الأخبار التقنية

‏ جيل «جوجل»‏

ثمّة جيل جديد تماماً: شغوف بالتقنية، وكثير الأسئلة، ويتابع تسارع المعرفة الإنسانية، دون أن يأبه بالخصوصيات الثقافية في مجتمعه. مستهلك للمعلومات، وناشط في البحث عنها، وتحليلها غالباً.

جيل «جوجل» الذي وُلد قبل، أو مع انطلاق محرّك البحث العملاق في العام ،1998 أصبح الآن كتلة بشرية ضخمة من الفتيان حول العالم، تنتمي معظم عائلاتهم إلى الطبقات المتوسطة، أو تلك التي انبثقت منها في العالم الثالث، بعد توالي الأزمات الاقتصادية، وانعكاساتها الاجتماعية على المهنيين والعقول الماهرة.

لدينا في العالم العربي تشكيلات محدودة من هؤلاء الفتيان الذين استفادوا من التحسن الطفيف في أساليب التعليم، وليس مناهجه، فأصبحوا على صلة وثيقة بالكمبيوتر في سنين الطفولة الأولى، ومنهم الآن من هو دون العاشرة، وبينهم من يوشك على إنهاء مرحلة المراهقة. وإذا كان من رهان على وعي جديد يتشكل بفضل التقنية والاتصالات الحديثة والإنترنت فإن جيل «جوجل» العربي قادر على كسبه، إذا ما نجح في التحرر من قيودنا الثقافية، ومن إصرارنا على الحياة طويلاً في الماضي.

ميزة التقنية أنها تكسر جمود الوسائل التي سبقتها، أو تحيلها إلى التقاعد، لمن يرغب في أن يستمتع بالكسل ونسيان الحاضر. ثورة الصورة الفضائية في العقدين الماضيين كانت أشبه برياح عاتية تمتلك قدرة شديدة على تعرية الصخور من الغبار والتراب السطحي.

ألم تتعرض الأنظمة الشمولية وإعلامها البدائي إلى اهتزاز شديد، أمام طغيان صورة جديدة، حملتها أفكار مختلفة؟ ألم تُغيرّ شبكة الإنترنت من شكل الحوار بين البشر، فتنتهي الوشوشات والأصوات المكبوتة خوفاً من القمع والإرهاب الفكري الذي مارسته الديكتاتورية السياسية سنين طويلة؟ ألم يهزأ موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» من أنظمة التعتيم على المعلومة والصورة، حتى أصبح فتى في العاشرة قادراً على فضح ممارسات متخلفة بمجرد أن يلتقط بهاتفه المتحرك صورة يمنعها الإعلام الرسمي في بلده، ويترك «فيسبوك» يتولى عرضها لملايين البشر، ليصبح تالياً مراسلاً جريئاً لشبكات إخبارية عريقة، مثل «سي.إن.إن» و«بي.بي.سي»؟.

هذا ما حدث، ويحدث. وجيل «جوجل» بات يمتلك نفوذاً معرفياً قوياً وواسعاً في العالم، وسيكون مؤهلاً لقيادة المعرفة الإنسانية، وتحقيق التغيير. فالعلاقة مع التقنية ووسائلها لن تسمح للأجيال العربية المتمترسة بدروع التاريخ أن تعيش طويلاً. أولئك الفتيان يستخدمون الكمبيوتر في التعليم، وهذا الجهاز ليس محض شاشة وأزرار وذاكرة رقمية. إنه منهج معرفي، واضح وجدلي. وسائله علمية مجرّدة، تحفل بالعقل وتفاعلاته، وتقود إلى التفكير والتساؤل، وليس إلى التلقين والمسلّمات. والأهم أنه منهج لا يقيم وزناً للخرافات.

من حسن الحظ أن أبناءنا لديهم هذه الفرصة النادرة. ومن جماليات التغيير أن أنظمة التعليم العربي ومناهجه التي تعود إلى عصر الاتصال بالصراخ لن تقوى على مقاومة مفاعيل الأفكار الحديثة، وستسقط تباعاً مثل حصون من الرمال الهشة. وسيعرف جيل «جوجل» العربي الطريق إلى الغد، وسيكون أكثر ثقة بأنه هو الطريق الصحيح، بعدما يتأكد تماماً أن الأجداد والآباء خسروا بفداحة لأنهم أصرّوا على سحب الحاضر بشدة إلى كهوف الماضي، وإنكار المستقبل. ‏

باسل رفايعة
الإمارات اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى