تحت الضوءدراسات وتقارير

الاتحاد الأوروبي يستخدم بيانات الهواتف كسلاح لترحيل اللاجئين

يحتاج قادة الاتحاد الأوروبي إلى خفض أعداد المهاجرين، وقد تكون البيانات الوصفية على الهواتف الذكية هي ما يحتاجون إليه للبدء في إعادة المهاجرين، إذ ساعدت الهواتف الذكية عشرات الآلاف من المهاجرين على السفر إلى أوروبا، حيث يعتبر الهاتف بمثابة وسيلة تسمح للمهاجرين بالبقاء على اتصال مع العائلة، ويمكن من خلاله التحقق من مجموعات فيسبوك التي تحذر من إغلاق الحدود أو حدوث تغييرات في السياسة أو عمليات الخداع والاحتيال التي يجب الانتباه إليها، بالإضافة إلى المعلومات المنشورة عبر واتساب حول كيفية تجنب شرطة الحدود.

وتستخدم الحكومات الآن الهواتف الذكية للمهاجرين لترحيلهم، إذ يواجه طالبي اللجوء في جميع أنحاء القارة الأوروبية خطر جديد مزدهر يتمثل بالأدلة الجنائية القابلة للتنقل المتخصصة في استخراج رسائل الهاتف الذكي وسجل المواقع الجغرافية وبيانات واتساب، حيث يمكن استخدام هذه المعلومات ضد أصحاب الهواتف أنفسهم.

وقامت كل من ألمانيا والدنمارك في عام 2017 بتوسيع القوانين التي مكنت مسؤولي الهجرة من استخراج البيانات من هواتف طالبي اللجوء، وقد تم اقتراح تشريع مماثل في بلجيكا والنمسا، بينما كانت المملكة المتحدة والنرويج تبحثان ضمن أجهزة طالب اللجوء منذ سنوات.

وتسعى الحكومات المتعثرة إلى خفض أعداد المهاجرين بعد المكاسب اليمينية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، ويبدو أن معالجة طلبات اللجوء طريقة سهلة للقيام بذلك، إذ بينما التقى قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل هذا الأسبوع لوضع إطار عمل أكثر صرامة لإدارة الهجرة، فإن وكالات الهجرة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي تظهر حماسة جديدة للقوانين والبرمجيات التي تمكنها من استخدام بيانات الهاتف في قضايا الترحيل.

وأصبح من الواضح أن هناك بعض اللاجئين الذين يكذبون فيما يخص طلبات اللجوء، وهو ما حصل مع اللاجئ عمر، ليس اسمه الحقيقي، الذي سافر إلى ألمانيا عبر اليونان، إذ لم يكن هناك بالنسبة للمواطنين السوريين مثل عمر سوى القليل من البدائل القانونية في الاتحاد الأوروبي، لكن مسار رحلته يعني أنه قد يواجه الترحيل بموجب لائحة دبلن في الاتحاد الأوروبي، والتي تملي على طالبي اللجوء أن يطالبوا بوضع اللاجئ في أول بلد أوروبي يصلون إليه، ولكن بالنسبة إلى عمر، فإن هذا يعني الاستقرار في اليونان، وهي ليست جذابة بالنظر إلى معدلات البطالة المرتفعة فيها.

وتم خلال العام الماضي ترحيل أكثر من 7000 شخص من ألمانيا وفقا للائحة دبلن، وفي حال تم البحث ضمن هاتف عمر، فقد يصبح أحد المرحلين، حيث أن سجل المواقع سيكشف الطريق التي سلكها عبر أوروبا، بما في ذلك وصوله إلى اليونان، ولكن قبل مقابلة لجوئه، التقى عمر بلينا، ليس اسمها الحقيقي، وكانت لينا، وهي من المدافعات عن حقوق اللاجئين، قد قرأت عن قوانين المراقبة الجديدة في ألمانيا.

وشجعت لينا عمر على التخلص من هاتفه وإخبار مسؤولي الهجرة بأنه سرق في مخيم اللاجئين الذي كان يقيم فيه، وتقول لينا: “كان هذا المخيم معروفًا جدًا بحدوث الجرائم ضمنه، لذلك تبدو القصة قابلة للتصديق”، ولا يزال طلب عمر قيد النظر، ولا يعد عمر طالب اللجوء الوحيد الذي يحاول إخفاء بيانات هاتفه عن مسؤولي الدولة.

ووجدت ماري غيليسبي Marie Gillespie، أستاذة علم الاجتماع خوفًا واسعًا من مراقبة الهواتف المحمولة فيما يتعلق بالمهاجرين الذين يسافرون إلى أوروبا، وتقول: “ساعدت الهواتف المحمولة في تيسير رحلاتهم، ولكنها شكلت أيضًا تهديدًا”، حيث رأت ماري مهاجرين احتفظوا بما يصل إلى 13 بطاقة اتصال SIM مختلفة، أخفوها في أجزاء مختلفة من أجسادهم أثناء سفرهم.

وقد يصبح هذا الأمر مشكلة بالنسبة لمسؤولي الهجرة، الذين يستخدمون الهواتف المحمولة بشكل متزايد للتحقق من هويات المهاجرين، والتأكد مما إذا كانوا مؤهلين للحصول على اللجوء، أي هل هم يفرون من بلدان قد يتعرضون فيها للعنف أو الاضطهاد، ولم يتمكن سوى 40 في المئة من طالبي اللجوء في ألمانيا خلال عام 2016 من تقديم وثائق هوية رسمية.

واضطرت الحكومة في ظل غياب تلك الوثائق إلى التحقق من جنسيات نسبة 60 في المئة الأخرى من خلال مزيج من بيانات الهاتف المحمول وتحليل اللغات، مستخدمين في ذلك مترجمين بشريين وحواسيب لتأكيد ما إذا كانت لهجتهم أصلية، وبعد مرور ستة أشهر على سريان مفعول قانون البحث الألماني، قام موظفو الهجرة بتفتيش 8 آلاف هاتف، إذ في حال كان هناك شك في قصة طالب اللجوء، فسيستخرجون البيانات الوصفية لهاتفه، وهي معلومات رقمية يمكن أن تكشف عن إعدادات لغة المستخدم والمواقع التي أجروا فيها مكالمات أو التقطوا ضمنها صور.

.وتستخدم السلطات الألمانية برنامج حاسب يدعى أتوس Atos للقيام بذلك، حيث يجمع البرنامج بين التكنولوجيا التي قدمتها شركتا الأدلة الجنائية المتنقلة T3K و MSAB، ولا يستغرق الأمر سوى بضع دقائق لتنزيل البيانات الوصفية، ويقول متحدث باسم وكالة الهجرة الألمانية BAMF: “إن تحليل بيانات الهاتف المحمول ليس هو الأساس الوحيد الذي يتم بموجبه اتخاذ قرار بشأن طلب اللجوء”، لكنهم يستخدمون البيانات للبحث عن التناقضات في قصة مقدم الطلب.

وتتخذ الدنمارك خطوات إضافية من خلال سؤال المهاجرين عن كلمات المرور الخاصة بهم على فيسبوك، حيث يجري استخدام المنصة بشكل متزايد للتحقق من هوية طالب اللجوء، وهو ما حدث مؤخرًا مع عاصم، وهو لاجئ سوري يبلغ من العمر 36 عامًا، إذ عندما طلب منه مسؤولو الهجرة الدانمركية كلمة المرور الخاصة بحسابه قدمها لهم، ويقول عاصم: “لم أكن أهتم بما كانوا يفعلون في ذلك الوقت، أردت فقط مغادرة مركز اللجوء”، وقد ساعد حساب عاصم على فيسبوك بحصوله الآن على وضع لاجئ.

وأكدت وكالة الهجرة الدنماركية أنها تطلب من طالبي اللجوء الاطلاع على صفحتهم على فيسبوك، وبالرغم من أنه ليس إجراءً قياسيًا، إلا أنه يمكن استخدامه إذا شعر مسؤول الحالة أنه بحاجة إلى مزيد من المعلومات، وفي حال رفض مقدم الطلب، فسيخبرونه بأنه ملزم بموجب القانون الدنماركي، وتستخدم الوكالة في الوقت الحالي حساب فيسبوك فقط، وليس إنستاجرام أو باقي منصات التواصل الإجتماعي الأخرى.

وشككت جماعات حقوق الإنسان وأحزاب المعارضة ضمن الاتحاد الأوروبي بدستورية عمليات البحث، وأثارت المخاوف بشأن انتهاكها للخصوصية، وتقول ميخالا كلنت بنديكسن Michala Clante Bendixen، من منظمة الترحيب باللاجئين في الدنمارك: “من وجهة نظري، إن طلب كمة مرور حساب فيسبوك أو فتح الهاتف المحمول لشخص ما هو انتهاك لأخلاقيات الخصوصية، إذ يعتبر حساب فيسبوك أو الهاتف المحمول بمثابة جزء من مساحة طالب اللجوء الشخصية والخاصة”.

وتوفر المعلومات التي يتم الحصول عليها من الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي حقيقة بديلة يمكنها منافسة شهادة طالب اللجوء، ولاحظ نشطاء حماية الخصوصية كيف أن المعلومات الرقمية قد لا تعكس شخصية الشخص بدقة، ويقول كريستوفر ويثهيد Christopher Weatherhead، المتخصص بالتكنولوجيا في مؤسسة الخصوصية الدولية Privacy International، وهي مؤسسة خيرية تدافع عن حق الخصوصية في جميع أنحاء العالم: “نظرًا لوجود الكثير من البيانات على هاتف الشخص، يمكنك إصدار أحكام شاملة قد لا تكون بالضرورة صحيحة”.

وقال متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية إنهم لا يتحققون من مواقع التواصل الإجتماعي لطالبي اللجوء ما لم يشتبه في ارتكابهم جريمة، ومع ذلك، فقد ذكر المحامون والأخصائيون الاجتماعيون البريطانيون حدوث عمليات البحث في حسابات التواصل الإجتماعي، وذلك بالرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت عمليات البحث تعكس سياسة رسمية.

وقامت مؤسسة الخصوصية الدولية بالتحقيق في قدرة الشرطة البريطانية على البحث ضمن الهواتف، مما يشير إلى أن مسؤولي الهجرة يمكن أن يتمتعوا بسلطات مماثلة، ويقول كريستوفر ويثهيد “ما أدهشنا هو مستوى تفاصيل عمليات البحث هذه عبر الهاتف، إذ يمكن للشرطة الوصول إلى المعلومات حتى لو كان صاحب الجهاز لا يمتلك إمكانية الوصول إليها، مثل الرسائل المحذوفة”.

وأصبح الهاتف الذكي الملحق الأساسي للهجرة الحديثة، إذ إن السفر إلى أوروبا كطالب لجوء باهظ الثمن، كما أصبحت الهواتف ميزة ثابتة على طول الطريق المؤدي إلى شمال أوروبا، حيث كان الشبان يصطفون على الأرصفة خارج مراكز الاستقبال في برلين، وهم ينظرون إلى شاشات الهواتف أو يتجمعون حول نقاط الشحن، وأفادت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أن الهواتف مهمة للغاية للمهاجرين الذين يتنقلون عبر أوروبا، وأنهم ينفقون ما يصل إلى ثلث دخلهم على رصيد الهاتف.

ويجبر المهاجرون الآن على مواجهة واقع أكثر خطورة، حيث توسع الحكومات في جميع أنحاء العالم قدراتها فيما يتعلق بعمليات البحث عبر هواتف طالبي اللجوء، وفي حين كانت الدول الأوروبية تسن قوانينها المتعلقة بعمليات البحث عن البيانات الوصفية، فقد أنفقت الولايات المتحدة في العام الماضي 2.2 مليون دولار على برامج اختراق الهواتف، لكن طالبي اللجوء يغيرون أيضًا سلوكهم عندما يصبحون أكثر إدراكًا أن الهاتف الذكي، وهو الجهاز الذي أمن لهم الحرية، قد يكون نفس الجهاز الذي قد يحبط آمالهم في الحصول على حياة جديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى