دراسات وتقارير

الاتصالات في الشرق الأوسط – قطاع تنافسي بعد الأزمة

سوف يواجه مشغلو الاتصالات في الشرق الأوسط، في سنة 2010، ومع بدء انحسار الانكماش، عالماً مختلفاً تماماً، إذ تشير دراسة جديدة لبوز أند كومباني إلى أنه سيكون عليهم إدارة مجموعة من نماذج عمل واستراتيجيات أكثر تنوعاً من ذي قبل، مع إرساء التوازن بين الموارد البشرية ورأس المال الاقتصادي في مختلف مناطق العالم، على أمل مواجهة التحديات المتنوعة في الأسواق المتقدمة والنامية على السواء. كما أنهم سيواجهون المزيد من المنافسين وطلباً متزايداً من عملاء أكثر اطلاعاً، فضلاً عن مواجهة انتشار التقنيات الجديدة. وفي الوقت نفسه، سوف تؤدي الحكومات والجهات المنظمة دوراً محورياً في دفع عجلة تطوير القطاع، الأمر الذي يؤدي إلى إنعاش النمو الاقتصادي.

رأى كريم صباغ، وهو نائب رئيس في بوز أند كومباني والمسؤول العالمي عن قطاع الاتصالات والإعلام والتقنية في الشركة أنه “إذا نظرنا في هذه المسائل، سوف يتعين على المشغلين التركيز أكثر فأكثر على أربع حتميات هي إنعاش زخم النمو وتسريع الابتكار في الخدمات والاستفادة من قدرات الإنترنت الفائق السرعة، وتحويل هياكل التكلفة”. وأضاف أنه سيتعين على المشغلين تطوير القدرات المناسبة لمواجهة هذه الحتميات، في حال أرادوا الاستمرار في النمو في جميع أسواقهم.

بشكل عام، كان الانكماش بالنسبة إلى المشغلين في الشرق الأوسط أقل قسوة منه بالنسبة إلى المشغلين العالميين، إذ استمرت أسواق المنطقة بالنمو. ومنذ بداية الانكماش في أواخر عام 2008، عمل المشغلون على تخفيض استثماراتهم الاستراتيجية في النمو العضوي وغير العضوي على السواء. وفي غالبية الحالات، تقصد المشغلون الأمر للاحتفاظ بأموالهم النقدية تحسباً لظروف أسوأ قد تقع، مما بدد الكثير من فرص الاستثمار.

إلى ذلك، تباطأ الاستثمار في البنية التحتية. فخلال عام 2009، سعى المشغلون إلى تحقيق أعلى فائدة من خطط توسيع الشبكات، وتشاركوا الشبكات مع منافسيهم، وطلبوا من الموردين مهلاً أكثر مرونة ونماذج تمويل مبتكرة. بيد أن حركة العملاء استمرت.

وهذه السنة، سوف يسعى المشغلون في الشرق الأوسط بفعالية إلى تحقيق النمو من جديد. وبرأي دايفد توسا، وهو مدير في بوز أند كومباني أن “المشغلين سيستأنفون النمو غير العضوي من خلال عمليات الاستحواذ، لكنهم سيركزون بصورة متزامنة على التحكم بالعمليات في أسواقهم الناشئة لضمان النمو المنشود. وسوف يعملون بغالبيتهم على إيجاد التوازن الملائم بين جهودهم باستخراج القيمة من انتشارهم المتوسع”.

وفي أسواقهم الناشئة، سوف يركز المشغلون في الشرق الأوسط على تحقيق الحجم مع فورة السوق الإجمالية، الأمر الذي يستمر لثلاث أو أربع سنوات ومن ثم يتلاشى. وسوف يحقق المشغلون الذين يعتمدون الاستراتيجيات الصحيحة ويستثمرون مقدماً خلال هذه الفترات المحدودة فائدة مستدامة طويلة الأمد من خلال الحجم وضمان تحقيق أداء مالي أعلى من أداء منافسيهم الأكثر ممانعة.

ومع الاستثمار في توسيع الشبكات، يتعين على المشغلين المطلعين التركيز على بناء مجموعات عملاء أكبر عبر تشجيعهم على الاستفادة من أسعار اتصالات أكثر استقطاباً بين العملاء المحددين بعناية. ويتعين على المشغلين العمل على بناء ماركات قوية ودعمها بتغطية إعلامية واسعة وحضور قوي في المحال التجارية وعلى صعيد التوزيع. وسوف يسمح الأثر الناشئ للمشغلين الكبار بتحقيق الزخم والقدرة على الاستقطاب، مما يقلل شيئاً فشيئاً من قدرة المشغلين الأصغر حجماً على الاستقطاب.

أما في أسواقهم المتقدمة، فيتعين على المشغلين في الشرق الأوسط البحث عن مجالات للنمو عبر التركيز على قطاعات جديدة في السوق والتركيز على حصصهم من قيمة السوق كمؤشر وحيد مهم للنجاح. وسوف يكون على المشغلين التركيز على خدمات معينة لكل قطاع في حال أرادوا تأمين عملاء ذات قيمة عالية.

وفي هذا الإطار، قال محمد مراد وهو مدير في بوز أند كومباني إنه “رغم أن المشغلين في الشرق الأوسط يواجهون في الوقت الراهن مجموعة مختلفة من التحديات في أسواقهم المتقدمة والناشئة، تميل مصادر القلق هذه أكثر فأكثر إلى التماهي”.

يتجه القسم الأكبر من عالم الاتصالات بسرعة نحو التسليع – من الربط والخدمات الأساسية للهواتف المتدنية التكلفة، إلى تجهيزات الشبكات بذاتها – الأمر الذي يدفع غالبية الفاعلين في القطاع إلى البحث عن مصادر جديدة للقيمة، ويكمن الحل الواضح في الخدمات.

ومع سعي المتنافسين في قطاع الاتصالات إلى الارتقاء في سلسلة القيمة، يسير العالم بسرعة في اتجاه نموذج رقمي ودائم. ويتوقع المستهلكون الحصول على التجربة الرقمية – الخدمات النصية، والشبكات الاجتماعية، والأخبار والمعلومات، والأفلام العالية الدقة – في أي مكان وأي وقت. وقد بدأ مشغلو الاتصالات باعتبار بوابات الإنترنت من الأصول الأساسية في السباق إلى تقديم الخدمات. ولفت صباغ في هذا الإطار إلى أن “هذا التوجه سيؤثر في كل وجه من أوجه قطاع الاتصالات – من الشبكات الفائقة السرعة التي سيصر عليها العملاء، ومجموعة الأجهزة الجديدة التي يتوقعون الربط بها، والأنواع المتوسعة للتطبيقات التي يرغبون في الدفع مقابل الحصول عليها. وسوف يزداد طلب الجيل الجديد من ‘السكان الرقميين’ الذين ليس لديهم عالم آخر سوى الربط بالعالم الرقمي بشكل مستدام”.

ورغم أن التركيز على ابتكار الخدمات يمثل أولوية واضحة، فإن هذا التوجه ما زال في مهده. وعليه، يوفر هذا المجال للفاعلين الأكثر ابتكاراً العديد من فرص النمو – فضلاً عن القدرة على الانقطاع عن تقديم الخدمات لمن لا يستطيعون التكيّف.

ويتعين على المشغلين في الشرق الأوسط مواجهة التهديدات من شركات مثل Apple و Google وBlackBerry و Nokiaالتي تحاول إعاقتهم عبر تقديم تطبيقات مباشرةً إلى المستخدمين من خلال أجهزتها الخاصة أو تلك الخاصة بأطراف خارجية – ومن مواقع الشبكات الاجتماعية مثل Facebook وYouTube وTwitter التي تستقطب ملايين المستخدمين، عبر تعزيز الابتكار واستقطاب مطوري التطبيقات المستقلين إليهم. وللمشغلين في الشرق الأوسط أفضلية على سائر الفاعلين الدوليين في هذا الإطار بفضل المعرفة العميقة للعملاء المحليين وقدرتهم على تقديم المحتوى باللغة العربية.

وسوف يكون التماهي أيضاً عاملاً محركاً لابتكار الخدمات في سنة 2010، فالتماهي داخل قطاع الاتصالات سيدفع بعجلة خدمات الاتصالات الخالية من التعقيد وخبرات المستخدمين من خلال تقنيات الهاتف الجوال والثابت على السواء وفي ما يتعلق بمختلف أجهزة المستخدمين. وسوف تساعد التقنيات الممكنة على غرار تقنية femtocells التي تسجل نمواً سريعاً في دفع هذا التوجه إلى الأمام. بالإضافة إلى ذلك، سوف يركز المشغلون الذين لديهم تغطية جغرافية واسعة على الخدمات العابرة للحدود مثل خدمات التجوال الموحدة وخدمات الدفع والتحويل عبر الجوال التي تسمح لهم بالتمايز.

وما زال عدد من المشغلين عالقاً في لعبة المنافسة القوية لتطوير الخدمة. وشرح توسا أن “المشغلين الذين يؤدون هذه اللعبة سيجدون أنفسهم في معركة قائمة على ردة الفعل وقصيرة الأمد ومرتكزة على الأسعار مع منافسيهم المباشرين، وغافلين عن التحولات في سلوك المستخدمين التي قد تجعل نموذج الاتصالات التقليدي برمته غير صالح”. ولمواجهة هذا الوضع، يتعين على المشغلين تخطي منافسيهم المباشرين في ابتكار الأفكار – إلى أسواق أخرى أو قطاعات أخرى أو حتى فروع ضمن مجموعتهم، فتحريك الابتكار الحقيقي سيشكل عامل التمايز المستدام الفعلي.

الاستفادة من قدرات الإنترنت الفائق السرعة
يزداد الطلب على الإنترنت الفائق السرعة بشكل كبير على المستوى العالمي، لناحية ازدياد الطلب على الاشتراكات والسرعات على السواء. وبالنسبة إلى المشغلين في الشرق الأوسط، فإن ظروف نمو الإنترنت الفائق السرعة تتطلب عناية بالغة. فقد كان من المتوقع ازدياد الاشتراكات فيه في منطقة الشرق الأوسط مع نهاية عام 2009 بحوالى 44 في المئة للعام الماضي، رغم أن مستوى الاستعمال يبقى متدنياً عند حدود 2.4 في المئة من مجموع سكان المنطقة.
وفي الأسواق الناشئة مثل الهند وإندونيسيا ونيجيريا، سوف يؤدي الإنترنت الفائق السرعة دوراً محورياً نظراً إلى البنى التحتية المحدودة للهاتف الثابت فيها والطبيعة الجغرافية الصعبة لأراضيها والتوزع الجغرافي الواسع لسكانها. وبالنسبة إلى المشغلين في الشرق الأوسط، تفترض هذه الأرقام قدرة كبيرة لنمو الإنترنت الفائق السرعة في المديين القصير والمتوسط.

ولا يسعى مستخدمو الإنترنت الفائق السرعة – المستهلكون والشركات على السواء – في الأسواق الأكثر تقدماً في الشرق الأوسط إلى مجرد الحصول على خدمات إنترنت سريع بل يرغبون أيضاً في اختبار التطبيقات المتعددة التي يتيحها الإنترنت الفائق السرعة وخدمات القيمة المضافة الناتجة منه.

وفي الأسواق الناشئة، سوف يلبي المشغلون الطلب المتزايد على الإنترنت الفائق السرعة من خلال الربط اللاسلكي. ومع انتشار مدونات الإنترنت netbooks المتدنية التكلفة وتدني أسعار أجهزة الهاتف الجوال، سوف يجد المستخدمون – لاسيما الشباب منهم – طرقاً لركوب موجة الإنترنت الفائق السرعة.

وقال مراد إن اقتصاديات الجيل التالي من الإنترنت الفائق السرعة ما زالت تنطوي على تحديات تمنع الانتشار في الأسواق المتطورة والناشئة على السواء مع سعي المشغلين إلى تحقيق إيرادات يمكنها تبرير تكلفة نشر الإنترنت الفائق السرعة”. فبعدما أدركت الحكومات الآثار المفيدة لشبكة الإنترنت الفائق السرعة الوطنية على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بات التزامها وتدخلها أكبر مع توقها إلى دعم النمو الاقتصادي من خلال نشر شبكة الإنترنت الفائق السرعة على نطاق واسع.

ويتعين على المشغلين في الشرق الأوسط الالتزام مبكراً مع الحكومات وصانعي السياسات لضمان مكانة لهم في برامج الجيل التالي من الإنترنت الفائق السرعة في جميع الأسواق التي يعملون فيها. وسوف تتطلب إدارة التداخل بين الفتح المستمر لخدمات الاتصالات للأفراد والشركات أمام المنافسة والتنظيم المتجدد للشبكات الوطنية قدرة استراتيجية مهمة للفاعلين في القطاع الذين يأملون في النجاح في المستقبل الذي سيكون أكثر خضوعاً للأنظمة.

خلال فترة الانكماش، سارع المشغلون حول العالم، بمن فيهم المشغلون في الشرق الأوسط، إلى اعتماد مقاربة عامة وواسعة النطاق لتخفيض التكاليف. وبدلاً من اتخاذ تدابير قصيرة المدى، يتعين على المشغلين اعتماد مقاربة استراتيجية في برامج تخفيض التكاليف، لاسيما من خلال استراتيجية قائمة على القدرات. ويتعين على المشغلين تحديد القدرات الأساسية التي تنتج منها فائدتهم التنافسية وتجنب تخفيض التكاليف ذات الصلة، مع تركيز كبير على تخفيض النفقات الأخرى.

واعتبر صباغ أن “هذه المقاربة المستهدفة ستصبح أساسية مع إجبار تسليع العديد من الروابط في سلسلة القيمة للاتصالات جميع الفاعلين في القطاع على ابتكار العمليات الأكثر فعالية الممكنة”. فالهدف النهائي هو تحرير الأموال النقدية والموارد لتوظيف المزيد من الاستثمارات في الأصول الاستراتيجية، مثل الخدمات الجديدة والتقنيات الجديدة ونماذج العمل الجديدة التي ستميز الفاعلين عن منافسيهم.

وفي سنة 2010، سوف تشكل الفعالية التشغيلية أولوية بالنسبة إلى المشغلين في الشرق الأوسط في جميع الأسواق. ففي الأسواق التي يسجلون فيها حضوراً ثابتاً، سوف يقضي الهدف الأساسي بتحريك مستويات الربحية المستدامة مع تراجع آفاق النمو. أما في الأسواق النامية، فسوف تحتم الشكوك حيال الأداء المستقبلي توخي الحذر في الإنفاق. كما أن هذا سيتطلب هياكل تكلفة غير ثابتة ترتكز على تعهيد النشاطات غير الاستراتيجية واعتماد شروط مشتريات مبتكرة.

وبعدما كان التعهيد منتشراً في أوروبا وأميركا الشمالية خلال العقد الماضي، سوف ينتشر بين المشغلين في الشرق الأوسط في سنة 2010، مع إجبار الهوامش المنخفضة المشغلين على النظر في تعديل أحجام هياكلهم التنظيمية في المدى الطويل.

والمرشحون للتعهيد في الأسواق الناشئة مشابهون لأولئك في الأسواق المتقدمة، أي مراكز الاتصال والجهات التي تقدم خدمات الدعم لتقنية المعلومات وتلك التي تتولى بناء البنية التحتية للشبكة وعمليات الشبكة وصيانتها. وعلق مراد في هذا السياق بأنه “بالنسبة إلى المشغلين المنتشرين في أكثر من منطقة، سوف يفسح التشابه في تنفيذ برامج من هذا القبيل بين سوق وأخرى المجال أمام التنسيق والعمل على أساس مركزي، بهدف تحقيق أعلى مقدار من الفعالية وتبادل المعرفة عبر المناطق”.

ويتعين على المشغلين الاهتمام بتنفيذ التعهيد باختيار نموذج العمل ونموذج الشراكة الملائمين، فضلاً عن اختيار الشريك المناسب. وسوف يحتاج المشغلون لقدرات جديدة ليديروا بفعالية برامج التحول إلى التعهيد وكذلك الاتفاقات على مستوى الخدمة مع الموردين.

وأخيراً، يتعين على المشغلين مراجعة ميزانياتهم العمومية للإحاطة بصورة شاملة بأصولهم الثابتة وتقييم إنتاجيتهم وتحديد كيفية تحقيقهم للقيمة بصورة أفضل.

سوف تحدد هذه السنة خيارات المشغلين في الشرق الأوسط، خصوصاً أولئك الذين لديهم حضور عالمي. غير أنه سيكون عليهم في إعادة تصميم استراتيجيات النمو أن يأخذوا في اعتبارهم التغييرات الحقيقية في جميع أسواقهم. وسوف تستمر معدلات النمو في الاختلاف بشكل كبير في الأسواق المختلفة، والسبب في ذلك يعود جزئياً إلى النمو السريع في الطلب المضطرد على خدمات الإنترنت الفائق السرعة. ويتعين على المتنافسين الناجحين اكتساب أكبر حصة ممكنة من أسواقهم الناشئة، مع تعلم تقديم خدمات قيمة مضافة مبتكرة في الأسواق المتقدمة.

وأشار صباغ إلى أنه “على المشغلين في الشرق الأوسط تنظيم هياكل التكلفة في جميع الأسواق، لضمان القوة المالية في المدى القصير وتحرير رأس المال الخاص بالاستثمارات الاستراتيجية في المدى الطويل على السواء”. وبهدف تلبية هذه الأولويات والنجاح في قطاع الاتصالات الذي يشهد منافسة متزايدة، تقع على عاتق المشغلين في الشرق الأوسط مهمتين كبيرتين، الأولى تقضي بدراسة جميع عملياتهم بتأنٍ في جميع أسواقهم، وإعادة تقييم وتنظيم أولوياتهم الاستراتيجية في كل منها، فيما تقضي الثانية بتقييد التنفيذ في الوقت الراهن بهدف التحضر للتغييرات المتوقعة في جميع أسواقهم، خصوصاً مع بدء التماهي بين المشاكل في الأسواق المتطورة والناشئة.

وبالنسبة إلى المشغلين في الشرق الأوسط، لن يستمر في النمو إلا أولئك الذين يملكون القدرة على إحداث قيمة حقيقية ومتميزة.

زر الذهاب إلى الأعلى