رأي وحوار

مقدم خدمات أم استشاري؟ تحول دور مؤسسات خدمات تقنية المعلومات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي

بقلم عبدالعزيز الهليل المدير الإقليمي لشركة IDC بالمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين

لقد قضيت وقتاً طويلاً في الحديث بشكل مباشر إلى المستخدمين النهائيين في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وقد اتضح لي أن ظروف السوق النشطة في الوقت الحالي تثير عدد من التحديات التي تواجه الشركات في المنطقة. ومن بين التحديات التي تم ذكرها بشكل متكرر ضرورة تحقيق الأهداف، والاستحواذ على حصة في السوق والمحافظة على النمو وإطلاق منتجات/خدمات جديدة، والحفاظ على رضا العملاء، والالتزام بالأنظمة السارية.

وعلى الرغم من أن تقنية المعلومات يمكنها أن تلعب دوراً بالغ الأهمية في التغلب على التحديات وتحقيق النمو، إلا أن الأمر متروك لتقدير الرؤساء التنفيذيين لتقنية المعلومات وصانعي القرار التقني لضمان مواكبة استراتيجيات تقنية المعلومات الخاصة بهم.ونظراً لمركزية السلطة والبيروقراطية السائدة بين منشآت المنطقة، فإن العديد من الرؤساء التنفيذيين لتقنية المعلومات يشكون من عدم قدرتهم على إقناع منشآتهم بمشاريع تقنية المعلومات نتيجة لنقص سلطة صنع القرار والصعوبات التي يواجهونها في إثبات العائد من الاستثمار.

وفي هذه المرحلة تكون شركات استشارات تقنية المعلومات مفيدة للغاية من خلال فهمها الفريد لوظائف الأعمال ووظائف تقنية المعلومات، مما يجعلها أفضل المرشحين لوضع استراتيجيات تقنية المعلومات الخاصة بالمنشآت. وعلى أية حال فإن القليل من المنشآت بالمنطقة تدرك بالفعل قيمة الخدمات الاستشارية، إلا أنها لا ترحب بالدفع مقابل خدماتها التي تقدم كخدمة مستقلة، وبالتالي، إلى من يلجئون كبديل يوفر لهم هذه الخدمة؟

وتتوقع العديد من المنشآت أن يعمل مقدمو خدمات تقنية المعلومات كمستشارين وأن يرشدوهم فيما يتعلق باستثماراتهم الإستراتيجية في تقنية المعلومات، إلا أن المشكلة هي أن مقدمي الخدمات عادة يطبقون منهجاً قائم على الفرص أو المشاريع في أنشطتهم، حيث أن كل شيء مرتبط بالأسعار، وهذا يعني دون شك أن تقديم خدمات استشارية ليست مفوترة سيؤثر على أرباحهم. وعلى الرغم من ذلك، من المهم لمقدمي الخدمات إدراك أن العملاء في دول مجلس التعاون الخليجي ما يزال منخفضاً إلى حد ما على منحنى نضج تقنية المعلومات، وبالتالي فإنها تتطلب قدرا كبيرا من الدعم من مقدمي الخدمات.

ولإقامة علاقات منتجة ومستمرة مع العملاء، يجب على مقدمي خدمات تقنية المعلومات قبول هذا الواقع والعمل كمستشارين استراتيجيين موثوق بهم وليسوا مجرد مقدمين للتقنية. وقد اتضح من حواراتي أن صناع القرار التقني يتطلعون بشكل متزايد لمقدمي الخدمات الذين يمكنهم التعاون معهم على المدى الطويل، والعمل على تنفيذ طلباتهم وتقاضي مقابل الخدمات على أساس الساعة.

ونادرا ما نرى نموذج التوكيل مقابل أتعاب في شراء خدمات تقنية المعلومات، وذلك خلافا لخدمات استشارات الأعمال. ويرجع ذلك يشكل أساسي إلى حقيقة أن معظم العملاء يفضلون العمل مع مقدمي خدمات على أساس المشروع، وليس انخراطهم بشكل مستمر والدفع لهم مقابل الخدمات الاستشارية. ويتم بيع الخدمات الاستشارية في المنطقة في الغالب على أساس الفرصة، حيث لا توجد عقود توكيل بشكل عملي. ولا أرى أن هذا الوضع سيشهد تغييراً في المستقبل القريب.

ونظراً للتحديات الداخلية التي تواجهها المنشآت فإن من الضروري أن يستثمر مقدمو خدمات تقنية المعلومات الوقت والمال للتعاون مع هذه المنشآت في مجال الاستشارات. ومن أهم توقعات الرؤساء التنفيذيين لتقنية المعلومات ضرورة أن يقوم مقدمو الخدمات بالمساعدة على تعزيز أعمالهم أو عائداتهم على الاستثمار في المشاريع المعقدة التي تنفذ على نطاق واسع. إضافة إلى ذلك، تتوقع المنشآت أن يتعاون مقدمو الخدمات معهم بشكل وثيق وأن يقدموا لهم التوصيات بشأن التقنيات والاستراتيجيات التي تناسب ظروفهم. وبمساعدة المنشآت على مزامنة وظائف الأعمال وتقنية المعلومات والتدليل على ما يمكن تحقيقه من عائدات مقابل الاستثمار للجهات ذات العلاقة، سيتمكن مقدمو الخدمات من إضافة قيمة ملموسة ووضع أساس قوي لبناء علاقات على المدى البعيد.

تتميز البيئة التنافسية في قطاع تقنية المعلومات بأنها مجزأة، حيث يوجد العديد من مقدمي الخدمات، وعلى أية حال فإن المنافسة في الخدمات الاستشارية أقل حدة نظراً لكونها متخصصة وتعتمد بشكل كبير على  الكوادر المتخصصة. ويشمل هذا القطاع الشركات المتخصصة في تكامل الأنظمة التقليدية والتي يوفر معظمها خدمات استشارات تقنية المعلومات في مشاريعهم، بينما أن الموزعين التقليديين وشركات إعادة بيع القيمة المضافة توفر خدمات استشارية أساسية لا تتجاوز التوصيات أو تقييم منتجات أو تقنيات بعينها.

وليس هناك خط فاصل بشكل واضح بين شركات تكامل النظم ومقدمي الحلول “وهم عادة شركات خدمات تقنية المعلومات العالمية الكبيرة”، وكلاهما يشمل الخدمات الاستشارية مع المشاريع. والاستثناء الوحيد هو أن مقدمي الحلول يكونون قادرون على بيع خدمات استشارات تقنية المعلومات قائمة بذاتها، بينما أن شركات تكامل الأنظمة تشمل ذلك فقط كجزء من مشاريع أكبر. وتتكون بقية السوق من شركات استشارات في مجال الأعمال ومستشارين يعملون بشكل منفرد.

ومن هذا المنطلق فإنني أتوقع أن تسجل خدمات استشارات تقنية المعلومات في المنطقة نمواً مستمراً ومنتظماً على مدى السنوات المقبلة، ومع نضج المنطقة فإن مقدمي الخدمات سيبرمون على الأرجح المزيد من عقود الخدمات الاستشارية المستقلة. وستكون القطاعات الرئيسية التي تنشط في هذا المجال هي الاتصالات والخدمات المصرفية والمالية والتجزئة والنفط والغاز والنقل والقطاع الحكومي، أما من حيث طبيعة المنافسة فإن السوق قد يتكامل بشكل ما في المستقبل، حيث ستقوم كبريات شركات تقديم خدمات تقنية المعلومات بالاستحواذ على المؤسسات الأصغر في هذا المجال.

وتحقق منطقة دول مجلس التعاون الخليجي نمواً سريعاً، حيث يتوقع إطلاق العديد من المشاريع بملايين الدولارات في السنوات المقبلة. وتمثل ظروف السوق الحالية فرصة جيدة لمقدمي الخدمات لتطوير علاقاتهم مع العملاء وأن يصبحوا الشركاء المفضلين للعملاء الباحثين عن مستشار استراتيجي. ويستثمر مقدمو الخدمات حالياً في التحول إلى شركات صديقة للعملاء ومستشارين استراتيجيين لهم، مما يتيح لهم فرصة أكبر للفوز بالعقود الكبيرة على المدى البعيد، بينما أن مقدمي الخدمات الذين يعملون بمبدأ انتهاز الفرص سيواجهون صعوبات في تحقيق النجاح في المستقبل. وعلى أي حال فمن المؤكد أن هناك تطور كبير في سوق خدمات تقنية المعلومات بمنطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وقد حان الوقت لدخول هذا السوق وتحقيق الأرباح.

زر الذهاب إلى الأعلى