أخبار قطاع الأعمال

مواجهة تحديات نضوب الموارد الطبيعية مستقبلاً يبدأ بتطبيق نظم تعليمية تُنمي قدرات الابتكار

“نحن كائنات مختلفة وحاجاتنا متنوعة، ومن حق كل منا أن يَحْصُل على التعليم الذي ينفعه، ويمكِّنه من الإبداع، بدلاً من التعليم الذي يضُّره ويجبره على الاتباع”، بهذه الكلمات أختتم السير كين روبنسون، خبير التعليم والإبداع، جلسة بعنوان “هل تقضي مدارس اليوم على الابتكار؟” ضمن فعاليات اليوم الأول للقمة الحكومية 2015 والتي تناقش الجيل القادم من حكومات المستقبل وأهم المتغيرات العالمية في مجال التطوير الحكومي، والتي تعقد تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي بعنوان “استشراف حكومات المستقبل”.

يمتلك الطفل الكثير من الإمكانات والقدرات وحب الاستطلاع والتعرف على العالم من حوله، ولكنه يفقد هذه الميزة حين ينخرط في الدراسة التي ترزع لديه فكرة أن الخطأ مرفوض وهنا تخفت غريزة الإقدام ومعها يتم القضاء على مكامن الإبداع والابتكار  تدريجياً، فمن ليس لديه القدرة والجاهزية على أن يخطئ فلن يبدع. هكذا وصف السير كين روبنسون حال النظم التعليمية اليوم مستشهداً بمقولة لبيكاسو فحواها: “جميع الاطفال يولدون فنانين”.

علينا تعليم اطفالنا وتنمية مهارة الابداع كما نعلمهم مهارة القراءة والكتابة، لتجهيزهم لمستقبل لا نعلمه لكنهم هم سيعيشونه، لم تعد نظم التعليم الحالية مجدية لجيل يعيش عصر المعرفة والابتكار حيث أنها وضعت منذ ما يقرب من مائتي سنة لتخدم الصناعة! ولهذا فإنك كلما ارتقيت دراسيا وجدت علوم النظام التعليمي منصبة أكثر ناحية العلوم التي تخدم الصناعة سواءا كانت مباشرة كالهندسة والعلوم التجريبية أو غير مباشرة كالاقتصاد والتجارة، في حين أننا بحاجة لمناهج مصممة حسب تنوع مواهب وقدرات كل طفل، مناهج تنظر إلى الرياضة والفن والخيال بنفس أهمية الفيزياء والرياضيات والكيمياء.

 يعد السير “كين روبنسون” أحد خبراء التربية المبدعين. ولد في “ليفربول” بإنجلترا عام 1950، ومنحته الملكة “إليزابيث” لقب “سير” اعترافًا بجهوده في إثراء التعليم في بريطانيا والعالم. وكانت آخر وظائفه قبل أن يهاجر إلى أمريكا مع مطلع هذا القرن أستاذًا لتعليم الفنون في جامعة “واريك” البريطانية.

ويشير روبنسون أنه في عصر تحكمه التكنولوجيا، التي يرى أن تطورها ومستقبلها أمر لا يمكن التنبؤ به، يجب اعتماد القدرة على الخيال والإبداع كركيزة في مناهجنا التعليمية وفتح المجال أمام الطلاب لتوقع أمور افتراضية. ويؤكد أن كل شخص يولد وهو قادر على الابتكار والتعلم ولكن هناك من تسمح له الظروف والبيئة المحيطة بتطوير قدراته الابتكارية وآخرين لا يحالفهم الحظ.

 وخلال جلسته، دعا روبنسون إلى مزيد من التنوع في التعليم، ويرى أن المدارس لن تُبدِع ما لم تشجع الطلاب على المبادرة، وتحفزهم على المخاطرة وعدم الخوف من ارتكاب الأخطاء. ويؤكد أن التربية ليست بحاجة إلى إصلاح فقط، بل إلى تحويل جذري. ومفتاح التغيير ليس تنميط التعليم، بل تخصيصه وتفصيله على قدر كل طالب، وبناء أسس الإنجاز والإعجاز والإبداع والإشعاع بعد اكتشاف موهبة كل طفل، ووضع كل الطلاب وكل المتعلمين في بيئات تَعلُّم تمكنهم من استثمار قدراتهم ودوافعهم الداخلية ورغباتهم الذاتية؛ ذلك أن الإبداع لا يقل أهمية عن محو الأمية.

وأشار روبنسون إلى وجود حاجة ملحّة إلى إحداث نقلة نوعية بالتحوّل من المناهج الموحّدة إلى تجارب تعلّم مصممة خصيصاً لتلبية فضول الطالب وشحن طاقة الإبداع فيه. ووصف العصر الذي نعيشه بالعصر الثوري، ويرجع ذلك لحقيقة ان عدد السكان على وجه الأرض حالياً هو 10% من كافة البشر الذين وجدوا على ظهر الأرض منذ التاريخ، وهو العصر الأكثر كثافة سكانية على مر العصور.

وقال روبنسون: “مشكلتنا الحقيقية التي أدت إلى فشل معظم خطط وبرامج التعليم حول العالم، لا تكمن في أننا نطلب المستحيل فلا نحققه، بل في أننا نطلب القليل ونحققه.” وذلك لأن التخيل هو مصدر كل إنجاز، وهو المصدر الذي نهدره دائمًا. ويؤكد أن الموارد البشرية مثل الموارد الطبيعية، مدفونة في أعماق البشرية ولن نستطيع اكتشافها بنظرة عابرة وسطحية، بل علينا أن نغوص ونبحث عنها داخل الناس، وأن نهيئ الظروف التي تحفزهم على التعبير عن أنفسهم وعن مواهبهم ومواطن قوتهم.

وعرض روبنسون أثناء الجلسة بعض النماذج والتجارب التي تؤكد نظرية أن لكل فرد طريقته الخاصة في التفكير والتفاعل مع الأمور، مثل تجربة تحويل النفايات إلى آلات موسيقية في الأروجواي، وتجربة استخراج ثمرة اللوز من أنبوب ضيق، بالإضافة إلى رصد الانطباعات المختلفة تماماً التي يبديها مجموعة من الأشخاص ذو الثقافات المختلفة عند رؤيتهم لصورة معينة. وقد عكست تلك التجارب قدرة العقل البشري على إيجاد الحلول المبتكرة بطرق مختلفة لنفس المشكلة، وهو حيث لؤكد على قدرة كل شخص على الابتكار

وقد أظهرت الجلسة الحاجة إلى تحوّل جذريّ من المناهج التعليميّة الموحّدة إلى مناهج مصمّمة وفقاً لقدرات كل طالب، أنظمة قادرة على غرس روح الابتكار لدى الطلبة والتشجيع على التنوّع والاختلاف.

تعد القمة الحكومية منصة عالمية يشارك فيها نخبة من أبرز الخبراء والاختصاصيين في العمل الحكومي لمناقشة القضايا الأكثر ارتباطاً بحياة الناس، كالصحة والتعليم وخدمات حكومات المستقبل، سعياً نحو تعزيز السعادة والرفاهية على الصعد كافة. ويشارك في فعاليات الدورة الثالثة للقمة الحكومية نحو 4000 مشارك، بما في ذلك كبار الشخصيات، وقادة القطاع الحكومي والخبراء من دولة الإمارات و93 دولة حول العالم، إضافة إلى مشاركة أكثر من 100 شخصية من كبار المتحدثين في جلسات رئيسية تفاعلية تجمع العديد من القادة، وصناع القرار، والوزراء، والرؤساء التنفيذيين، وقادة الفكر في مجال الابتكار الحكومي، والمسؤولين الحكوميين والخبراء، الذين سيعرضون آراءهم وأفكارهم ورؤاهم حول حكومات المستقبل في أكثر من 50 جلسة من الجلسات المتخصصة.

زر الذهاب إلى الأعلى