تحول كبير في تعاطي وسائل الإعلام العربية مع “الثورة الرقمية”
أحدثت معظم وسائل الإعلام العربية الرائدة بمختلف نماذجها –الإلكترونية، والمطبوعة، والمرئية، والمسموعة- تحولاً كبيراً خلال العامين الماضين في آلية تعاطيها مع الثورة الرقمية والتطور التكنولوجي المتسارع الذي تشهده المنطقة.
ولعل من أبرز معالم هذا التحول تتجلى في تخصيص وسائل الإعلام العربية أقساماً وصفحات وبرامج وفقرات رئيسية لتغطية الأخبار والمستجدات في العالم الرقمي، إضافة إلى تركيزها على التواجد عبر مختلف منصات الأجهزة المحمولة والشبكات الاجتماعية، مدفوعةً بتسارع وتيرة التغيير الذي يطرأ على المنطقة، وانخراط التكنولوجيا في حياة الجميع.
وجاء هذا التحول مدفوعاً بعدد من العوامل والحقائق، على رأسها ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت في المنطقة، وزيادة مستخدمي أجهزة الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، والنمو الكبير في عدد مستخدمي الشبكات الاجتماعية، إضافة إلى دخول شرائح جديدة إلى فئة المستخدمين المهتمين بمتابعة آخر التطورات والمستجدات في العالم الرقمي.
وسأذكر لكم هنا بعض الأرقام والحقائق الملفتة الناتجة عن دراسات حديثة أجرتها شركات أبحاث رائدة في المنطقة.
فقد أكدت دراسة أجرتها شركة “جو- جلف” المختصة ونشرت نتائجها في منتصف العام الحالي 2013 إلى نمو معدل انتشار واستخدام الإنترنت في المنطقة بشكل عام بنسبة تصل إلى 3.7% من إجمالي مستخدمي الإنترنت حول العالم، كما أشارت الدراسة إلى أن نسبة مستخدمي الإنترنت في المنطقة تصل إلى 40.2% من إجمالي سكان المنطقة. وأشارت دراسة أخرى أجرتها شركة IPSOS إلى وجود 9.4 مليون مستخدم للإنترنت في المملكة العربية السعودية، و7.5 مليون مستخدم للإنترنت في جمهورية مصر العربية، و1.9 مليون مستخدم للإنترنت في المملكة الأردنية الهاشمية، و4.7 مليون مستخدم للإنترنت في الإمارات العربية المتحدة.
وأكدت دراسة “جو-جلف” والتي نشرت نتائجها في 20 أغسطس 2013 إلى توسّع قاعدة مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي في المنطقة العربية، مبينةً أن 88% من مستخدمي الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط يتواجدون على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل يومي. وقدرت الدراسة ارتفاع عدد مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي الرئيسية على شبكة الإنترنت (فيسبوك، تويتر، لينكدإن) ليسجّل أخيرًا ما مجموعه 70.3 مليون مستخدم عربي حتى منتصف العام الحالي 2013، مقارنة مع 52 مليون مشترك في نهاية النصف الأول من العام الماضي بزيادة بلغت نسبتها 35% خلال 12 شهرًا.
ومن الملفت جداً نتائج الدراسة التي نشرتها شركة الأبحاث الأمريكية BI Intelligence في نوفمبر من العام الحالي، والتي أشارت إلى أن مستخدمي الإنترنت بالسعودية هم الأكثر استخداماً لـ”تويتر” في العالم، وأن 41 في المائة من مستخدمي الإنترنت في المملكة العربية السعودية يغردون على شبكة “تويتر” بإنتظام.
وقد كنت قد أجريت حواراً مطولاً في نوفمبر من العام الحالي مع جوناثان لابين، مدير فيسبوك في الشرق الأوسط وأفريقيا، والذي أكد عدد مستخدمي فيسبوك النشطين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البالغ 56 مليون شخص، بينهم أكثر من 28 مليونا يستخدمون الموقع يومياً. وذكر لابين إلى أن التطور الأبرز الذي يسجل في مجال التواصل الاجتماعي هو استخدام فيسبوك بشكل متزايد عبر الهواتف المحمولة، حيث أن 33 مليون مستخدم نشط في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتواصلون عبر فيسبوك من خلال الهواتف المحمولة، بينهم 15 مليون شخص يستخدمون الموقع بشكل يومي. وقال إن كل مستخدم يقوم بزيارة فيسبوك عبر الأجهزة المحمولة بمعدل 14 مرة يومياً.
ومن جهة أخرى، نشرت شركة الأبحاث Statista نتائج دراسة جديدة لمعدل انتشار الهواتف الذكية حول العالم. وبحسب الدراسة التي تناولت الربع الأول من العام 2013، فقد جاءت الإمارات العربية المتحدة على رأس الدول الأكثر استخدامًا للهواتف الذكية في العالم حيث يستخدم ثلاثة من بين كل أربعة أشخاص في الإمارات هاتفًا ذكيًا (73.8 في المائة من إجمالي مستخدمي الهواتف المحمولة). في حين حلّت كوريا الجنوبية ثانيًا (73.0 في المائة) وجاءت المملكة العربية السعودية في الترتيب الثالث (72.8 في المائة).
ومن جانب آخر، تؤكد معظم الاحصائيات الحديثة مشاهدة أكثر من 260 مليون مقطع فيديو على موقع يويتوب يومياً من قبل المستخدمين في المنطقة العربية، منها حوالي 90 مليون مقطع يتم مشاهدته في السعودية بمفردها.
وهكذا أدركت وسائل الإعلام أن التكنولوجيا باتت تجسد بالفعل جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس على مختلف مجالاتهم واهتماماتهم، فسارعت إلى مواكبة هذا الانفجار التكنولوجي إن صح التعبير عبر اتباع استراتيجيات متنوعة، بما فيها تكريس أقسام مخصصة لمتابعة آخر التطورات التكنولوجية وإبرازها للقراء والمشاهدين والمتابعين في القوائم الرئيسية، وذلك بعد أن كانت في السابق تكتفي بنشر بعض الأخبار في أقسام عامة وشاملة بما فيها “المنوعات” و”الترفيه” و”العلوم” وغيرها. وظهرت العديد من البرامج التكنولوجية على شاشات القنوات الفضائية، والبرامج الإذاعية، كما عمدت الكثير من الصحف العربية الرائدة أيضاً إلى تخصيص صفحة كاملة، أو صفحتين يومياً لتغطية جديد التكنولوجيا.
وبتنا نشهد مؤخراً ظهور الأخبار التكنولوجية في قائمة الأخبار الرئيسية في مواقع وسائل الإعلام العربية، هذا فضلاً عن تسليط الضوء على مستجدات الشبكات الاجتماعية في النشرات الرئيسية، وكلنا يتذكر كيف سارعت وسائل الإعلام العربية والعالمية إلى تغطية حدث اختراق الفلسطيني خليل شريتح لحائط مؤسس فيسبوك في أغسطس الماضي من العام الحالي والذي تصدر قائمة الأخبار في العديد من وسائل الإعلام العربية الرائدة. والأمثلة على ذلك باتت كثيرة في يومنا هذا.
ومن ناحية أخرى، باتت وسائل الإعلام العربية تولي اهتماماً كبيراً بتواجدها عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي بما فيها تويتر، وفيسبوك، ويوتيوب، وجوجل بلاس، وانستاغرام وغيرها، مدركة حجم التواجد الكبير للمستخدم العربي على شبكات التواصل الاجتماعي. وعلاوة على ذلك، اتجهت معظم الجهات الإعلامية العربية الرائدة إلى تكريس ميزانية خاصة لتفعيل حساباتها على شبكات التواصل الاجتماعي وتنشيطها بالشكل الأمثل، فتارة توظف فريق كامل مختص وتارة تستعين بشركات إدارة المحتوى والاستراتيجيات الرقمية، بعد أن كانت في السابق تتم عملية ربط المحتوى بشكل آلي عبر أدوات متنوعة من مواقع الجهات الإعلامية عبر الإنترنت.
وإضافة إلى ذلك استثمرت معظم الشركات الإعلامية العربية في تطوير تطبيقات خاصة بالأجهزة المحمولة، بما فيها العاملة على أنظمة أندرويد وآي أو إس وويندوز فون وغيرها للوصول إلى أكبر عدد من الشرائح المستهدفة من جمهورها.
وفي ظل المعطيات التي ذكرتها، أرى أن وسائل الإعلام العربية الرائدة أدركت بالفعل أهمية هذا التحول الملح في آلية مواكبتها للمستجدات التكنولوجية، وأيقنت أن مواكبة العالم التكنلوجي لم يعد أمراً كمالياً كما كان عليه في السابق، وإنما ضرورة ملحة يفرضها الواقع التكنولوجي المعاصر وانخراط التكنولوجيا في حياة الجميع.
أخبار التكنولوجيا لم تعد للمختصين فقط وإنما محط اهتمام الجميع! فإن كنت الشخص المسؤول والمعني في مؤسستك الإعلامية، فعليك اللحاق بالركب وإلا فستكون خارج نطاق المنافسة بكل تأكيد!