دراسات وتقارير

تكنولوجيا المعلومات مسؤولة عن 2 % من إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون

تُصدر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حالياً ما يقرب من 2 في المئة من إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية – ما يعادل تقريبا مستوى إنبعاثات صناعة الطيران بأكملها – وتسير في الطريق إلى زيادة مقدارها 50 في المئة بحلول عام 2020.

تفيد دراسة لبوز أند كومباني أن الشركات الخاصة ومؤسسات القطاع العام تواجه ضغوطا متزايدة لخفض انبعاثاتها من الكربون وخفض فواتير الطاقة، وذلك بفعل تشريعات وتنظيمات جديدة، ارتفاع تكاليف الطاقة، وربما بالمستوى نفسه من الأهمية بفعل طلب متزايد من العملاء على عمليات ومنتجات أكثر استدامة. وعبر التركيز على الحد من الكربون ذي الصلة بأقسام تكنولوجيا المعلومات، تعمد العديد من الشركات إلى محاولة التوصل إلى حل بسيط نسبيا، كالحد من عدد أجهزة الكمبيوتر في الشركة. ولكن هذا لا يكفي أبدا لإنشاء برنامج مستدام صديق للبيئة.
بدلا من ذلك، على إدارة الشركة أن تعمل مع كبار مدراء تقنية المعلومات على تطوير نموذج أخضر قوي وشامل وكلي لتكنولوجيا المعلومات يعزز التكنولوجيا للحد من انبعاثات الكربون في الشركة بأكملها. وهنا يقول الشريك في بوز أند كومباني رامز شحادة الذي يعنى بشؤون تكنولوجيا المعلومات في الشرق الاوسط: ” إن برنامجاً كهذا ينظر إلى الاستدامة البيئية بوصفها استراتيجية عمل، ويعزز المقاربات الصديقة للبيئة على امتداد الشركة من أجل تحسين العمليات، وحماية البيئة بشكل أفضل، وتحسين الإنتاجية، وفي الوقت نفسه خفض التكاليف”.

الأخضر هو المُلزِمة الجديدة

أصبح التحول إلى النموذج البيئي الاخضر ضرورة حتمية (أو ملزِمة) بالنسبة إلى معظم الشركات. لكن في مقابل أهمية التحول البيئي هذا فإن شركات عديدة لا تعلم كيف تبدأ عملية التغيير.

يقول داني كرم المستشار الأول في بوز أند كومباني: ” من الواضح أن استخدام الشركات لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات يساهم بشكل كبير في انبعاثات الكربون، بما يشكل ما يقرب من 2 في المئة من إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون على المستوى العالمي حاليا – وهو المستوى نفسه تقريبا لصناعة الطيران بأكملها”.

علاوة على ذلك، يتوقع أن يتضاعف عدد أجهزة الكمبيوتر في جميع أنحاء العالم من الآن حتى عام 2014، ويتوقع أن يتضاعف أربع مرات الدفق الصوتي ودفق البيانات عبر شبكات الخلوي بحلول عام 2012. ونتيجة لذلك، يسير مجموع انبعاثات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في اتجاه زيادة نسبتها 50 في المئة بحلول عام 2020. وفي مواجهة هذه الحقائق، تتخذ العديد من الشركات وجهة نظر ضيقة حيال الطريقة التي يمكن أن تساعد تكنولوجيا المعلومات فيها في خفض انبعاثاتها من الكربون. وتسمّى المقاربة التي تختارها “جعل تكنولوجيا المعلومات خضراء” – وهي برامج للحد من البصمة الكربونية تركّز فقط على تقليل استخدام الطاقة والنفايات غير القابلة للتدوير إلى الحد الأدنى في أقسام تكنولوجيا المعلومات في الشركات.
وهنا يضيف كرم: “مع استراتيجية كلية موجّهة نحو الأداء التجاري، يجوز تصنيفها بأنها تدخل في إطار “الالتزام البيئي من خلال تكنولوجيا المعلومات”، يمكن تعزيز الابتكار في تكنولوجيا المعلومات لجعل مجمل عمليات الشركات أكثر وعيا من الناحية البيئية”.

الالتزام البيئي من خلال تكنولوجيا المعلومات

يمكن لمجموعة من النشاطات التي لا علاقة لها بعمليات تكنولوجيا المعلومات داخل الشركة أن تثمر خفضا كبيرا للكربون، عند تعزيز التطبيقات الخضراء في مجالات مثل عملية اعتماد الأتمتة وتعزيزها، الوظائف اللوجستية، والطاقة، والمحركات، وعقد المؤتمرات عن بعد. في الواقع، إن تطوير تكنولوجيا المعلومات الذي يستهدف حلولا لخفض الكربون يمكن أن يقلّص انبعاثات الكربون في العالم ما يعادل خمس مرات الانبعاثات الناجمة عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نفسها، وذلك وفقاً لتقرير “سمارت 2020” الصادر عن “مجموعة المناخ”. وبالمقدار نفسه من الأهمية، يجدر القول إن هذه التطبيقات لا تخفض الأثر البيئي في شركة فحسب، إنما لها أيضا تأثير إيجابي من حيث خفض تكاليف الطاقة والنفايات.

• أتمتة العمليات التشغيلية: يشمل هذا الأمر تشاطر قواعد البيانات، تركيب معدات الاتصالات اللاسلكية الخاصة بالبيانات، توزيع أجهزة الكمبيوتر المحمولة، وإعتماد وسائل دعم القرار بحيث تصبح أوجه الإدارة لامركزية.
• أتمتة عمليات المبنى الداخلية بواسطة معدات التحكّم في الجوّ، أجهزة لتقصّي الحركة والضوء والتحكّم فيهما: يمكن أن يبلغ خفض انبعاثات الكربون في مباني الشركات 10 في المئة بحلول عام 2020.
• نظام تحديد المواقع وغيرها من التقنيات اللوجستية: يمكن أن تساعد هذه التقنيات في خفض أوقات السفر وتقليص الانبعاثات من المركبات في الشركات التي تعتمد على النقل للقيام بنشاطاتها اليومية.
• محرّكات صناعية محدَّثة: يستخدم النشاط الصناعي ما يقرب من نصف الطاقة الكهربائية المولّدة على المستوى العالمي، مع كون حصة المحركات الصناعية 65 في المئة من هذا الرقم. ويمكن زيادة كفاءة النظم الآلية وإمكانية تحقيق وفورات في الانبعاثات تصل إلى 15 في المئة بحلول عام 2020.
• المؤتمرات التواصلية: يمكن للمؤتمرات التواصلية أن تقلّص إلى حد كبير مقدار سفر الموظفين وتخفض بالتالي الاثر الكربوني على نحو ملموس.

جعل تكنولوجيا المعلومات “خضراء”

مع أن لبرنامج جعل تكنولوجيا المعلومات خضراء (صديقة للبيئة) قيمة محدودة بحد ذاته، فإنه يمكن قد يكون ذا تأثير هائل على مستويات الكربون في الجو عندما يتم دمجه مع حملة قوية ترمي إلى الالتزام البيئي من خلال تكنولوجيا المعلومات. ومن بين الجوانب الممكنة لبرنامج تكنولوجيا المعلومات الخضراء توحيد مراكز البيانات، اعتماد الحوسبة السحابية، تركيب أنظمة التبريد المتقدمة وبرامج إدارة الكهرباء في مراكز البيانات، ونشر العملاء النحيلين.
بالإضافة إلى ذلك، أدى المدى القصير نسبيا لدورة الحياة لمنتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ونقص التفكير في كيفية التعامل مع موجودات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي انتهى استعمالها، إلى تزايد انتشار المواد الكيميائية السامة. علما أن النفايات الالكترونية تساهم بنسبة 70 في المئة من جميع السموم في الموجودة في دفق النفايات. وهنا يعلّق شحادة: “الشركات هي بالطبع المستخدم الاكبر لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وبالتالي هي مسؤولة عن جزء كبير من الأثر الكربوني الإجمالي. ويمكن لمدراء المعلوماتية العمل مع باعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للمشاركة في – أو إنشاء – برنامج استرداد للموجودات من شأنه إطالة عمر الأنظمة، باستخدام استراتيجيات مثل تجديد المعدات واستخراج العناصر والمواد المفيدة من أنظمة قابلة لإعادة التدوير”.

إدارة تكنولوجيا المعلومات الخضراء

لكي تكون استراتيجيات تكنولوجيا المعلومات خضراء أو الالتزام البيئي من خلال تكنولوجيا المعلومات فعالة، يجب أن تعكس إدارة تكنولوجيا المعلومات الاستدامة على أساس مستمر مع وجود آليات توجيه واضحة ومؤشرات أداء أساسية.
أما اعتبارات الإدارة النموذجية فهي:

عمليات الإدارة: ما هي متطلبات الإشراف على ممارسات تكنولوجيا المعلومات الخضراء؟ اي المديرين والأقسام يتعين عليهم القيام بأي نشاطات للتأكد من تطبيق برامج تكنولوجيا المعلومات الخضراء وسياساتها بشكل جيد؟
الهياكل التنظيمية والأثر: ما هو نموذج العمل المناسب لتنفيذ برامج تكنولوجيا المعلومات الخضراء؟
الأساليب: ما هي الحلول التقنية التي ينبغي اعتمادها لتقنية المعلومات الخضراء؟
السياسات والضوابط: ما هي التدابير والقواعد المستخدمة لرصد التأثيرات البيئية لتكنولوجيا المعلومات الخضراء؟
إدارة الموردين: ما هي أنواع الحوافز التي يمكن إعطاؤها للموردين ليتبنوا نهج الشركة في ما يخص تكنولوجيا المعلومات الخضراء؟

مقاربة رباعية الخطوات

يقول شحادة: ” خلق استراتيجية تكنولوجيا معلومات خضراء ناجحة هو مهمة صعبة للغاية، لكن الأمر يستحق الجهد، لا سيما عندما يثمر برنامج تكنولوجيا المعلومات الخضراء وفورات في التكاليف، ويحسّن سمعة الشركة عموما، ويفتح مجالات محتملة لتحقيق مداخيل جديدة”. وقد وضعت بوز أند كومباني بناء على نتائج الدراسة إطار عمل من أربع مراحل لإبقاء برنامج تكنولوجيا المعلومات الخضراء في مساره الصحيح وتجاوز العقبات التي تعترض تطبيقه.

المرحلة الأولى: التشخيص/خط الأساس

المقصود بخط الاساس هو جمع البيانات عن الشركة من أعلى إلى أسفل، وتقدير أثر انبعاثات الكربون حاليا وفي السنوات السابقة، وذلك في ما يتعلق بـ (أ) نشاطات تكنولوجيا المعلومات و(ب) إعمال الشركة ككل. وفي هذه الخطوة، يكون الهدف هو تحديد انبعاثات الكربون من نشاطات ذات انبعاثات عالية وقياسها، مثل مرافق الإنتاج أو السفر، وذلك باستخدام البيانات المتاحة بما في ذلك فواتير الكهرباء، سجلات السفر والشراء، بيانات استهلاك الطاقة وتقارير عن النفايات. وتجري مقارنة هذه النتائج الاساسية بمقاييس متوافرة من شركات اخرى من النوع والحجم نفسه، وذلك بغية تحديد الفرص المتاحة للتحسين.

وفي الوقت نفسه، تشمل عملية جمع البيانات مقابلات مع كبار أصحاب المصالح المباشرة ودرس مستوى رضاهم عن تكنولوجيا المعلومات ورصد توقعاتهم في ما يخص تحقيق الاستدامة في قطاع تكنولوجيا المعلومات وعمل الشركة ككل. والامر الأساسي يكمن في مواءمة أهداف الاستدامة للشركة مع تطلعاتها الخاصة ببرنامجها الأخضر.

المرحلة الثانية: تقدير الفرص

بناء على نتائج العمل في المرحلة الاولى، يلتقي كبار المعنيين في الشركة في سلسلة من ورش العمل لتحديد وترتيب الأولويات في ما يتعلق بالبدائل الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والشركة ككل والآيلة إلى خفض الاثر الكربوني وتكاليف الطاقة.
في إطار التحضير لورش العمل، يمكن استقاء فوائد الاستراتيجية الخضراء التي ينبغي التركيز عليها من هذه المصادر:

• قواعد البيانات من الشركات التي نجحت في تنفيذ استراتيجيات تكنولوجيا المعلومات الخضراء لإيجاد مجالات يمكن تحقيق وفورات فيها.
• استعراض العمليات والممارسات التي يمكن تحسينها في قسم تكنولوجيا المعلومات أو الشركة ككل.

المرحلة الثالثة: تحديد الأهداف والتخطيط

بناء على المبادرات والفرص التي رُتّبت في اولويات، يمكن تقديم توصيات تتعلق باستراتيجية تكنولوجيا معلومات خضراء. ومن الأوجه التفصيلية للمخطط ما يأتي:
• مشهد التطبيقات اللازمة في المستقبل لبرنامج الالتزام البيئي من خلال تكنولوجيا المعلومات: لوازم المؤتمرات التواصلية، لوحات استهلاك الطاقة، وإنشاء أنظمة أتمتة هي كلها من التطبيقات المرشحة للاستخدام.
• البنية التحتية المخطَّط لها لتكنولوجيا المعلومات الخضراء – على سبيل المثال الحوسبة السحابية والشكل المستقبلي لأجهزة الكمبيوتر، الخوادم، الطبعات، مراكز البيانات، وأجزة الاتصالات اللاسلكية وشبكاتها.
• الإدارة والعمليات التنظيمية لإدارة وقياس أداء استراتيجية تكنولوجيا المعلومات الخضراء ونتائجها.

المرحلة الرابعة: خريطة الطريق لتكنولوجيا المعلومات والخضراء ونموذج حالة

تتم ترجمة استراتيجية تكنولوجيا المعلومات الخضراء إلى خطة رئيسية مع خريطة طريق قصيرة وطويلة الأجل. وتوضع مؤشرات أداء رئيسية لكل مبادرة ذات أولوية في الخطة. وتحدًّد أيضا في هذه المرحلة شفافية برنامج التقييم المستمر والإجراءات التنظيمية لإدارة التغيير.
وبالإضافة إلى ذلك، تم تطوير نموذج حالة تُوازن بين أهداف الحد من انبعاثات الكربون لكل من تكنولوجيا المعلومات الخضراء والالتزام البيئي من خلال تكنولوجيا المعلومات، مع خطة تنفيذ ذاتية التمويل عندما يكون ذلك ممكنا. ولتحقيق هذه الخطة يجب القيام بالآتي:
• يتم تنفيذ المشاريع تدريجيا، بدءا من المكاسب السريعة المتوقعة وباستخدام الوفورات المحققة لتمويل أجزاء من خريطة الطريق تحتاج إلى رأس مال مكثّف.
• يُلتمس التمويل الخارجي، مثل برامج الحوافز الحكومية، من أجل إطلاق الخطة.
• عندما يكون ذلك ممكنا، يتم التخلص تدريجيا مراحل من المعدات التي بلغت نهاية عمرها الافتراضي مع تحقيق وفورات من هذا الجهد يجري نقلها إلى حملة تكنولوجيا المعلومات الخضراء.

أخيرا، يجب أن يكون هناك إدارة تغيير فاعلة مدرجة في برنامج تكنولوجيا المعلومات الخضراء. فالنجاح في اعتماد نهج تكنولوجيا المعلومات الخضراء لا يتحقق من دون تغييرات سلوكية كبيرة، ومثل هذا التحول الثقافي مستحيل من دون دعم ملموس من الإدارة.

لا يزال التحوّل البيئي بالطريقة السليمة بالنسبة إلى غالبية الشركات لغزا أو مشكلة صعبة للغاية بحيث يمكن التصدي لها بمقاربة متكاملة. غير أن تجنّب هذه المسألة على أمل أن تحلّ نفسها بنفسها عبر تدابير مجتزأة أمر لم يعد مقبولاً، كما تكتشف الكثير من الشركات. فهذا يمكن أن يؤدي إلى انعدام مستمر للكفاءة، وتكاليف باهظة للطاقة، وهدر، وعلاقات أبعد ما يكون عن صفة الممتازة مع العملاء المحتملين. وهنا يختم كرم: “يحتاج تطبيق المقاربة الرباعية الخطوات لاستراتيجية شاملة خاصة بتكنولوجيا المعلومات الخضراء إلى رؤية طويلة الأجل، ولكن النتائج المستدامة مع مرور الوقت ستعوّض وتزيد عن الجهد الذي بُذل من أجل بلوغها”.

زر الذهاب إلى الأعلى