دراسات وتقاريرمنوعات تقنية

الصين تعتمد على التكنولوجيا الأساسية الأمريكية

ساهمت قضية شركة التصنيع الصينية ZTE في تغيير الخطاب الصيني من حالة التباهي إلى حالة التواضع، إذ أعربت صحيفة جلوبال تايمز الصينية عن أسفها إزاء الفجوة التكنولوجية الهائلة التي تتطلب عقودًا من الجهود الشاقة للتغلب عليها، في حين قالت صحيفة بكين ديلي التابعة للحزب الشيوعي الصيني إن الصين ليست مدهشة في بعض المجالات، في إشارة منها إلى الفيلم الوثائقي الصيني “الصين المذهلة” الصادر في عام 2018، والذي يعرض إنجازات الصين في العلوم والتكنولوجيا والصناعة منذ تولي شي جين بينغ منصب السكرتير العام للحزب.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن أستاذ بجامعة تسينغهوا Tsinghua قوله إن ازدهار الصين “مبني على الرمال”، وفي حين أن التصريحات الصادرة عن وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة يمكن أن تكون محاولات ذكية للتقليل من مواطن القوة الصينية في مواجهة تصاعد التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، فإن تعليق البروفيسور يعتبر واقعي من الناحية الفنية، إذ إن ازدهار العالم بأجمعه، وليس الصين فقط، مبني على الرمال، وذلك تبعًا لكونه العنصر الخام المستخدم في إنتاج السليكون، وهي المادة الأساسية لمعظم أشباه الموصلات، والمعروفة باسم الرقاقات الدقيقة.

وتعتبر أشباه الموصلات من أكبر الواردات الصينية من حيث القيمة، بحيث أن قيمتها تتجاوز قيمة النفط الخام المستورد، ومن الواضح أن مادة السليكون تمثل حصارن طروادة التكنولوجي، وذلك على الرغم من إنفاق عقود من الجهود في محاولة اللحاق بالغرب.

وكانت الولايات المتحدة قد حصدت مكاسب السليكون منذ أكثر من 50 عامًا، أي منذ انتقال المخترع والفيزيائي الأمريكي وليام شوكلي William Shockley إلى ماونتن فيو بولاية كاليفورنيا في أواخر الخمسينيات من القرن العشرين وتأسيسه لمختبر شوكلي لأشباه الموصلات، وهي أول شركة تعمل على أجهزة أشباه الموصلات ضمن المكان الذي أصبح يعرف فيما بعد باسم وادي السليكون، حيث أدت محاولات شوكلي لتسويق تصميم الترانزيستور الجديد في الخمسينات والستينات إلى ظهور ما يعرف باسم وادي السليكون، والذي أصبح مرتعًا للإلكترونيات.

وأدى فرض الولايات المتحدة حظرًا للمرة الأولى لمدة سبع سنوات على شركة ZTE، وهو ما أدى إلى شل حركة شركة الاتصالات العملاقة وما زالت تعاني منه بالرغم من تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بناء على طلب الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى ظهور العديد من الأصوات المتزايدة، بقيادة الرئيس الصيني نفسه ومؤازرة قادة شركات التكنولوجيا الصينية مثل بوني ما Pony Ma، الرئيس التنفيذي لشركة تينسنت Tencent، حيث تدعو تلك الأصوات إلى أن تصبح الصين مكتفية ذاتيًا فيما يتعلق بالتكنولوجيات الأساسية.

وتعتبر هذه الدعوة إلى العمل ليست جديدة، إذ تم في تسعينيات القرن الماضي استثمار المليارات في خطوط تصنيع جديدة لأشباه الموصلات باستخدام التكنولوجيا التي تم نقلها بصورة مشروعة من شركات تصنيع الرقاقات الأجنبية، لتجد الصين أن هذه الرقاقات، والتي يمكن أن تستغرق عملية بناءها من الصفر عامين، قد أصبحت قديمة تبعًا لتغير وتطور التكنولوجيا.

كما فشلت الجهود التي بذلتها الصين للحصول على أسرار تجارية أمريكية لأشباه الموصلات من خلال عمليات استحواذ مشروعة في الغالب، حيث تراجعت واشنطن لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وكانت شركة Tsinghua Unigroup قد عرضت في عام 2015 مبلغ 23 مليار دولار أمريكي على شركة Micron Technology الأمريكية لتصنيع رقائق الذاكرة، وتم رفض العرض.

ويفضل أنصار التكنولوجيا في الصين الإشارة إلى رقاقات الهاتف كيرين Kirin المصممة من قبل شركة هواوي تكنولوجيز، الشركة المصنعة للهواتف الذكية رقم 3 في العالم، كمثال على قيام شركة صينية بخفض حصتها من الاعتماد على التكنولوجيا الأساسية الأجنبية، بينما يتعين على شاومي و ZTE شراء الرقاقات من شركة التصنيع الأمريكية كوالكوم، وتمنح الصفقة الأخيرة المستثمرين الصينيين فرصة الوصول إلى الملكية الفكرية لشركة أشباه الموصلات البريطانية ARM، مما يعتبر نجاحاً آخر على الطريق نحو الاستقلال الأساسي في التكنولوجيا.

وتعتبر مسألة اكتساب مهارات تصميم الرقاقات بمثابة الخطوة الأولى فقط فيما يتعلق بهدف الصين على المدى البعيد لتطوير تكنولوجياتها الأساسية وتقليل اعتمادها على منافسها الجيوسياسي الأمريكي، كما أنها تحتاج إلى صناعة محلية لتصنيع أشباه الموصلات من أجل تحقيق هذا الهدف، حيث أن القيام بذلك أصعب بكثير، والمشكلة هي أن شركة هواوي لا تصنع رقاقات خاصة بها، ولا تقوم شركة كوالكوم أيضًا بهذا الأمر، حيث يتم الاستعانة بمصادر خارجية من أجل القيام بهذه العملية المعقدة.

وتهيمن شركه تايوان لصناعة أشباه الموصلات TSMC، والتي تمتلك حصة نسبتها 56 في المائة من إجمالي إيرادات صناعة أشباه الموصلات في النصف الأول من عام 2018، على هذا المجال، حيث أنها تصنع رقاقات Kirin لهواوي ورقاقات SnapDragon لكوالكوم، فيما تعد شركة GlobalFoundries اللاعب الثاني في هذا المجال، مع حصة سوقية أقل من 10 في المئة، بينما تمتلك الشركة الصينية SMIC أقل من 6 في المئة من الحصة السوقية.

وبالرغم من أن مستخدمي الهواتف الذكية قد يشعرون بالراحة عند الاعتقاد أن هواوي لم ترتكب نفس خطأ ZTE المتمثل بالاعتماد على رقاقات الهاتف الأمريكية، فقد يتفاجأوا عندما يعلمون أن شركات تصنيع الرقاقات التي تقوم بتصنيع رقاقات Kirin تعتمد في الغالب على معدات من الشركات الامريكية، حيث تتواجد مقرات شركات التصنيع Applied Materials و KLA-Tencor و Lam Research في وادي السليكون.

ويعني ذلك أن هواوي، بشكل يماثل ZTE، ما تزال تعتمد على التكنولوجيات الأساسية للولايات المتحدة، وتتشابه في ذلك مع ما تفعله كل شركة في العالم تستخدم السليكون في منتجاتها، وتتعلق التكنولوجيا التي طورتها شركة Applied Materials وأقرانها في وادي السليكون على مدار العقود الماضية بمختبر شوكلي لأشباه الموصلات، حيث استخدم المهندسون المواد الخام المتوفرة بشكل شائع مثل الأفران ومكابس الحفر والأنابيب الزجاجية لمحاولة إنتاج أجهزة سليكون قابلة للتشغيل.

ويبدو أنه لا خيار أمام الصين في المستقبل المنظور، وبقية العالم المتقدم، سوى الاعتماد على التكنولوجيا الأساسية الأمريكية فيما يتعلق بأشباه الموصلات، وقد لا يكون أمام بكين خيار آخر سوى اللعب من خلال قواعد التجارة العالمية، مع تخصيص المزيد من التمويل لعمليات البحث والتطوير ضمن مجال أشباه الموصلات.

زر الذهاب إلى الأعلى