دراسات وتقارير

صناعة التكنولوجيا تتورط في الحرب التجارية الأمريكية الصينية

تعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ليست مجرد مسألة تعريفات جمركية، بل إنها معركة قاسية من أجل التفوق التكنولوجي، وتتمثل أحدث معركة في حرب التكنولوجيا بين واشنطن وبكين بقرار إدارة الرئيس دونالد ترامب حرمان شركة تشاينا موبايل China Mobile من دخول السوق الأمريكية، حيث تحركت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لمنع الشركة من تقديم الخدمات لسوق الاتصالات في الولايات المتحدة، وأوصت برفض طلبها لأن الشركة المملوكة للحكومة الصينية تشكل مخاطر على الأمن القومي.

وتأتي هذه الخطوة في أعقاب خطط لتعزيز مراجعة الاستثمار الصيني في شركات التكنولوجيا الأمريكية، إلى جانب حظر بيع منتجات الهواتف الذكية من ZTE وهواوي ضمن القواعد العسكرية، والحظر الذي تعرضت له شركة ZTE، والذي هدد بخروج الشركة من العمل، وفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على السلع الصينية ذات الصلة بالتكنولوجيا، والتي تبلغ قيمتها 50 مليار دولار.

ولا تلوح في الأفق نهاية للتوترات التجارية، كما أن الرغبة في تفكيك أنظمة التكنولوجيا الأمريكية والصينية سوف يكون لها تأثير طويل الأمد على الشركات والمستهلكين على جانبي المحيط الهادئ، وتشير إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى مزيج من الأمن القومي والتبريرات الاقتصادية فيما يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها ضد التكنولوجيا الصينية.

ولطالما اشتكى صانعو السياسة في الولايات المتحدة من أن الشركات الأمريكية اضطرت إلى نقل التكنولوجيا إلى الشركاء الصينيين تبعًا لأسعار الوصول إلى السوق، وفي الآونة الأخيرة، قرعت واشنطن أجهزة الإنذار حول مبادرة “صنع في الصين 2025″، وهي مبادرة بقيمة 300 مليار دولار مصممة لتعزيز دور بكين عالميًا وجعلها رائدة في مجالات مثل الأتمتة والطاقة الجديدة والطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها من الصناعات المستقبلية.

كما أنها أحبطت العديد من صفقات شراء الشركات الغربية من قبل شركات مدعومة من الدولة الصينية، وخاصة في قطاع أشباه الموصلات، واتهمت الولايات المتحدة المتسللين الصينيين بسرقة الملكية الفكرية وأسرار الشركات، وفي حين انخفضت معدلات القرصنة بعد اتفاقية شهر سبتمبر/ايلو 2015 بين الرئيسين شي جين بينغ وباراك أوباما، فإن المسؤولين يزعمون أن القرصنة ما تزال مستمرة.

وحذر خبراء الاستخبارات من أن استخدام منتجات هواوي و ZTE يمثل خطر، وخاصة عند الانتقال إلى استخدام شبكات الجيل الخامس 5G، كما ذكرت التقارير أن الولايات المتحدة حذرت أستراليا من أن العلاقات الأمنية الثنائية في خطر إذا سمحت حكومة رئيس الوزراء الأسترالي مالكولم تيرنبول Malcolm Turnbull لشركة هواوي ببناء شبكات الجيل الخامس 5G في البلاد.

وتبعًا لكون حرب التكنولوجيا ليست من جانب واحد، فإن بكين لديها أيضًا مخاوف اقتصادية وأمنية حول الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية، ويشعر صانعو السياسة الصينيون بالقلق من أن الاقتصاد يعتمد اعتمادًا كبيرًا على التصنيع بالاعتماد على العمالة الصينية منخفضة الأجر، وأن التصنيع الصيني يعتمد بشدة على التكنولوجيا الأجنبية، حيث تسعى مبادرة “صنع في الصين 2025” على سبيل المثال إلى استبدال البضائع الأجنبية بالمنتجات الصينية.

وتستهدف هذه المبادرة الاكتفاء الذاتي بنسبة 70 في المئة فيما يتعلق بالمكونات الأساسية في صناعات مثل الروبوتات الصناعية معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية، واعتقد القادة الصينيون، حتى قبل قيام المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الامريكية إدوارد سنودن بكشف المعلومات التي بحوذته، أن الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية جعلهم عرضة للهجمات السيبرانية.

ويتناول قانون الأمن السيبراني الصيني، الذي تم تقديمه في شهر يونيو/حزيران 2017، أهداف السياسة والأمن الصناعي، حيث يتطلب القانون من مشغلي الشبكات في القطاعات الحيوية أن يقوموا بتخزين البيانات التي يتم جمعها أو إنتاجها داخل الصين، ويتطلب الالتزام بتطبيق عملية توطين البيانات ضمن الصين من الشركات الأجنبية إما الاستثمار في خوادم بيانات جديدة باهظة الثمن في الصين، أو التعاقد مع مزود خدمة محلي مثل هواوي أو تينسنت أو علي بابا.

ودخلت آبل على سبيل المثال في شراكة مع شركة Guizhou – Cloud Big Data Industry لتخزين بيانات السكان الصينيين، كما يمكن بموجب القانون مطالبة الشركات الأجنبية بتوفير التعليمات المصدرية أو غيرها من المعلومات الخاصة بالملكية الفكرية للحكومة الصينية من أجل مراجعتها، مما يزيد من مخاطر نقل التكنولوجيا إلى المنافسين المحليين أو استخدامها من قبل الحكومة الصينية.

وتعد الولايات المتحدة محقة في محاول ردعها لعمليات سرقة الملكية الفكرية من قبل الصين، وهناك أمل ضئيل في أن تتمكن واشنطن من إقناع بكين بالتخلي عن خططها لتطوير صناعة تكنولوجية أكثر تنافسية، ومن المرجح أن تضاعف الصين من جهودها المبذولة لإنهاء الاعتماد على الشركات الغربية، حيث دعا الرئيس شي جين بينغ كبار العلماء في البلاد لتحقيق اختراقات في التكنولوجيات الأساسية، وقال: “إن الابتكار وتقرير المصير هو الطريق الذي لا مفر منه”.

وينبغي أن يدرك صانعو السياسة الأمريكيون أيضًا أن شركات التكنولوجيا قد بنت واستفادت من سلاسل التوريد العالمية التي غالبًا ما تتواجد في الصين، وأن الجهود الرامية إلى تفكيك هذه العلاقات الاقتصادية سوف تضر بالقدرة التنافسية للشركات الأمريكية، والتي تمثل مورداً وعميلًا في نفس الوقت للشركات الصينية، ولا يعرف أي طرف متى قد تنتهي هذه الحرب التجارية التكنولوجية، والتي قد تؤثر على المدى القصير في ارتفاع التكاليف بالنسبة للمستهلكين وزيادة عدم اليقين بالنسبة للشركات وتحسين الأمن السيبراني بشكل هامشي.

زر الذهاب إلى الأعلى