رأي وحوار

ثورة البلوك تشين Blockchain تهدد عروش إمبراطوريات عالمية .. أمازون والمصارف ووسائل الإعلام!

أكاد أجزم أن إفراط الإعلام في طبيعة تعاطيه الراهن مع مفهوم سلسلة الكتل ـ بلوك تشين Blockchain – هو أمر خاطئ وفي غير محلّه، تمامًا كما الإفراط في تجاهل ثورة العملات الرقمية وعلى رأسها البيتكوين في بداياتها الأولى، التي هي بالأصل إحدى مخرجات سلسلة الكتل.

فبين ناقل متخبط، وجاهل مندفع، وإعلامي أجوف، ومحب للظهور على شبكات التواصل – أجنبي وعربي – حار الإنسان البسيط، وضُيّعت الفكرة، وغُيّبت الثمرة، حتى زاغت الأبصار عن حقائقَ مؤكَدة، ومنافع جمّة، وتهديد وشيك.

أرى أن الثمرة أهم من العمق التقني بالنسبة للمستخدم، فهو لا يكترث كثيرًا بآلية عمل الأجهزة تقنيًا، بل يمحّص في منافعها وسبل استفادته منها في حياته اليومية. فليس كل ما يستخدمه الإنسان يفهمه – تقنيًا – فراكب السيارة على الأرجح لا يكترث بتقنية تحويل الوقود إلى طاقة حركية. والأمر ينطلي على مستخدم الشبكات والجيل الخامس وأنظمة إدارة الموارد والأجهزة التكنولوجية المعقدة، وغيرها وعلى رأسها حاليًا البلوك تشين.

فالبوك تشين عزيزي القارئ ببساطة هي تقنية ثورية، قُدِّمت مفهومًا مجردًا عام ١٩٩١م، وأثمرت نموذجًا تطبيقيًا في ٢٠٠٨ مع بدايات ظهور البيتكوين والعملات الرقمية. فركائزها قوة التشفير (درجة الأمان العالية للتعاملات والوثائق)، واللامركزية (إلغاء دور الوساطة)، والتوثيق.

مخرجات هذه التقنية ستجتاح العالم بمختلف قطاعاته، لتطيح بإمبراطوريات عالمية وكيانات اقتصادية بارزة ما لم يخرج علينا من يأتي بأمر جديد يمكنّه من التماشي معها، أو يسخرها لصالحه بما يحفظ وجوده. إلى ذلك الوقت، نحن الآن أمام تغيرّات جذريةّ!

فعرش أمازون الآن – وأمثاله من الإمبراطوريات العالمية – تهددهم مشروعات واعدة بدأت تظهر على الساحة، اتخذت من عنصر اللامركزية الذي توفره بلوك تشين نواةً لها، وسخّرت المخرجات الأخرى لهذه التقنية لإكمال التهديد.

فها هو مشروع التجارة الإلكترونية العالمي الواعد “أوبن بازار الذي لا يزال في مراحله الأولى يشهد زخمًا لافتًا، فقد انطلق منذ أقل من شهر من كتابة هذا المقال ويحظى الآن بأكثر من ٢٥ ألف مشارك. فهو يلغي دور الوسيط الذي يقوم به أمازون حاليًا معلنًا عن حقبة جديدة للتجارة الإلكترونية المباشرة بين المشتري والبائع، عمادها البلوك تشين ومخرجاتها، فعملتها المعتمدة رقمية، وأمنها التشفير العالي، وآلية إرسال واستلام الأموال في دقائق معدودة وبدون مؤسسات مصرفية!

وهنا يتجلى أمامي الآن عشرات الأسئلة والعديد من السيناريوهات، فما حال المؤسسات المصرفية والكيانات المالية العالمية؟! كيف ستؤثر عليها تقنية بلوك تشين، وهل ستتبناها بما يخفف وطأة التهديد؟! هل من سيناريوهات مبدئية لذلك؟ أم أننا أمام مشهد جديد من الحرب الرقمية البادرة إن صح التعبير؟! وهل ستلعب وسائل الإعلام دورًا في هذه الحرب؟ ولصالح من؟!

من الجدير حقيقة في هذا المقام أن نعرج على مشروع إعلامي عالمي واعد إلى حد إثارة الفضول لدى أي جهة إعلامية، بما فيها البوابة العربية للأخبار التقنية، والدفع للتفكير بطريقة مغايرة. إنه مشروع Civil الذي يعتبر من أولى مبادرات الصحافة العالمية التي تتبنى تقنية بلوك تشين في الأوساط الإعلامية.

نعم، عزيزي القارئ، نحن أمام صرح إعلامي جديد من شأنه أن يقلب المعايير في الأوساط الإعلامية ويقلب الطاولة على مصادر الأخبار المكذوبة ومروجيها، فالأخبار يصنعها أشخاص محترفون، والتوثيق على أعلى درجاته، والقارئ هو عماد هذا المشروع ماديًا فهو يدفع بالعملة الرقمية ليدعم من يقرأ له مباشرة من الصحفيين، مما سيخرج المعلنين من المعادلة نهائيًا. إنها حقبة جديدة بكل ما تحمله الكملة من معنى، وإنه بلا شك عالم مختلف ومغاير عما نعايشه اليوم، فعلينا فهم ركائزه لنحدد مخرجاته ومنافعه، ونسخر صالحها في خدمة الإنسان والبشرية.

إن أي استشراف رصين للمستقبل ينبغي أن يُبنى على ركائز راسخة ودراسات دقيقة، ونحن اليوم بانتظار أن تواصل شركات الأبحاث المختصة جهودها وبحوثها لنتمكن من وضع الاستراتيجيات والخطط اللازمة لمواكبة هذه الثورة التي أعتقد أنها ستغير الكثير مما نعايشه اليوم، مفهومًا وأسلوبًا وتطبيقًا.

بقلم: أحمد عبدالقادر، المؤسس والرئيس التنفيذي، البوابة العربية للأخبار التقنية

زر الذهاب إلى الأعلى