تحت الضوءدراسات وتقاريرمنوعات تقنية

هل التعلم العميق قادر على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحاكي الدماغ البشري؟

تشهد تقنيات الذكاء الاصطناعي تطورًا كبيرًا كل يوم حيث أصبح كل شيء يعتمد عليها ابتداءًا من المركبات ذاتية القيادة، والروبوتات التي تحل محل الأطباء، حتى نظام الائتمان الاجتماعي لأكثر من مليار مواطن صيني والعديد من المجالات الأخرى، ليطرح ذلك نقاشًا حول كيفية جعل الذكاء الاصطناعي يفعل أشياء لا نستطيع نحن البشر أن نقوم بها، وبعد أن كان مجال الذكاء الاصطناعي ذات يوم مجرد اهتمام أكاديمي، أصبح اليوم واقعًا مملوسًا وصناعة بمليارات الدولارات تهدد مستقبل الجنس البشري!

وينتهي هذا النقاش بسؤال حول ما إذا كانت المقاربات الحالية لبناء الذكاء الاصطناعي كافية أم لا، فمع بعض التعديلات، وتطبيق قوة حوسبة كافية، ستصبح التكنولوجيا التي لدينا الآن قادرة على محاكاة الذكاء الحقيقي في الحيوان أو الإنسان.

لا أحد حتى الآن قادر على أن يتنبأ بمدى تأثير التعلم العميق على تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي، ولكن هناك وجهتا نظر حول هذا الجدل: الأولى من مؤيدي منهج التعلم العميق للآلات وتأثيره على تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث أشاروا إلى ورقة بحثية نُشرت عام 2012 أعدها  ثلاثة من الباحثين في جامعة تورنتو الكندية، والتي أظهرت قدرات التعلم العميق للآلات وأنها تفوق ما يمكن أن تحققه تقنيات الذكاء الاصطناعي السابقة.

تشير كلمة “العميق” في مصطلح “التعلم العميق إلى عدد طبقات الخلايا العصبية الاصطناعية في شبكة ما، كما هو الحال في الخلايا العصبية البيولوجية، ولكن النظم العصبية الاصطناعية تمتاز بأنها ذات طبقات أكثر من الخلايا العصبية لذلك فهى قادرة على ممارسة أنواع من التعلم أكثر تعقيدًا .

لفهم الشبكات العصبية الاصطناعية يمكنك تصور مجموعة من النقاط في الفضاء مرتبطة بعضها ببعض مثل الخلايا العصبية في أدمغتنا، وتعد عملية ضبط قوة الروابط بين هذه النقاط عملية تناظرية تقريبية لما يحدث عندما يتعلم الدماغ البشري أي شيء، والنتيجة هي رسم تخطيطي للشبكة العصبية، مع مسارات ملائمة للنتائج المرجوة مثل تحديد صورة بشكل صحيح.

أنظمة التعلم العميق اليوم لا تشبه أدمغتنا، ولكن في أحسن الأحوال تبدو وكأنها الجزء الخارجي من شبكية العين حيث تقوم بضع طبقات من الخلايا العصبية بمعالجة أولية للصورة، فمن غير المحتمل أن تكون هذه الشبكة قادرة على أداء جميع المهام التي تستطيع أدمغتنا القيام بها. نظرًا لأن هذه الشبكات لا تعرف أشياء عن العالم كما يعرف الدماغ البشري، فهي هشة وسهلة الخلط ففي إحدى الحالات تمكن الباحثون من خداع خوارزمية التعرف على الصور الشائعة من خلال تغيير بكسل واحد فقط.

وبالرغم من محدودية قدراته الإ أن  التعلم العميق يعمل على دعم تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعرف على الصور والصوت، والترجمة الآلية، والفوز على البشر في ألعاب شديدة الذكاء والتعقيد، كما إنه القوة الدافعة وراء رقائق الذكاء الاصطناعي التابعة لشركة جوجل والتي تستخدمها في خدمتها السحابية، بالإضافة إلى منصة السيارات ذاتية القيادة Nvidia’s Drive platform التابعة لشركة إنفيديا.

قال أندرو نغ أحد الباحثين الأكثر تعمقًا في مجال الذكاء الاصطناعي والرئيس السابق لقسم الذكاء في شركة بايدو Baidu الصينية: “إنه مع التعلم العميق يجب أن يكون الكمبيوتر قادرًا على القيام بأي مهمة عقلية يمكن أن يحققها الإنسان العادي في ثانية أو أقل، بطبيعة الحال يجب أن يكون الكمبيوتر قادرا على القيام بذلك بشكل أسرع من الإنسان”.

أما وجهة النظر الثانية حول هذا الجدل يقول فيها الباحثون أن التعلم العميق غير كافٍ لمحاكاة الدماغ البشري، فهناك باحثون مثل غاري ماركوس – الرئيس السابق لقسم الذكاء الاصطناعي في شركة أوبر تكنولوجيز وهو حالياً أستاذ في جامعة نيويورك – والذي يجادل بأن التعلم العميق غير كافٍ على الإطلاق لإنجاز جميع أنواع المهام التي يقوم بها البشر، ولن يكون قادر على شغل جميع وظائف البشر وسيقودنا إلى مستقبل شبيه بالنظم الشيوعية ولكنه مؤتمت بالكامل”.

وأضاف الدكتور ماركوس: “أن الوصول إلى الذكاء العام – الذي يتطلب القدرة على التفكير، والتعلم الذاتي، وبناء النماذج العقلية للعالم – سوف يستغرق أكثر مما يستطيع الذكاء الاصطناعي تحقيقه اليوم، حيث أن ما حققه منهج التعلم العميق حتى الآن لا يعني أنه الأداة المناسبة لنظرية العقل أو التفكير المجرد، ولكي نصل إلى ما هو أبعد من ذلك في مجال الذكاء الاصطناعي نحتاج إلى أن “نستلهم من الطبيعة”، وهذا يعني البحث عن أنواع أخرى من الشبكات العصبية الاصطناعية، وفي بعض الحالات منحهم معرفة فطرية مبرمجة مسبقا مثل الغرائز التي تولد بها جميع الكائنات الحية”.

يتفق العديد من الباحثين مع وجهة النظر هذه، ويعملون على تطوير أنظمة التعلم العميق من أجل التغلب على هذه القيود، كما قال ديفيد دوفينود الأستاذ المساعد في التعلم الآلي في جامعة تورنتو: “أحد مجالات البحث المكثف هو تحديد كيفية التعلم من مجرد أمثلة قليلة لظاهرة ما، بدلاً من ملايين الأمثلة التي تتطلبها عادة أنظمة التعلم العميق الحالية”.

كما يحاول الباحثون إعطاء الذكاء الاصطناعي القدرة على بناء نماذج عقلية للعالم، وهو أمر يمكن حتى للأطفال تحقيقه بحلول نهاية عامهم الأول، في حين أن نظام التعلم العميق الذي شهد تطورًا في مجالات عدة ونجح في بناء العديد من الحافلات مدرسية بمواصفات وقدرات خاصة، قد يفشل في تحديد رقم مكتوب بشكل عكسي، وهو الأمر الذي لا يخطئه عقل بشري. حيث أن الذكاء الاصطناعي الذي يحتوي على نموذج عقلي لما يشكل حافلة – أو شاسيه أصفر وما إلى ذلك – لديه مشاكل في التعرف على رقم معكوس.

من جهته قال Thomas Dietterich الرئيس السابق لجمعية تطوير الذكاء الاصطناعي: “بالنسبة إلى البحث في مجال التعلم الآلي فإن الهدف هو معرفة المدى الذي يمكننا من خلاله الحصول على أنظمة الكمبيوتر للتعلم من البيانات والخبرات فقط بدلاً من بنائها يدويًا، المشكلة ليست أن المعرفة الفطرية في الذكاء الاصطناعي سيئة، ولكنها تكمن في أن البشر لا يعرفون أي نوع من أنوع المعرفة الفطرية هو الأصوب لتغذية الذكاء الاصطناعي به في المقام الأول”.

في حين قال الدكتور دوفينود: “من حيث المبدأ لا نحتاج إلى النظر في علم الأحياء لمعرفة كيفية بناء أنظمة الذكاء الاصطناعي المستقبلية، لأن أنواع الأنظمة الأكثر تطوراً التي ستنجح في التقنيات التي تركز على التعلم العميق لم تعمل بعد”.

وأشار الدكتور ماركوس: “حتى نتوصل إلى كيفية جعل أجهزة الذكاء الاصطناعي لدينا أكثر ذكاءً وقوةً، علينا أن نسلّم لهم كمًا كبيرًا من المعرفة البشرية الموجودة، وهذا يعني أن الكثير من “الذكاء” في أنظمة الذكاء الاصطناعي مثل برامج القيادة الذاتية ليس صناعيًا على الإطلاق بل يعتمد على الخبرة البشرية في هذا المجال، حيث تحتاج هذه الشركات إلى تدريب سياراتها على عدد من الطرق الحقيقية بأكبر عدد ممكن من الأميال لجعلها قادرة على القيادة الذاتية، كما سيتطلب ذلك إدخال قدر كبير من المنطق الذي يعكس القرارات التي يتخذها المهندسون الذين يقومون ببناء هذه الأنظمة واختبارها”.

زر الذهاب إلى الأعلى