رأي وحوار

إدارة الفشل وصولاً إلى التميز الاستراتيجي

بقلم: عبدالعزيز الهليل، المدير الإقليمي لشركة IDC بالمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين

قال توماس أديسون، أحد أعظم المخترعين على مدار التاريخ، “لم أفشل، ولكنني فقط توصلت إلى 10 آلاف طريقة لا تؤدي إلى النتائج المطلوبة.” وهذه المقولة تؤكد على رأيي بشأن تطوير منصات الأعمال-تقنية المعلومات تقوم على التقنيات الناشئة مثل الحوسبة السحابية والبيانات الكبيرة ووسائل التواصل الاجتماعي وخدمات الاتصالات المتنقلة، إلا أن إجادة هذه التقنيات المعقدة تتطلب وقتاً وتجارب مطولة.

وسبب ذلك أن الكثير من المبادرات نادراً ما تكون جهد لمرة واحدة. فتبني تقنيات البيانات الكبيرة أو الحوسبة السحابية، على سبيل المثال، يمثل لمعظم الشركات توجيهاً للمشاريع التي تمتد لمستقبل غير مؤكد. وتتميز هذه المشاريع بتعقيدها كما أنها تحدث تغييراً تدريجياً في استخدام الشركة لتقنية المعلومات، بما يعني أن الرؤساء التنفيذيين لتقنية المعلومات سيكون عليهم تغيير أنفسهم بشكل غير مسبوق ليتمكنوا من إدارة عملية التطوير الجزئي المستمرة.

والكثير من هذه المشاريع “ستفشل” بالمعنى التقليدي بسبب مشاكل الميزانية، والوقت الطويل المطلوب للتنفيذ، أو الفشل في تقديم القيمة المخطط لها أو المأمولة. وفي حالة فشل المشاريع الفردية، لا يتم فقدان القيمة بكاملها، كما أنه لا يجب على الشركة التخلي عن هدفها بتحقيق التميز في تفعيل التقنية من أجل تعزيز القدرة على المنافسة.

ومن هذا المنطلق فإنني أشجع الرؤساء التنفيذيين لتقنية المعلومات وشركائهم في الأعمال على السعي لإيجاد طريقة جديدة لتفعيل مدى نجاح أو فشل مشاريع تقنيات المعلومات الخاصة بهم، وإدراك أن كل مبادرة ليست فقط عنصراً منعزلاً وإنما هي حلقة في سلسلة تقود إلى تحقيق كفاءة حقيقية للشركة. ونحن في IDC نشير إلى هذا الأسلوب باسم “إدارة الفشل”، ونرى أنه سيصبح منهجاً قياسياً في إدارة المشاريع للرؤساء التنفيذيين لتقنية المعلومات وذلك خلال السنوات القليلة القادمة. ولكن، ما الذي يعنيه مصطلح “إدارة الفشل”؟ والأهم من ذلك، هل هو مصطلح مفيد؟

وتسارع الشركات لاعتماد الحلول التقنية الناشئة، وهذا قد يعرضها للفشل على نحو متكرر مقارنة بوضعها في حال عدم الحصول على قيمة كاملة من المشاريع الفردية، ولكنها على المدى البعيد قد تحصل على قيمة هائلة  طالما أنها تركز اهتمامها على تحقيق أهدافها الإستراتيجية. إن المفتاح نحو “إدارة الفشل” هو الاعتقاد بأن الفشل ليس النهاية المطلقة، ولكنه مرحلة في نواتج المشروع. وتتطلب بعض النواتج أن إنهاء المشروع بشكل كامل، ولكن يمثل بعضها فرصة لإعادة دراسة الأهداف وهيكلة الموارد، وصولاً إلى اتخاذ خيارات أفضل في المستقبل بشأن طريقة تحقيق عائدات إيجابية من الاستثمارات التقنية.

وتحتل هذه الفكرة مركز القلب في أسلوبنا الذي نوصي به للتعامل مع “إدارة الفشل”. ويعني هذا المفهوم للرؤساء التنفيذيين إجراء عملية تقييم في المراحل الرئيسية من دورة حياة المشروع من أجل تقييم مقاييس الأداء القياسية (مثل الأداء في الوقت المحدد وفي حدود الميزانية الموضوعة)، وكذلك قياس عائد قيمة الأعمال. وعند نقاط الاختبار هذه، سيكون من الضروري تحديد ما إذا كانت العائدات المتوقعة من المشاريع ما تزال قائمة وما تزال تشكل أولوية، وما تزال تشكل هدفاً عقلانياً استناداً إلى متطلبات الموارد الحالية (والمتوقعة في المستقبل).

وفي حال فشل المشاريع فإن المنشآت تكون مواجهة بثلاثة خيارات: الاستمرار في مسارها، أو إنهاء المشروع، أو إيجاد طريقة لتغيير مسار المشروع. ونحن في IDC نطلق على تلك العملية اسم “قاعدة الثلاثة”، حيث أن السؤال الأول هو: هل يجب علينا الاستمرار كما نحن نحو تلك النقطة؟ هناك عدد من الأسئلة التي يتم طرحها للوصول إلى الجواب، ولكن الإجابة النهائية هي “نعم” أو “لا”. السؤال الثاني مشتق من الأول، وهو: إذا لم نكن قادرين على المضي إلى الأمام، هل يمكننا تغيير المسار بشكل فعال؟ وفي هذه الحالات تتغير الأهداف كذلك، وأنا أعتقد أنه في حال وجود إمكانية لإعادة التفكير في مشروع ما، فإن الرؤساء التنفيذيين لتقنية المعلومات سيقومون بشكل متزايد ببناء قواعد خاصة بمفهوم “إدارة الفشل” فيما يتعلق بتخطيط مشاريعهم واستخدامها كمدخل آخر لأفضل ممارسات إدارة التغيير.

إذا كانت الإجابة للسؤال الثاني هي “لا”، سيبقى لدينا خيار واحد فقط: هل يجب علينا التخلي عن المسار وإنهاء المشروع؟ إن الخيار 1 (الاستمرار في المسار) والخيار 3 (إنهاء المشروع) هما الخياران الأكثر تطبيقاً بين الرؤساء التنفيذيين لتقنية المعلومات ومعظم خبراء تخطيط المشاريع. وتركز معظم منهجيات تخطيط المشاريع على هذين الخيارين، ولكن من الضروري أن نضع في الاعتبار هذه الخيارات الثالثة والأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، لكي نتمكن من تحديد المسار المثالي للعمل – هل هو الاستمرار أم التغيير أم التخلي؟

ومن المؤكد أن تطوير نظام لتوقع مجموعة النواتج التي يتم الحصول عليها من مبادرات الأعمال-تقنية المعلومات سيصبح ركناً أساسياً في نجاح تطبيق المشاريع التقنية المعقدة. وسيكون من الضروري لقادة تقنية المعلومات المشاركة بشكل أكبر في المراجعة الدورية للمشاريع الهامة، وتطبيق نقاط اختبار بشكل منتظم تتيح لهم الفرصة لتقييم أن القيمة التي توفرها الأعمال ما تزال على المسار المطلوب بما يبرر الاستخدام الحالي والمستقبلي للموارد.

وعلى مدى خمس سنوات، أو ربما قبل ذلك، ستحصل الشركات بشكل روتيني على الحلول التقنية من مجموعة من الموردين، حيث ستصبح إدارة تقنية المعلومات مجرد جزء من كل متكامل، وستكون النتيجة مشروع أكبر ودرجة أكبر من التعقيد، وفرصة أكبر للفشل. ويجب على الشركات التطلع لإدارة هذه الفرصة وليس التخوف منها، وذلك لأن الشركات التي تتبنى هذه المبادئ وتضع في اعتبارها مقولة أديسون، ستدرك في نهاية الأمر أن النجاح يبدأ من الفشل.

زر الذهاب إلى الأعلى