الأخبار التقنية

كيف تحمي مشروعك التجاري من السرقة؟

بعد وقت طويل أمعَنت فيه الفكر، وجلسات طويلة من العصف الذهني، وبحث طويل في السوق وما هو متواجد فيه وما يرغب ويحتاج إليه الناس، توصَّلتَ أخيراً إلى فكرة مبتكرة تصلح أساساً لمشروع تجاري جديد، ترجو أن يكتب له النجاح. فالفكرة متميزة وجديدة، وتساعد في إشباع حاجة هامة في نفوس المستهلكين، أو تسهِّل حياتهم، وتتوقَّعُ أن يكون الطلب عليها كبيراً ولكن كيف تحمي مشروعك التجاري؟

مشكلة التمويل:
ولكن، ككل رواد الأعمال الجدد الداخلين حديثاً إلى قطاع الأعمال، ومجال المال والاستثمار، ينقصك المال اللازم للبدء بمشروعك، وإحياء فكرتك، وتحويلها إلى واقع معاش، مما يتطلب لجوئك إلى مصادر التمويل المتاحة حولك، علَّك تجد من يتبنى الفكرة، ويقتنع بنجاحها، وبقدرتك على تحقيق رؤيتك.

المقلق في الأمر أنك حين سعيك للحصول على التمويل، ستضطر لعرض فكرتك المبتكرة، والتي حفظتها سراً حتى الآن، على الممولين المرتقبين، والذين ستتفق في النهاية مع واحد منهم فقط، في حين ستنتهي مفاوضاتك مع الآخرين دون اتفاق، إما لعدم اقتناعهم بمشروعك أو لعدم رضاك بشروط التمويل المعروضة من قبلهم، فيرجعون دون اتفاق، غير أن معهم معلومات وافية عن الفكرة التي سيقوم مشروعك عليها، ولا تدري لعل بعضهم يقرر تبني هذه الفكرة واستغلالها بنفسه ومنافسة مشروعك، بل وربما الفوز بالسبق والبدء بالمشروع قبل أن تنتهي أنت من استعداداتك وتحضيراتك. فما الذي يجب عليك أن تفعله؟

اتفاق المحافظة على السرية:
الأسلوب الأمثل هو أن تسعى لكي توقع اتفاقاً للمحافظة على السرية مع الطرف الآخر وقبل البدء بطرح الفكرة عليه، بحيث تحدد في هذا الاتفاق المعلومات التي ستقوم بكشفها، وتلزم فيه من يطلع على المعلومات بالمحافظة على سريتها، وبعدم استخدامه إياها لمصلحته أو لمصلحة الغير.

المشكلة أن من تتصل بهم ساعياً الحصول على التمويل قد يرفضون توقيع هذا الاتفاق، لأسباب متعددة. فإذا كان من تتصل بهم لأجل التمويل من الأهل والأقارب، فالغالب أنهم يشعرون تجاهك بأنهم سيكونون أصحاب فضل ومنة إذا ما قبلوا تقديم المال لك، مما يجعلهم يعتبرون أن طلب التوقيع على هذا الاتفاق وقاحة من طرفك، وأنك بهذا الطلب إنما تشكك بأمانتهم وتبدي عدم الثقة فيهم.

أما المستثمرون من صناديق رأس المال المغامر، ملائكة الأعمال، مجموعات الشركات الكبيرة والمصارف، فإنهم يعتبرون التوقيع على مثل هذا الاتفاق بمثابة تقييدٍ لحريتهم في العمل، إذ أن مجال عملهم هو الاطلاع على الأفكار التجارية الجديدة وتقدير جدواها ومن ثم تقرير ما إذا كان من المربح لهم تمويلها أم لا. فهم يخشون إن وقعوا مثل هذا الاتفاق أن تقوم مسؤوليتهم القانونية مستقبلاً تجاه طالب التمويل، إذا عرضت عليهم مثل هذا الفكرة مستقبلاً من جهة أخرى، وقبلوا تمويلها، فيكون عليهم حينها أن يثبتوا أمام القضاء أنهم لم يسرقوا هذه الفكرة منك ولم يقوموا بتسريبها للغير، وأنهم إنما عرضت عليهم الفكرة من الغير، أو تم تطويرها بشكل مستقل داخل قسم الأبحاث بالنسبة للشركات الكبيرة المستثمرة.

ليس ذلك وحسب، بل إن بعض الشركات صارت تؤكد على طالب التمويل وقبل بدء التفاوض أن يوقع لها تنازلاً عن حقه في مقاضاتها، فيما إذا قامت مستقبلاً بتمويل مشروع مبني على فكرة مشابهة مقدمة من رائد أعمال آخر.
فإذا أصررت على طلب التوقيع على اتفاق المحافظة على السرية هذا، فربما ستقل فرصك في الحصول على التمويل، فما هو الحل و كيف تحمي مشروعك التجاري من السرقة؟

الحلول الأخرى المتاحة:
إذا كانت الفكرة قابلة للحماية بموجب براءة الاختراع، وذلك بأن كانت قابلة للتطبيق الصناعي، بحيث يقوم المشروع الجديد عليها، فالأفضل تسجيل الفكرة كبراءة اختراع، مع ما يتطلبه ذلك من إعداد لمخططات وتصاميم، بما يمنح مالك الفكرة أماناً وحماية تامة، إذ جميع التفاصيل الدقيقة لفكرته واختراعه متاحة للعامة أصلاً ولا حاجة للحفاظ عليها سرية عند التفاوض مع مقدمي التمويل.

أما الحل الأسلم في حال لم تكن الفكرة قابلة للحماية كبراءة اختراع، فيمكن في اتباع الحيطة والحذر، معتمداً على الحس التجاري السليم والمبادئ الإرشادية التالية:

– انظر لمن تبوح بالفكرة: فمن المغامرة كشف الفكرة لمنافس قد يأخذ الفكرة وينفذها بنفسه، أو لزبون مرتقب قد يرغب في إنتاج احتياجاته لنفسه بدلاً من تكليف الآخرين لتوريدها له، أو لشريك عمل قد يقرر فض الشراكة والاستئثار بالفكرة والمشروع لنفسه، أو موظف مقتدر يقرر ترك العمل ومنافسة رب عمله السابق.

– كم حجم المعلومات التي تبوح بها: لا بد من إقامة التوازن بين الكشف عن ذلك القدر من المعلومات التي يسمح للممول المتوقع بتقييم الفكرة وجدواها، وبين الحفاظ على بعض التفاصيل الأساسية التي لا يكون تطبيق الفكرة ممكناً بدونها. غير أن ذلك لا يبرر التستر عن عيوب ومخاطر جدية قد تقوض نجاح الفكرة من أساسها، بحيث أن الممول ما كان ليقبل التمويل لو علم بها، بما يعرض صاحب الفكرة لمخاطر المسؤولية القانونية نتيجة خطئه المتمثل بالتضليل، وبالتالي التعويض عن الضرر الذي أصاب الجهة الممولة نتيجة تمويل مشروع فاشل.

– متى تبوح بالفكرة: إن توافر القدر اللازم من الجدية لدى الجهة المرشحة للتمويل شرط أساسي قبل الكشف عن الفكرة لها، فمجرد النقاشات الأولية والمحادثات لا تبرر ذلك، ولا بد من أن يتطور الأمر ليتحول إلى محادثات جدية بهدف التوصل إلى صفقة الشراكة أو تمويل المشروع. فالشروع في جلسة مفاوضات جدية قد يجعل الطرف الذي ينهي المفاوضات لأسباب غير حقيقية وبما يضر بالطرف الآخر مسؤولاً عن تعويض الأضرار التي أصابت هذا الطرف، مما يتطلب من صاحب الفكرة أن يحتفظ بوثيقة أو محضر اجتماع أو رسالة تؤكد الشروع بالمفاوضات والسعي الجدي بين الطرفين لإبرام عملية التمويل.

ليس الوصول إلى فكرة جديدة قابلة للتطبيق والاستثمار التجاري بالأمر السهل، بل تتطلب قدراً كبيراً من التفكير والإبداع والابتكار، ولا يجب لذلك التفريط بهذه الفكرة، وكشفها والبوح بها بدون اتخاذ الإجراءات والوسائل اللازمة لحمايتها. ويبقى الصمت الوسيلة الأساسية الهامة للمحافظة على الأفكار الإبداعية الجديدة، وذلك بمقاومة الرغبة لمناقشة هذه الفكرة والحديث عنها في كل وقت ومجلس.

مدونة الكاتب: www.entrepreneurslaw.com

زر الذهاب إلى الأعلى