دراسات وتقارير

التحوّل إلى الدفع الإلكتروني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تتجه الحكومات والشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بصورة متزايدة إلى وسائل الدفع الإلكتروني لتحسين إدارة رأس مالها العامل والعمل بكفاءة أكبر. وفي الوقت المناسب ستزول أوجه القصور في المجتمعات القائمة على أساس نقدي – أرتال طويلة، مدفوعات فائتة، ووقت ضائع – وتحل محلها ميزتا الكفاءة والشفافية اللتان يتمتع بهما العصر الرقمي. ولكن لكي تنطلق نظم المدفوعات الإلكترونية بشكل فعلي، يجب أن تتخطى فوائدها الذين قاموا بالاستثمار لاعتمادها. بمعنى آخر، يفترض أن يستفيد مزوّدو الخدمات والوسطاء الماليون والأجهزة الحكومية والمستهلكون ما دامت تركيبة المدفوعات الإلكترونية تشملهم بشكل فاعل منذ البداية.

لطالما اعتمدت الحكومات والشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الأموال النقدية للدفع لموظفيها، والقيام بالمدفوعات أو تلقيها، والوفاء بالتزاماتها المالية الأخرى. ونتيجة لذلك، لا تبدو اقتصاداتها فعالة على النحو الذي يمكن أن تكونه لأنها مثقلة بالآثار الجانبية السلبية الناجمة عن الحاجة الى توافر السيولة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر خطوط وفترات الانتظار الطويلة، وحالات تأخر المدفوعات أو تفويتها، وحفظ السجلات بطريقة ورقية تقليدية. وفيما تتجه الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم الآن بصورة متزايدة إلى اعتماد نظم الدفع الإلكتروني للاستفادة من مجموعة واسعة من المكاسب، فإن نظيراتها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحاول اللحاق بالركب.

يقول رامز شحادة الشريك في بوز أند كومباني في هذا الصدد، “على الرغم من أن اعتماد وسائل الدفع الإلكترونية ازداد بوتيرة سريعة في السنوات الأخيرة، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما زال أمامها الكثير لكي تحقق الاختراق الكامل. ففي عام 2009 كان حوالي الثلث فقط من مجموع معاملات الدفع مندرجا تحت الدفع الإلكتروني، في مقابل أكثر من ضعفي هذه النسبة في أميركا الشمالية وكذلك في أوروبا الغربية”. فما هي إذاً الخطوات التي يمكن للحكومات والشركات في دول الشرق الأوسط اتخاذها من أجل تكرار النجاح الذي حققه من تبنوا وسائل الدفع الإلكترونية مبكراً.

توسّع وسائل الدفع الاكترونية للحكومات نطاق خيارات الدفع المتاحة في البلاد، الأمر الذي غالبا ما يحفز الاستهلاك المحلي ويسهّل تدفق رأس المال من خلال خدمة عدد أكبر من السكان. كما تستطيع الاقتصادات الاستفادة من ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر والتجارة بما أنه يصبح من الأسهل القيام بتعاملات تجارية مع بلدان أخرى. أما الشركات فتستفيد من الدفع الإلكتروني من خلال خفض التكاليف عبر توفير بدائل آمنة وموثوقة وفعالة للمدفوعات التي تجرى نقداً أو بواسطة الشيكات والقائمة على أساس ورقي. ويقول لطفي زخّور المستشار الأول في بوز أند كومباني، ” تتمتع الشركات أيضا بفرص متزايدة لتحسين استهداف المبيعات والتسويق، لأن الدفع الإلكتروني يمنحها إمكان الوصول الفوري إلى البيانات الخاصة بفئات العملاء. وعلاوة على ذلك، وعن طريق تشجيع المستهلكين على الانتقال إلى الخدمات والقنوات المصرفية، تزيد الشركات قدرتها على البيع المتقاطع أو زيادة مبيعاتها من منتجاتها وخدماتها لعملاء جدد”. والواقع أن هذه المنافع يمكن أن تغير بصورة جذرية طريقة عمل الشركات والحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لا توجد صيغة واحدة لإنشاء نظام دفع إلكتروني سليم واستدامته في بلاد أو قطاع أو مجتمع معيّن. وفي نهاية المطاف، يعتمد نظام كهذا على ما يقدمه للمستخدمين النهائيين وما يستوعبه من العوامل الخاصة بكل بلد. ويشتمل نظام الدفع الإلكتروني الأمثل على جميع اللاعبين المعنيين والاعتبارات ذات الصلة بمختلف مستويات الانخراط فيه.

لا شك في أن إنشاء نظام دفع إلكتروني يتضمن العوامل الخاصة بكل بلد ويجذب مختلف المستخدمين النهائيين يمكن أن يكون مهمة صعبة، لكن التجارب المستقاة من حالات محددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا خلصت إلى ثلاث ممارسات فضلى يمكن أن تساعد الحكومات والشركات على تحقيق التوازن الضروري: جعل الخدمات المقدّمة منطقية، إشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين، وتوحيد حوافز أصحاب المصلحة.

ينبغي لدى تصميم خدمات الدفع الإلكتروني أن يؤخذ في الاعتبار واقع العرض والطلب في البلاد. ويؤدي عدم القيام بذلك في كثير من الأحيان إلى إنشاء خدمات جديدة لا يتم استخدامها عموما.

يشمل إنشاء نظام دفع إلكتروني عددا من أصحاب المصلحة المختلفين والمتنوّعين، ويمكن أن يكون مستوى مشاركة كل منهم نقطة شائكة إذا لم تعالَج التناقضات المحتملة منذ البداية.

يقول شحادة، “نادرا ما تنجح نظم الدفع الإلكتروني عندما تكون ذات هيكلية لا تُظهر فوائدها إلا لأقلية من أصحاب المصلحة المعنيين. وينبغي على الحكومات والشركات المكلفة بإنشاء نظام الدفع الإلكتروني أن تأخذ في الاعتبار ما يحفز كلاً من أصحاب المصلحة، وتصميم النظام بحيث يمكن الجميع تقاسم فوائده”. يمكن القيام بذلك عن طريق قياس قيمة المدفوعات الإلكترونية، ووضع هيكل للرسوم أو لتقاسم العائدات بطريقة شفافة ومفيدة للجميع. ولكن يمكن القيام بذلك أيضا من خلال ضمان أن كل صاحب مصلحة يؤمن بقيمة المشاركة في شبكة الدفع الإلكتروني.

بدأت بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في السنوات الأخيرة الانتقال إلى المدفوعات الإلكترونية لتخفيف القيود الناجمة عن الدفع نقداً وتعزيز الكفاءة والشفافية في عملياتها. ونتيجة لذلك، استفادت الحكومات من خلال تعزيز السيولة لديها وفتح نظامها المالي أمام أكبر عدد من سكانها. أما الشركات فخفضت تكاليف العمل، في حين أوجدت وسائل أكثر أمانا وموثوقية لإجراء التعاملات. ومن جهتهم، حصل المستهلكون على رؤية أوضح لمواردهم المالية، بالإضافة إلى استعادة بعض من وقتهم الضائع. غير أن المضيّ قدماً يقتضي أن تؤخذ بعض أفضل الممارسات بعين الاعتبار.

يختم زخّور، “فيما تسعى الحكومات والشركات في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتكرار النجاح الذي حققه من سبقهم إلى اعتماد الدفع الإلكتروني، فإن مدى نجاحهم سوف يتوقّف على مدى نشر فوائده على مختلف أصحاب المصلحة، ومراعاة حاجاتهم الخاصة، وإشراكهم بفعالية في تصميم نظم الدفع الإلكتروني وتطبيقها”.

زر الذهاب إلى الأعلى