منوعات تقنية

“لا بيرل” عرض أسطوري يواكب مختلف التطورات والابتكارات التقنية

تمكّن عرض “لا بيرل” الذي انطلق في مطلع سبتمبر الماضي، من مواكبة مختلف التطورات والابتكارات التقنية، وقد شمل هذا التطور معمار المسرح والسينيوغرافيا (الفضاء والمناظر المسرحية) والضوء والصوت والأزياء.

وهذا العرض الذي يقام في مسرح يحمل الإسم نفسه قد بني خصيصاً له وهو يتسع لـ1300 شخص، ويعتبر إنجازًا هندسيًا مدججًا بأحدث ما توصلت إليه التقنيات الحديثة في عصرنا هذا، إذ يحتوي في وسطه حوالي 2.7 مليون ليتر من المياه المعاد تدويرها – أي ما يكفي لملء بركة سباحة أولمبية – يمكن تصريفها في أقل من دقيقة من أجل استخدام البركة كمساحة أرضية باستخدام تكنولوجيا متطورة جدًا في هذا المجال.

واستخدم  مخرج هذا العمل الإبداعي فرانكو دراغون كافة السبل والأدوات والإمكانات الحديثة والجديدة في التجسيد الإبداعي والخلق الفني، ناهيك عن تحسين ظروف التلقي، حيث أصبح بإمكان المتلقي أن يشاهد العرض في ظروف أفضل وفي ظل إمكانات وتجهيزات حديثه على كل الأصعدة: الصوت والصورة والمسافة والراحة، بما يتناسب وروح العصر. 

وتمكن المخرج أيضًا، من الاستفادة من تطور التقنيات في المسرح الحديث مستمدًا دوافعه وجذوره أساسًا من مخيّلته وسعيه لتجسيد رؤاه وأحلامه. فالتصورات الجديدة لاستخدام التكنولوجيا في مسرح لابيرل وتطويعها في مجالات مختلفة أصبحت واقعية وواضحة للعيان في مجال الصوت والمؤثرات الصوتية والضوئية باستخدام برامج كمبيوترية، وتعد قفزة لم يشهدها تطور المسرح من قبل في المنطقة، كماَ ونوعاً وسرعة. فالضوء والموسيقى هما أيضاً جزء مهمًا من هذا العرض وتراهما في حركة دائمة إذ لم يعد الأمر مقتصراً فقط على حركة الممثلين على المسرح. 

ولإلقاء الضوء على المزيد من هذا العمل الفني كان لنا لقاء مشترك مع كل من ستوارت بيرتولوتسي، المدير الفني، وأنطون مونتاوت، رئيس الإضاءة والمؤثرات البصرية في “لابيرل”. 

لا بيرل هو عبارة عن مسرح في غاية الحداثة، هل يمكنك أن تحدثنا عن بعض العوامل الرئيسة التي تميزه عن غيره من المسارح حول العالم؟

ثمة عدة نواحٍ تجعل من مسرح لا بيرل مسرحاً بارزاً. أولاً، المسرح مشيد بالكامل لغاية محددة ما يعني أنه المسرح الوحيد من نوعه في العالم. ويقدم تكنولوجيا متطورة جداً بحيث أننا المسرح الأول الذي يقوم باستخدامها. وتتدلى البنية الكلية للمسرح من دعامات فولاذية ضخمة تزن بين 68000 إلى 72000 طن، ما يُقدر تقريباً بوزن مركبة فضائية.

ولا يعرض المسرح حوضًا مائيًا ولا يمتلك شلالات ومنصة تتحول من مسرح مائي إلى جاف في غضون ثوانٍ فحسب، ولكن لديه أيضاً القدرة على إسقاط المطر داخل القاعة. ويتحقق ذلك بفضل مضختي ماء قادرتين على ضخ 9000 ليتر من الماء في الدقيقة.

وماذا بشأن أماكن الجلوس، وما الاختلاف الذي يحدثه ذلك بالنسبة للتجهيزات السمعية والبصرية؟

المسرح مصمم بناء على تركيبة مقاعد ذات درجة 270 متيحة بذلك تجربة مذهلة من زوايا متعددة. فأينما جلست في المسرح، سوف تحظى برؤية رائعة ونظراً لهذه الزاوية الفريدة، فإنك لو شاهدت العرض من مقعد آخر، فلسوف ترى شيئاً مختلفاً في كل مرة.

إن كل سطح في الموقع هو عبارة عن سطح إسقاط، بدءاً من المقاعد وصولاً إلى السقف والأرضية. سوف تلاحظ صورة دائرية ضخمة خلف المسرح بطول 22 مترًا، وهو الارتفاع ذاته لشاشة آيماكس المسرحية.

وهنالك ما مجموعه 600 دارة للإنارة في المبنى جميعها مزودة بأجهزة LED. وكفاءة التيار الكهربائي في المبنى أعلى مما هي عليه في المسارح التقليدية في ظل إضاءة معظم المسرح بأنوار متحركة.

وزيادة في هذه التجربة الآسرة، ثمة مكبرات صوت مثبتة في الجدران خلف المقاعد، وكذلك في كتل متعددة متدلية من السقف في وسط القاعة على نحو مشابه للعديد من حفلات الروك. وهنالك 135 مكبر صوت يوفر تجربة صوتية جارفة على امتداد 360 درجة بالكامل.

ما هي التجربة الأكثر صعوبة في إعداد مسرح من هذا القبيل؟

لا يوجد هنالك العديد من المسارح محددة الغرض في العالم، وثمة عدد أقل من المسارح المائية أيضاً، ولذلك توجب علينا ابتكار شيئًا جديدًا من خلال لا بيرل. والمسارح من هذا القبيل ليست “موحدة المواصفات”، فلا يوجد “حجم واحد يناسب الجميع”، ما يجعل الأمر معقداً للغاية. ولم تشهد المنطقة مشروعًا طموحًا من هذا النوع على قدر من التعقيد في البناء والأهداف النهائية. وكانت الغالبية العظمى من المعدات المستخدمة جديدة للغاية ولذلك توجب علينا التعلم بينما كنا نسير قدمًا في العمل.

يمكن تحويل المسرح من حوض ماء إلى منصة صلبة جافة في غضون دقائق، فكيف يتم ذلك؟

تدعى المادة المستخدمة على الأرضية باسم “موندو” Mondo، وهي مثقبة على نحو يسمح للماء بالارتفاع وغمر المسرح. ويقوم نظام التجفيف بسحب الماء للأسفل في غضون ثوانٍ. يمكننا تجفيف الماء في غضون 15 ثانية، ولكن حرصاً على سلامة الفنانين، نقوم بذلك في غضون 45 ثانية.

هل الأصوات التي تقومون بإحداثها صادرة في الغالب من خلال توليفة أدوات مختلفة، أم أنكم تستخدمون أصوات جاهزة، أم أن ذلك يتنوع وفقاً للحالة؟

الموسيقى المستخدمة في العرض عبارة عن مزيج من الموسيقى الجاهزة والعزف الموسيقي الحي. وبما أن هذا عرض مباشر، تحرص الفرقة على استمرار الموسيقى بصرف النظر عما يدور على خشبة المسرح. وقد تم تأليف الموسيقى من قبل شخص يدعى مايكل برينان الذي استخدم تشكيلة واسعة من الأدوات بغية الخروج بالموسيقى القوية التي تسمعونها اليوم.  

هنالك مؤثرات خاصة عديدة في المسرح، هل لك أن تخبرنا عن التكنولوجيا المستخدمة لمنع التصادم؟

تدعى العملية باسم تفادي التصادم. نقوم بشبك ذلك كله بالنظام لكي نضمن أنه في حال كان أحد المحاور على درجة معينة، فإنه سوف يغير زاويته تلقائياً تفادياً للمحاور الأخرى. كل ذلك مستند إلى برمجية خاصة.

ما التكنولوجيا الجديدة المثيرة التي يمكننا أن نتطلَّع إليها في هذا العالم السمعي  .. البصري .. الصوتي؟ 

يكمن مستقبل التكنولوجيا السمعية/البصرية في مجالات عدة منها دمج تكنولوجيات جديدة وتحسين تقنيتنا الراهنة بحيث تكون أكثر قوة وأسهل استخدامًا مع إيلاء تركيز على المزيد بسعر أقل، فكل شخص يريد الشاشات الأكبر والأسطع والأكثر إثارة ولكن بتكاليف أقل. ولكن ستتم عرقلة ذلك عن طريق تصدير كم ضخم من النسخ الرخيصة المتدنية الجودة من الصين. وسيلاحظ الزبائن التكاليف المتصلة باقتناء المعدات الأصلية مقابل النسخ الرخيصة وسوف يتجهون باستمرار نحو الخيار الأرخص. وسيستمر ذلك إلى حين ملاحظتهم النتيجة النهائية والتساؤل لماذا لا يشتغل الجهاز على النحو المتوقع، أو لماذا ليس ساطعاً على النحو الذي بدا عليه في مادة العرض، أو لماذا يعطل على نحو أسرع من المتوقع، أو لماذا دليل الاستخدام مكتوب بإنكليزية ركيكة، أو سيستمر ذلك إلى حين محاولة الاستنجاد بالكفالة واكتشاف أن المورِّد موجود في النصف الآخر من العالم ويتحدث لغة أخرى ومن الصعب الإمساك بسماعة الهاتف وحل المشكلة. سيتمحور المستقبل حول الطرق الأسهل لإدارة الأنظمة، والاستغناء عن لوحات التحكم وذلك بتكاليف تشغيل وصيانة أقل.

تسمح التكنولوجيا الحالية لنا بوصل الواقع المعزز بهواتفنا وتتيح لنا ربط نظارات الواقع الافتراضي بجسمنا والغوص في عالم افتراضي. هذا وتقوم سامسونج للتو بالتسويق لحفلات افتراضية حيث يقوم المستخدمون بالاتصال بكاميرا موجودة على المسرح وعيش الحفلات وكأنهم موجودين هناك افتراضياً. فهل سيصبح الدفع مقابل المشاهدة عن بعد النمط السائد للحفلات في المستقبل؟ يمكن للملايين من الأشخاص حول العالم الاتصال لمشاهدة ممثل معين في الوقت نفسه بينما يجلسون داخل غرفهم. فهل سيحل ذلك مكان الشعور بالتواجد في المكان فعلياً؟ ربما لن يحصل ذلك، ولكن ثمة سوق لهذا النمط.

وسيكون الأمر مسألة وقت ليس إلا قبل أن يتم دمج تلك التكنولوجيات في مجتمعنا على نحو كلي. وبفضل الإنجازات المتقدمة لمايكروسوفت من قبيل نظارة هولولينس وتجربة التعلم المتمثلة بنظارة جوجل، سرعان ما سيتخلى المستهلكون عن هواتفهم وشاشاتهم مستبدلينها كلياً بنظارات ذكية وغيرها من التقنيات القابلة للارتداء كالساعات بل وحتى العدسات اللاصقة مع تمكن الشركات من إرسال الإسقاطات مباشرة إلى عيون المستخدمين. وتقوم شركات التكنولوجيا مثل Meta للتو باختبار مكاتب افتراضية متخلية فيها عن شاشات الكمبيوتر لصالح النظارات التي تسقط الشاشة على طبقة من الزجاج أمام عينيك. وإننا نقوم حالياً بعقد مؤتمرات الفيديو ونتشارك الشاشات عالمياً بواسطة الإنترنت، والخطوات التالية ستكون إزالة قيود الارتباط بالشاشات، ومناطق الواي فاي، وقوابس الطاقة، فالأمر يتعلق ببيانات ضخمة، تخزين سحابي، وتفاعل المستخدم وليس بمجرد العمل من المنزل أو امتلاك مكتب منزلي، وإنما امتلاك حيز العمل الخاص بك وتوفر البيانات لديك في أي مكان وأي وقت.

ولنتخيل كيف يمكن تكييف ذلك مع عالم التسلية؛ الذهاب إلى حفلة ومشاهدة عرض على امتداد 100 قدم لمغنيك المفضل يمشي بين الحضور أو مشاهدة سفن فضائية افتراضية تحلق فوقك أو أزهار عملاقة تزهر في الخلفية بينما تستمع إلى الموسيقيِّ المفضل بالنسبة لك. إننا في مسرح لا بيرل نستغني لتونا عن الأجهزة التقليدية وقطع الديكور لصالح الإسقاط من أجل نقلنا إلى عالم آخر. ومن خلال التكنولوجيا الحالية، بمقدورنا طلاء الجدران بالفيديو، وبواسطة تكنولوجيا المستقبل سيكون بمقدورنا بطلاء الهواء افتراضياً أمام أعين الناس. ويمكننا جعل 1000 دمية ترقص عبر القاعة وجعل مخلوقات خرافية تتفاعل مع رعاتها في الدهليز، ويمكن للكواكب أن ترتفع على المسرح وتنفجر، فالإمكانيات لا تنتهي. ففي الوقت الحالي إننا مقيدون بالتكنولوجيا وحدها، وفي المستقبل سنكون مقيدين بأفكار مصمم الفيديو فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى