الأخبار التقنية

احذر من فيسبوك على عملك

لا بد أننا جميعنا قرأنا الطرفة التي انتشرت عبر الشبكة العنكبوتية والتي يتناقش فيها اثنان عن طريقة اختيارهما لعروس المستقبل، حيث قال الأول بأنه سيسأل أقارب ومعارف وجيران الفتاة عنها وعن عائلتها وأخلاقها. فينبري الآخر معترضاً، بأنه في هذا الزمان يكفي أن يسعى للبحث عن اسم الفتاة على شبكة إنترنت، وأن يسعى للوصول إلى حسابها الشخصي على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك ليعرف كل شيء عن هذه الفتاة: صورها، أصدقائها، محادثاتها، تعليقاتها، عاداتها وما تحبه وتكرهه، فهذه الشبكة تعطيك معلومات عنها أكثر مما يعرفه أي شخص آخر، مهما كان شديد الصلة بها.

لم أقصد من ذكر هذه الطرفة سوى تأكيد حقيقة هامة وهو أنه في زمن شبكات التواصل الاجتماعي بات كل واحد منا يكشف عن نفسه معلومات أكثر بكثير مما كان يقصد، وأن خصوصيتنا أضحت مهددة بشكل كبير.

فإذا كان لفيسبوك مثل هذا الدور الكبير في العلاقات الشخصية والاجتماعية، فإن دوره في علاقات العمل لا يقل أهمية، فما تقوم به على فيسبوك له أثره على مستقبلك وعلاقاتك المهنية، شاء من شاء وأبى من أبى.

فيسبوك في العمل

فشركات عديدة تستخدم فيسبوك، إضافة إلى شبكات التواصل الإجتماعي الأخرى، للوصول إلى أكبر قدر من المعلومات عن المتقدمين للعمل فيها. ولا يمكن إنكار أنه بمجرد انضمام موظف للعمل في شركة وكونه يملك حساباً على فيسبوك، فإن ذلك يعني أن دعوات صداقة عديدة ستصله من زملائه الجدد ومدرائه في العمل، مما يجعل الحياة المهنية تختلط كثيراً بتلك الشخصية.

ولكن ما أثر ذلك على عملنا الحالي؟ تخيل معي السيناريو الآتي: ما الذي سيحصل إذا اتصل موظف بمديره وأخبره بأنه غير قادر على المجيء للعمل بسبب مرضه. ومن ثم وجد هذا المدير أن الموظف قد تواصل بشكل فعال في هذا اليوم على فيسبوك، وصرح بخططه ومشاريعه وأحواله، أو أنه نشر صوراً عن رحلة أو حفل قام بها مع أصدقائه في ذلك اليوم. المشكلة تكمن في أن الموظف قد لا يقوم بنفسه بنشر هذه الصور وإنما يتتولى ذلك معارفه وأصدقائه. كيف ستكون ردة فعل المدير حيال ذلك؟

هل يحق للمدير بناء أحكامه واتخاذ القرارات التي تؤثر على مستقبل الموظف المهني بناءً على حياة الموظف الخاصة؟ بالتأكيد لا. المشكلة أن المدير سيتخذ موقفاً نفسياً من الموظف، ولن يبني أحكامه بكل تأكيد على ما اطلع عليه، وإنما سيبحث ليجد حججاً وذرائع أخرى لتبرير قراراته.

بناءً على ذلك، قدمت الحكومة الألمانية مؤخراً مشروع قانون ينظم خصوصية أماكن العمل، ويوضح ما يستطيع أرباب العمل مراقبته والإطلاع عليه وما يحرم عليهم فعله. ومن بين الأحكام التي جاء بها القانون منع الشركات من الإطلاع على الصفحات الشخصية للموظفين وللمرشحين للتوظيف على شبكة فيسبوك. أجاز القانون استخدام المعلومات العامة المتاحة عن الموظف عبر شبكة ويب، فضلاً عن شبكات التواصل الإجتماعي الاحترافية (كشبكة لينكدإن)، والمخصصة لإقامة علاقات مهنية بحتة بهدف البحث عن فرص عمل ووظائف، أما تلك الشبكات المخصصة للتواصل الإجتماعي البحت بين الأصدقاء وأفراد العائلة، فلا يصح استخدامها قانوناً لأغراض مهنية.

 لم يصدر هذا القانون من فراغ، فوجود أكثر من خمسمائة مليون عضو حول العالم على شبكة فيسبوك، يعني أن بإمكان الشركات إيجاد معلومات عن أي شخص يطلب التوظيف لديها تقريباً، وذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار وجود عدد كبير من سكان العالم غير متصل بشبكة إنترنت وكون أغلبهم من الدول الفقيرة والتي لا تسمح ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية بإقامة هذا الاتصال.

غياب القانون

ولكن، ما العمل في بلادنا والتي لا توجد فيها بعد قوانين تحترم خصوصية الموظفين وحرمة بياناتهم الشخصية على شبكة إنترنت؟

النصيحة الأولى والأهم في هذا المجال هي أن نحرص على أن نحدد إعدادات الخصوصية الخاصة بنا بدقة وحذر. لا تقبل بالإعدادات الافتراضية للخصوصية التي سيقترحها عليك فيسبوك، وإنما قم بتعديلها لتحمي خصوصيتك، وتأكد بشكلٍ خاص من نواحٍ ثلاثة: مدى كشف بياناتك الشخصية للآخرين، مدى كشف ما تقوم به وتقوله على فيسبوك، وأخيراً السماح لمحركات البحث بإيجاد صفحتك على فيسبوك.
فإذا كان الموظف قد جعل إعدادات الخصوصية بحسابه على فيسبوك مفتوحة، بحيث يستطيع أي شخص الإطلاع عليها فلا يمكنه الإدعاء بوجود اعتداء على خصوصيته، إذ قبوله بهذه الاعدادات بمثابة منح الإذن لأي شخص بالإطلاع على هذه المعلومات والاعتداد بها، وربما التصرف بناءً عليها.

ومما يؤكد أهمية ذلك أنه بعد أن أثيرت حول العالم انتقادات عديدة لشبكة فيسبوك وفي أنها تساهم بشكل كبير في اختراق خصوصية الناس وحرمة حياتهم الشخصية، علَّقت الشركة بكل بساطة مدافعة عن نفسها في أن أمر الخصوصية متروك بشكل كامل لاختيار المشترك وتفضيلاته، فإعدادات الخصوصية لديها تسمح لأي مستخدم بإتاحة أكبر قدر من بياناته الشخصية أو أقلها، كما وتسمح بمشاركة هذه البيانات مع كافة المستخدمين الآخرين أو مع شريحة مختارة يحددها هو بكامل إرادته.

توخَّ الحذر

إضافة إلى ذلك، اعرف أصدقائك، فما تنشره على فيسبوك يخرج عن دائرة ملكيتك الشخصية، ليستطيع كل أولئك المتصلون بك الذهاب به ونشره، دون أن تستطيع معرفة الفاعل، فيصبح ملكاً عاماً يستطيع كل شخص الإطلاع عليه.

ومن الضروري أيضاً أن نقيم فصلاً تاماً بين علاقة العمل وصداقة فيسبوك، بمعنى أن نترك شبكة فيسبوك لأغراض التواصل الشخصي فقط، وأن نرفض أي علاقة مباشرة مع أي من زملاء العمل (سوى المقربين) على فيسبوك، وإلا فإننا قد نجد ملفاً كاملاً عنا مأخوذاً من فيسبوك بين يدي قسم الموارد البشرية، ولا نضمن أن مستقبلنا الوظيفي مع رب العمل الحالي قد ينتهي كلياً فقط بسبب هذه المعلومات.
ليس هذا الفصل بالأمر الهين، فالعديد من الشركات أصبحت تستخدم الموقع لأغراضٍ تسويقية، وتنشئ صفحاتها الخاصة على الموقع وتطلب من الموظفين دعم هذه الصفحة ومتابعتها. كما أن رفض الدعوات الموجهة إلينا من المدراء وزملاء العمل على فيسبوك وتجاهلها كثيراً ما يفسر بمنحى آخر، وربما ينعكس ذلك سلبياً على علاقة العمل.

ومن الأهمية بمكان الحذر من الدخول إلى صفحتك على فيسبوك من جهاز حاسوبك في العمل، إذ أن عقود التوظيف وسياسات العمل في أغلب الشركات أصبحت تشير إلى أن استخدام الموظف لإنترنت في العمل هو مخصص لأغراض العمل فحسب، وأن للشركة الحق في مراقبة ما يقوم به الموظف، وبالتالي فإنه يقبل حقيقة إطلاعها على جميع المعلومات التي تظهر على شاشة حاسبه في العمل، ولا يعود بإمكانه الاحتجاج بحقه في الخصوصية وعدم حق الشركة بالاعتداء عليها.

نحتاج في بلادنا إلى ضبط النفس والتزام الآداب العامة وقواعد اللياقة في حياتنا الرقمية الخاصة، نظراً لتطابق ذلك مع أخلاقنا وقيمنا أولاً، ولعدم وجود قوانين تحمي الخصوصية الشخصية على إنترنت بشكل عام، وشبكات التواصل الإجتماعي بشكل خاص. ولا بد من إدراك بأن ما نقوم بنشره وقوله لم يعد شيئاً خاصاً بنا وإنما نشراً عاماً سيكون له آثار تتجاوز في مداها ما كنا نتوقعه ونقصد إليه.


عدنان برانبو

زر الذهاب إلى الأعلى