رأي وحوار

مشكلة النقص في أخصائيي تقنية المعلومات والاتصالات في المملكة العربية السعودية

بقلم: عبد العزيز الهليّل، المدير الإقليمي السعودية والكويت والبحرين
شركة IDC لأبحاث الأسواق – الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا

خلال السنوات القليلة الماضية، أشارت التقارير والدراسات التي تركز على أسواق الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى أنه على الشركات – في المناطق التي تعمل بها- أن تتوقع استمرار مواجهتها لتحدياتٍ في العثور على مهارات متخصصة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات. كما تذكر هذه التقارير أن هذه المشكلة ستتفاقم على الأرجح.

ويعود ذلك إلى عدم التناسب بين الزيادة المتوقعة في عدد الوظائف الشاغرة -خاصة في مجالات مثل أمن الإنترنت والحوسبة السحابية وتحليل البيانات الكبيرة- من جهة، ومستويات المهارات المتوافرة لدى المختصين بتقنية المعلومات والاتصالات من جهة أخرى. ويفاقم هذه التوقعات انخفاض عدد الخريجين المحليين في ميدان تقنية المعلومات والاتصالات.

وتعاني منطقة الشرق الأوسط عموماً، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، من ظروف مشابهة، إذ يتنامى الاعتماد على التقنية في الشركات السعودية، وثمة اعتمادٌ متزايد على أصحاب المهارات في مجال تقنية المعلومات والاتصالات. وسيتواصل على الأرجح الطلب على المهارات المتخصصة في تقنية المعلومات والاتصالات بالنظر إلى التوقعات بنمو الإنفاق عليها مدفوعاً بخطط البنية التحتية وتنويع الاستثمارات. وقد نتج عن ذلك بالفعل صعوبات في العثور على مختصين أكفاء في تقنية المعلومات والاتصالات في المملكة.

وتضيف تركيبة العمالة في المملكة مزيداً من التعقيد على الأمر. وبالنظر إلى الاعتماد التقليدي على العمالة الوافدة -خصوصاً في القطاع الخاص- فإن تأثير سياسات السعودة، مثل برنامج “نطاقات”، يصبح أكثر وضوحاً مع الصعوبات التي تواجهها الشركات في توظيف وتدريب المتخصصين في تقنية المعلومات والاتصالات، والمحافظة عليهم.

في الواقع، ووفقاً لدراسة أجرتها مؤخراً شركة IDC لأبحاث الأسواق فإن 51٪ من الشركات السعودية التي شملها الاستبيان أشارت إلى أن النقص في المهارات هو حالياً الأكثر بروزاً بين التحديات التي تواجهها هذه الشركات.

ويؤثر النقص في المهارات المتخصصة في تقنية المعلومات والاتصالات على الشركات بأشكال متعددة. فمن جهة التوظيف، تواجه الشركات مشكلات مثل دورات التوظيف الطويلة وارتفاع وتيرة التغيير وزيادة تكاليف التدريب، وحالات أخرى لا تتناسب فيها مهارات المعينين مع متطلبات الوظيفة. أما من وجهة النظر التجارية، فتشير الشركات إلى أنها تواجه تكاليف تشغيلية مرتفعة، وتأخيراً في إطلاق المشاريع وتنفيذها. كما تخسر الشركات أيضاً فرصة التوسع والاستفادة من أحدث التطورات التقنية.

وعلى الرغم من وجود تفضيل عام لدى العديد من الشركات السعودية للقيام بمسؤولية تقنية المعلومات بنفسها، إلا أن الفجوة في المهارات تدفع مدراء تقنية المعلومات للبحث عن مقدمي خدمة خارجيين، بل تقنع بعضاً منهم بذلك عبر خيارات مثل التعهيد الخارجي والحوسبة السحابية والخدمات المدارة. ومن المهم إدراك أنّ لمشكلة نقص المهارات تأثيرٌ أكبر على الشركات الصغيرة والمتوسطة  SMBs مقارنة بالشركات الكبرى، فالشركات الصغيرة قدراتها أقل بكثير لجذب أصحاب المواهب في سوق الوظائف التنافسي، إلى جانب ضعف قدرتها على تحمل الآثار المالية المترتبة على ذلك.

وبالإضافة إلى المشكلات المذكورة أعلاه، يتعين على شركات تقنية المعلومات والاتصالات العاملة في المملكة العربية السعودية العمل على تلبية توقعات السوق وافتتاح مكاتب محلية لها، وإقامة علاقات وثيقة مع زبائنها، وهو أمرٌ تقليدي في ثقافة الأعمال السعودية. وفي ضوء تزايد النفقات، فإن هذه التوقعات تضع مزيداً من الضغوط على النموذج التشغيلي لشركات تقنية المعلومات والاتصالات، حيث أن الحفاظ على النشاط المحلي يكون أعلى تكلفة. إضافة إلى ذلك، أصبح ضمان الالتزام ببرنامج “نطاقات” من أولويات شركات تقنية المعلومات والاتصالات، حيث أصبح شرطاً رئيسياً معتبراً عند التقدم لمنافسات العقود مع القطاع العام. ومع أن الانفتاح المتزايد للشركات السعودية للاستفادة من مقدمي الخدمة الخارجيين يساعد شركات تقنية المعلومات والاتصالات التي مقرها في السعودية على النمو، إلا أنه فتح الباب أيضاً أمام المنافسة من مقدمي الخدمة الذين يعملون وفق نماذج غير محلية رخيصة.

وتماشياً مع أهداف خطة التنمية التاسعة لبناء القوى العاملة الوطنية، تضع الحكومة السعودية والمؤسسات التعليمية استثمارات وخططاً كبيرة تعالج متطلبات العمل وآلياته من وجهة نظر المواطنين السعوديين في سوق المهارات المتخصصة. وإلى جانب “نطاقات”، توجد مبادرات أخرى لتحسين عمليات توظيف وتدريب المختصين السعوديين، وزيادة جاذبية القطاع الخاص بشكل عام أمام المواطنين السعوديين.

وانسجاماً مع أهداف المملكة في بناء الاقتصاد المعرفي الذي يركز على التعليم ويستخدم تقنية المعلومات والاتصالات كأداة للتمكين، فإن الجامعات السعودية، وكذلك مؤسسات التدريب التقني والمهني، تسعى لزيادة العدد الإجمالي من الخريجين والمتخصصين السعوديين في مجال تقنية المعلومات والاتصالات.

ومن المبادرات النوعية التي يقوم بها قطاع التعليم توسيع المرافق الحالية ونطاق الدورات المقدمة، والاستثمار في مراجعة المناهج واستخدام تقنية المعلومات والاتصالات في التعليم، وتدريب أعضاء هيئة التدريس ورفع كفاءتهم، وتحسين برامج المنح الدراسية، وهي كلها إما قيد التخطيط أو تمت المباشرة بتنفيذها، وهدفها المباشر هو زيادة عدد المتخصصين في تقنية المعلومات والاتصالات الذين يتم إعدادهم محلياً. ومن المتوقع أن يخفف ذلك من الوضع القائم ويسد بعض الفجوات المتوقعة في المستقبل من حيث الوظائف الشاغرة في مجال تقنية المعلومات والاتصالات.

وبشكل عام، تعتقد شركة IDC أن الفجوة في المهارات المتخصصة تكشف حالياً عن تحديات وظيفية وتشغيلية ومالية عديدة أمام الشركات ومقدمي الخدمة في المملكة. ونتوقع أن يستمر ذلك في المدى القصير، ليترك آثاراً سلبية على المشاريع والأداء والنمو. أما على المدى المتوسط، فتتوقع شركة IDC أن تشهد المملكة زيادة في كم ونوع الكوادر الوطنية المتخصصة في مجال تقنية المعلومات، وهو ما سيساعد على استقرار سوق الوظائف بالنسبة للمتخصصين في تقنية المعلومات والاتصالات.

 

زر الذهاب إلى الأعلى