حدًا حول إمكانية تجسس الدول على مواطنيها، وبالرغم من أن أجهزة الشرطة والمخابرات تحتاج إلى سلطات مراقبة للتعامل مع التهديدات التي نواجهها اليوم، لكن المحكمة قضت بأن تلك التهديدات لا تبرر التجسس على كل مواطن دون حماية كافية”.
وأضافت “لقد بنت حكومتنا نظام مراقبة أكثر تطرفًا من أي دولة ديمقراطية أخرى، ويجب على الدولة أن تمنحنا نظامًا فعالًا يحمي سلامتنا وأماننا وحقوقنا الأساسية، ويمثل حكم اليوم خطوة مهمة إلى الأمام في حماية الخصوصية وحرية التعبير في جميع أنحاء العالم، ويرسل رسالة قوية إلى حكومة المملكة المتحدة مفادها أن استخدامها لسلطات المراقبة الواسعة أمر مسيء ويتعارض مع المبادئ ذاتها التي تدعي أنها تدافع عنها”.