دراسات وتقارير

دراسة ترصد دور الإعلام الاجتماعي في مصر بعد الثورة

رأت دراسة حديثة اختلاف الطرق التي اسُتخدمت بها مواقع الإعلام الاجتماعي، وعلى رأسها “فيسبوك”، خلال الإضرابات العُمالية في مصر في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.

وتناولت الدراسة التي أجرتها آن ألكسندر، الباحثة في مركز أبحاث الفنون والعلوم الاجتماعية والإنسانية في “جامعة كامبريدج” البريطانية، كيفية استخدام مواقع الإعلام الاجتماعي في الحركات السياسية والاحتجاجات العُمالية.

ورصدت الدراسة توظيف موقع “فيسبوك” كجريدة على الإنترنت تنشر لقاءات مع المشاركين في إضرابات عدد من مصانع تكرير السكر العام الماضي، بجانب نشر ومناقشة تقارير وسائل الإعلام الأخرى التي تناولت الحدث. كما كان الموقع أداة للتواصل مع إدارات المصانع بشفافية؛ إذ نُشرت من خلاله نتائج الاجتماعات والاتفاقات التي يتم التوصل لها أولاً بأول.

وقالت ألكسندر: “يعكس عرض جميع الاتفاقات مع الإدارة، من وثائق وصور للاجتماعات، ارتفاع سقف توقعات الناس لدور المساءلة الديموقراطية بعد الثورة، وإمكانية أن يمثل الإعلام الاجتماعي منصة لذلك”. وأشارت إلى أهمية هذا الدور في تقوية النقابات العمالية المستقلة.

وعلى جانب آخر، برز استخدام موقع “فيسبوك” كأحد صور العلاقات العامة وكوسيلة للحصول على الدعم خلال إضرابات الأطباء؛ إذ كان أداة للضغط على الجهات الحكومية لزيادة الإنفاق على القطاع الصحي، وبهدف الحصول على دعم المواطنين، إلى جانب كونه وسيلة لمتابعة وقائع الإضراب في المحافظات المختلفة.

ورأت ألكسندر في بحثها، أن المناقشات حول الإصلاحات الدستورية في مصر كانت واحدة من أهم الأمثلة على استخدام الإعلام الاجتماعي لتعبئة الناس لصالح رأي معين، فاستخدمها المؤيدون والمعارضون على حدٍ سواء. وقالت إن ذلك أتاح الوصول لآراء وأصوات مختلفة كان من الصعب التعرف عليها قبل عشر سنوات.

وتتصل هذه الدراسة باهتمام آن ألكسندر، التي تُركِّز أبحاثها على العلاقة بين الإعلام الجديد والحشد الجماهيري بهدف التغيير السياسي، برؤيتها لدور الإعلام الاجتماعي في الثورة المصرية، والتي دأبت بعض وسائل الإعلام الغربية على تقديمها بوصف “ثورة فيسبوك”، والتأكيد على تأثير وسائل الإعلام الاجتماعي في التغيير السياسي.

ورأت أن هذه النظرة قد شابها الإفراط في التفاؤل؛ فقد استمرت أحداث الثورة خلال الأيام الأولى بالرغم من قطع الإنترنت والاتصالات في السابع والعشرين من يناير 2011، بل ربما تسبب منع الاتصال بالإنترنت في دفع المزيد من الناس للمشاركة والخروج للتحقق من الوضع بأنفسهم. وربما كان أحد أسباب التأكيد على دور “فيسبوك” الارتفاع الملحوظ في معدل استخدام مواقع الإعلام الاجتماعي بشكل عام؛ فخلال شهريّ يناير وفبراير انضم ما يزيد عن 600 ألف مصري إلى موقع “فيسبوك”، وكان هو الموقع الأكثر استخداماً في يوم الثاني من فبراير، وهو اليوم الذي عاد فيه الإنترنت للعمل. كما نُشر ما يزيد عن مليون ونصف تغريدة عن مصر في “تويتر” خلال الأسبوع الأول من الثورة.

ورأت ألكسندر، أن الدور الأكبر لموقعيّ “فيسبوك” و”تويتر” تَمثل في تعبئة الجماهير في البداية، أما في المراحل التالية تأثر الناس بالتجمعات العادية كصلاة الجمعة واللقاءات الاجتماعية. وقالت: “ينسب الناس القوة إلى التقنيات، في الوقت الذي يجب أن تُنسب إلى الناس أنفسهم”.

وذهبت ألكسندر، في ورقة بعنوان “التجربة المصرية: المعقول واللامعقول في ثورة الإنترنت” بالاشتراك مع ميريام أرواج، إلى أن “فيسبوك” لم يكن مسئولاً عن الوصول إلى نقطة اللاعودة في مسار الثورة، كما لم يتسبب “تويتر” في إسقاط نظام مبارك، بل استغرق الأمر عدة مراحل حتى وصلت الثورة إلى لحظاتها الحاسمة.

لكن الباحثة، في الوقت نفسه، لا تُنكِّر تأثير تقنيات الاتصال الحديثة عموماً، وليس فقط الإعلام الاجتماعي، على مجريات الثورة المصرية؛ حيث أتاحت الهواتف الذكية للمتظاهرين توثيق صور الأحداث الجارية وإرسالها إلى تجمعات إعلامية صغيرة أقامها النشطاء، ومن ثم نقلها إلى وسائل إعلام عالمية مثل “بي بي سي”، و”سي إن إن”، و”الجزيرة”.

وترى أن الإعلام الاجتماعي أتاح تتبُع تطورات الأحداث في الوقت الحقيقي من خلال المشاركين فيها، كما وفر الوصول لآلاف من وجهات النظر المختلفة، وهو ما حوَّل من طرق البحث في الحركات السياسية، كما غيَّر من طبيعة الحركات نفسها.

وفي الوقت نفسه، يُثير تحليل وسائل الإعلام الاجتماعية العديد من التساؤلات حول الحقائق المطروحة فيها، وهو ما يتطلب تطوير آليات وضوابط أخلاقية جديدة للبحث. وترى أنها من المهم مزج دراسة الشبكات الاجتماعية بمقابلات تُجرى مباشرة، وأخرى عن بُعد. وتخلص إلى أنه لا يزال من المبكر القول بأن الإعلام الاجتماعي غيِّر طريقة فهمنا للمجتمع.

زر الذهاب إلى الأعلى