الأخبار التقنية

بأي ذَنبٍ وَأدْنَا “البلاك بيري” ..؟!

كُنتُ أَظنُّ أنَّنا نَقبع في ذيل تَرتيب الأُمَم؛ التي تَحترم التَّقنية، وتُحاول الاستفادة مِنها بصُورةٍ فَعَّالة، حين حَاولنا -قَبل ست سَنوات-القَضاء عَلى الجِيل الثَّاني مِن أجهزة الهَواتِف النقَّالة، لأنَّ فِيها «بلوتوث وكَاميرا»، حيثُ انشغل -حينها- رِجَال الحِسبَة عن الأمور الإستراتيجيّة؛ في فَقء عين كُلّ جَوَّال يَجدونه بحَوزة مُراهق ومُراهقة..!

لَكن مَجيء «البلاك بيري»، وَضع العَالَم كُلّه في مَأزق مَع مُستقبل التَّقنية، ومَا يُمكن أن تُفرزه مِن أجهزة تَخرج عن نطَاق السّيطرة، ولَم يَنعم هَذا الجِهَاز المسكين -طَويلاً- بإشَادة الرَّئيس الأمريكي «أوباما» بمَزايَاه المُتعدِّدة، بَعد أن أصبحت «الخصوصيّة» التي يُقدّمها – في مُحادثات «المَاسنجر»- تَحول دون كَشف المُخطَّطات الإجراميّة للإرهابيِّين، وهَذا يَعني أنَّ الهَاجس الأمني يَجعل «شَرذمة قَليلة مِن البَشر» تَتحكَّم في مُستقبل تَطوّر الاتّصالات..!

فهَا هي الإمَارات، تَتَّهم «البلاك بيري»، بتَقديم خَدمات تُؤدِّي إلى التَّسبُّب بمَشاكل أمنيّة، رَغم أنَّ صَحيفة «الفايننشال تايمز» زَعمت؛ أنَّ مُؤسَّسة الاتّصالات الحكوميّة أثَارت غَضب مُستخدمي «بلاك بيري»، عِندما حَاولت -العَام المَاضي- تَركيب جهاز تَجسُّس دُون عِلمهم، وأبلغتهم – بحـَسـب الصَّحيفة- بضَـورة تَحديث الجِهاز عَن طَريق برنامج لتَحسين أدائه، لكن الشَّركة الكَنديّة المُنتجة للجِهاز اكتشفت الأمر..!

وتَزعم الصَّحيفة أنَّ سَبب تَحفُّظ الإمَارات عَلى الجِهاز، استخدامه في التَّنسيق لتَنظيم مُظاهرة للاحتجَاج عَلى ارتفَاع الوقود..!

والإمَارات لَيست الدَّولة الوَحيدة التي أعلنت الحَرب على «بلاك بيري»، -رغم أنَّ قَرارها لَقي استهجاناً في الولايَات المُتَّحدة- بَل سَبقتها تَحفُّظات مُماثلة مِن البَحرين والهِند؛ التي تَزعم أنَّ استخدام مُفجِّري فُندق «تَاج مَحل» للجِهاز، حَال دُون كَشف مُخطَّطاتهم، حتَّى هيئة الاتّصالات -في السّعوديّة- مَازالت تَبذل جهودها مَع الشَّركة المُصنِّعة لإلغَاء خدمة «المَاسنجر»، وانتشرت حُمَّى «بلاك بيري» في دول أُخرى مِثل فَرنسا وغيرها، ولا يَبدو في الأُفق أي انفرَاج قَريب للأزمَة..!

لَكن الأمر الأكيد، هو أنَّ «بلاك بيري» مَنح نَصراً مَجانيًّا؛ لمُدمني التَّفجير والإرهَاب، حين استَطاعوا تَعطيل تَقدُّم التَّقنية، ونَشر المَخاوف مِن استغلَال التَّطوّر التَّقني المُتسارع، وحِرمان مَلايين البَشر مِن التَّمتُّع بمَزايا وخصوصيّة «بلاك بيري»، وربَّما يُشاطرني البَعض الرَّأي؛ في أنَّ هذه الفِئة هي التي تَحول دون الانفتَاح اللا مَشروط، لأنَّ الاتّصالات اليوم تُدير نَفسها بنَفسها بلا تَكلفة، ومَع ذَلك مَازال البَشر يَدفعون مِئات المِليارَات؛ لشَركات تبيعهم شيئاً كالهَواء، وربَّما يتهم البعض-في يَوم مَا- شَركات الاتّصالات في العالم بدَعم الإرهَاب، لأنَّها المُستفيد الوَحيد مِن الوَضع القَائم، فقلّة مِن البَشر يَعلمون أنَّ هُناك 620 قطعة تَدور حول الكُرَة الأرضيّة -عَلى مَدار السَّاعة-، وأقل مِنهم مَن يُدركون أنَّ استفادة البَشريّة مِن الفَضاء؛ المُلبَّد بالتَّقنية، مَازالت مُرتبطة بمَدى استخدَامها في وَسائل سلميَة، كالمُفَاعلات النَّوويّة..!.

*نقلا عن “المدينة” السعودية.

زر الذهاب إلى الأعلى