رأي وحوار

صناعة سوق لأعمالك بعيدًا عن المنافسين

بقلم : موفق جمال زكريا، مختص تسويق رقمي 

في ظل هذا التطور الهائل وكم المنافسة الرهيبة بين الشركات ، حيث فرض على الجميع قانون البقاء للأقوى ، كان لابد من انتاج نظريات واستراتيجيات مميزة للإبتكار والإبتعاد عن شراسة المنافسة في الأسواق ، وعندما نذكر كلمة المنافسة والإبتكار لابد من ذكر استراتيجية المحيط الأزرق في التسويق التي سأسلط الضوء عليها في هذه المقالة بعون الله  .

تعريف مبسط لإستراتيجية المحيط الأزرق في التسويق: 

هي عبارة عن إستراتيجية  تسويقية وذلك من خلال البحث عن محيطات زرقاء جديدة بعيدا عن المنافسة كما هو السائد في معظم الشركات والإبتعاد عن المحيط الأحمر حيث المزاحمة والتنافس الشديد ، مما يجعل هذا المحيط ملوثاً بالدماء الحمراء وسوق مشبع وحرارة شديده ناتجة عن شدة الإحتكاك بين القوارب المتصارعة . أما في المحيط الأزرق فإنه يتم تجاهل المنافسة والمنافسين تماماً ،وأحياناً يتم تجاهل العملاء الحاليين أيضاً ويكون الهدف البحث عند احتياجات جديدة عند عملاء جدد لديهم احتياجات خفية ربما يدركونها أو تخفى عنهم ،فليس من الضروري على المنظمة التي تريد تحقيق النجاح في مسيرة حياتها  ان تحتل مركزا تنافسيا قويا، بل يمكن تحقيق نجاح كبير بدون منافسة، بذكائها وريادتها الاستراتيجية تستطيع ان تجذب زبائن ومستهلكين جدد، وان تجعل الزبون اكثر ولاء لمنتجاتها وخدماتها .

ولتحقيق النجاح والإنتشار لأي منتج يجب أن يكون حاجة ضرورية للزبائن ، وهذا ماتعمل على توفيره أغلب الشركات في المحيط الأحمر ، لكن في قوانين المحيط الأزرق هناك للإبتكار والتخيل والإبداع النصيب الأوفر ،  حيث تبتكر الشركات منتج لايخطر بذهن الزبون ثم يكون بعد ذلك حاجة ضرورية له  ، فكم من الصناعات القائمة اليوم كانت مجهولة من خمسين سنة  والأن تعتبر حاجات أساسية في يومنا هذا مثل صناعة السيارات والطيران وأجهزة الموبايل وخدمات البريد السريع وصناعة الفيديو ….الخ

القيمة المبتكرة وليس القيمة المضافة: 

يعتمد المحيط الأحمر على التنافس بنفس مجال السوق القائم بعكس استراتيجية المحيط الأزرق التي تعتمد على صناعة سوق جديد لم تصله المنافسة بعد ، فنجاح المحيط الأحمر يعتمد على التغلب على المنافسين وأخذ أكبر حصة في السوق بعكس استراتيجية المحيط الأزرق التي تجعل المنافسة خارج اللعبة  ، فإستراتيجية المحيط الأزرق يعتمد على القيمة المبتكرة  وليس على القيمة المضافة ، ففي الوقت الذي تركز الشركات عادة على العملاء الحاليين يجب عليك  التركيز على عملاء المستقبل وتحقيق نمو يتخطى المتطلبات الحالية للعملاء .

هل يمكن للجميع الإبحار في المحيط الأزرق؟

الإبحار في المحيط الأزرق من الناحية النظرية سهل وجميل وجذاب .. ولكن من الناحية العملية تعادل صعوبته عمق المحيطات .. فالإبحار في المحيط الأحمر، لا يتطلب في الغالب أن تملك الشركة أكثر مما يملك منافسوها.. وإن ملكت الأقل تستطيع أيضاً أن تناوش وتحصل على ما يرضيها ويسد رمقها على أقل تقدير .. لكن في المحيط الأزرق وبالرغم من هدوئه وجماله إلا أنه يتطلب قدرات خاصة للإبتكار ويحتاج كفاءات عالية لتستطيع دراسة حدود السوق للإنفلات من المنافسة وايجاد المحيط الأزرق  .

انتقال سلس وبسيط 

هناك العديد من الحيل للإنتقال السلسل للمحيط الأزرق والإعتماد مثلاً على العنصر العاطفي بدلاً من العنصر الوظيفي للمنتج ، لكنه قد ينجح في المنتجات العصرية على سبيل المثال شركة بودي شوب أو سواتش للساعات مثلاً حيث تركز اهتمامها على عنصر الجاذبية والعاطفة بشكل كبير ، كمثال أخر في مجال مطاعم الوجبات السريعة في أحد الدول العربية فإنها تبني لها محيط أزرق خاص بعيد عن المنافسة بنفس الإمكانيات والحجم والتمويل للمطاعم الأخرى لكن بأمر بسيط على سبيل المثال “مصدر الدجاج” بأن يكون طازجاً ومحلياً بدل عن كونه  “مثلجاً ومستورد من دول أخرى ” ، وهناك أمثلة كثيرة يمكن إبداعها وابتكارها لإنتقال سهل للمحيط الأزرق ، لكن القوة في النهاية لمن يستطيع تحقيق العاملين معاً الإنتقال الوظيفي والعاطفي وأكبر مثال على ذلك شركة أبل التي تبرز الإنتقال العاطفي في منتجاتها بالإضافة للناحية الوظيفة المقدمة لأجهزتها  القوية  ، في النهاية يبقى عامل القيمة المبتكرة هو الأساس في الإبحار في المحيط الأزرق بدل من القيم المضافة .

عند الإبتكار والإستعداد للإنتقال للمحيط الأزرق ، عندها لايكفي ايجاد وصياغة الإستراتيجية فحسب، بل تتعدى ذلك إلى كيفية تنفيذ هذه الإستراتيجية، و تخطي العقبات الإدارية التي تواجه إدارة الشركة عند تنفيذ الإستراتيجية الجديدة ، فلتحقيق النجاح الخارجي في المنافسة عليك تحقيق نجاح داخلي بين أروقة الشركة بحل جميع الخلافات وتوحيد الهدف والرؤية العامة لتفادي أي مشكلة متوقع ظهورها بعد الخروج لمياه المحيط الأزرق ، فيجب على الشركة التركيز على الصورة الكلية للوصول للترتيب الاستراتيجي الصحيح والإبتعاد عن الأرقام لأنها في الغالب تؤدي عادة إلى ضياع الهدف الأساسي وتكون بمثابة وضع العصا في العجلة قبل أن تسير .

أمثلة على نجاح تطبيق إستراتيجية المحيط الأزرق

ابدا بمثال البوابة العربية للأخبار التقنية ، إذا أخذت ومنذ البداية منحى المحيط الأزرق بدلاً من الأحمر في ظل  المعارك الشرسة وتخمة الإنترنت في المحتوى التقني العربي والمدونات والمنتديات المختلفة التي كان اعتمادهم على الإعلانات كوسيلة أساسية للدخل ، لكن قامت البوابة  العربية بالإبتعاد عن ذلك وأصرت على منهج واضح بأن تكون  منبر للتحليلات التقنية ومزود رئيسي ومعتمد للأخبار لجهات كبيرة في العالم العربي

 كـ “Newswire “، وحصدت الكثير من النجاحات في الأعوام السابقة في ذلك الخصوص .

وعلى سبيل المثال أيضاً  إذا رجعنا 100 سنة للوراء فلقد عمل 500 مصنع للسيارات في امريكا على صنع السيارات  حسب الطلب ، لكن بنفس الوقت قامت شركة فورد بإطلاق سيارتها  “T”  سيارة الغالبية العظمى المصنعة من أفضل المواد وبلون واحد هو الأسود بالإضافة لذلك سهلة الإصلاح وبسعر اقتصادي جدا  يستطيع أغلب الأمريكين شراؤها آنذاك …

وعلى سبيل المثال جنرال موترز عام 1924 في سيارتها المصممة بنموذج لإثارة المشاعر . وعلى “سي إن ان ” في عام 1980  بنموذج (الأخبار لحظة وقوعها) وعلى مدى 24 ساعة طوال الأسبوع  ،  حيث نجد نموذجا استراتيجيا متكررا في ابتكار المحيطات الزرقاء ، والقائمة تطول جدا في قصص الشركات الكبيرة التي اعتمدت  هذه الإستراتيجية .

أخيرًا، في كل يوم تعيشه الشركات الكبيرة  بشكل عام  ورواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة  بشكل خاص حالات   لم يكن لديها  “خلفية أكاديمية سابقة لها” ، لذلك الإطلاع والدراسة الأكاديمية مفيدة وضرورية جدا … لأن الدراسات تعطينا المهارات اللازمة لتحليل أفضل،ارتجال أفضل واتخاذ قرارات  صحيحة ودقيقة.

ومن هنا أنصح كل من يريد التعمق بإستراتجية المحيط الأزرق بقراءة كتاب  ” Blue Ocean Strategy” الذي قدمه العملاقين “دبليو تشان كيم”  وزميلته ”رينيه موبورن”  ،حيث  قاموا بطرح الكتاب بناء على دراسة 150 تحرك استراتيجي للشركات العالمية لأكثر من ثلاثين صناعة  ، حيث درس المؤلفان جميع هذه التحركات ، وتوصلا إلى إستخلاص طريقة منهجية في التفكير، وتقديم الأدوات التي تساعد على النجاح لإكتساح الأسواق بالدخول للمحيطات الزرقاء في إطار تحليلي.

حتى نكون منصفين نحو الكتاب لايمكننا اعتباره كرقم أضيف لقائمة المؤلفات الإدارية في العالم ، بل إن مؤلفي الكتاب ليسوا مجرد كاتبين في حقل الإدارة والتخطيط الإستراتيجي فحسب ، فلقد أطلقت عليهما جريدة صنداي تايمز البريطانية لقب أفضل المفكرين العمليين في أوروبا ، ويشغلون مناصب كبيرة في العالم ، فلقد عمل البروفسور دبليو تشان كيم كعضو استشاري في الإتحاد الأوربي واستشاري لدى العديد من الشركات العالمية،و له المئات من البحوث والمقالات وهو استاذ الإستراتيجيه والإدارة الدولية في جامعه انسياد التي تعد من أكبر كليات إدارة أعمال في العالم .

أيضاً بالنسبة لزميلته فهي عضو استشاري  في مجلس الرئيس الأمريكي أوباما بالإضافة لمناصب استشارية رفيعة المستوى حول العالم ، كما لها مقالات وأبحاث حول الإستراتيجيه الإدارية في هارفارد و وول ستريت ونييورك تايمز والفاينانشال وغيرها .

زر الذهاب إلى الأعلى