الأخبار التقنية

حقوق الملكية الفكرية في العالم العربي، انتهاكات صارخة وازدواجية في المعايير!

باتت الانتهاكات الصارخة لحقوق الملكية الفكرية تقض مضجع أصحابها من الشركات المصنعة والمطورة للبرمجيات، في وقت يعكف فيه المحللون المتخصصون في مجال حقوق الملكية الفكرية على متابعة تلك النهضة الكبيرة التي تشهدها ساحة الشرق الأوسط وكلهم أمل وتفاءل بالنتائج المرجوة، لاسيما مع ظهور منظمات متخصصة في هذا الشأن من جهة والتجاوب والتعاون الكبيرين الذي تظهره الدول العربية من جهة أخرى من خلال فرضها لمعايير صارمة للحفاظ على حقوق الملكية الفكرية لأصحابها ومكافحة شتى أساليب انتهاكها. إلا أن المشهد لم يكتمل بعد، حيث تقتصر جهود هذه المنظمات والجهات الحكومية على ملاحقة المخالفين من منتهكي الحقوق على أرض الواقع في الوقت الذي تجهر فيه ساحات الإنترنت العربية بانتهاكات صارخة دونما أدنى مسؤولية تجاه حقوق الغير.

حال المواقع العربية.. انتهاكات صارخة وغياب الرادع:
وعلى الرغم من تعارض قرصنة البرمجيات وانتهاك حقوق الملكية مع كافة القيم والمبادئ السائدة لدى العرب، بمختلف دياناتهم، إلاً أن عدم إدارك خطورتها والمعرفة الحقيقة بأبعادها دفع الكثير من مواقع الإنترنت العربية لفتح أبوابها على مصراعيها لاستضافة مثل هذه المخالفات الفاضحة والانتهاكات الصارخة والعلنية لحقوق الملكية الفكرية، لاسيما مع عدم وجود رادع حقيقي لأصحاب المواقع من نشر البرمجيات المقرصنة، واقتصار دور المنظمات والجهات الحكومية على ملاحقة متاجر بيع البرمجيات المقرصنة على أرض الواقع وتجاهل العالم الافتراضي الذي بات يشكل جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان في البلدان العربية.

“اطلب أي برنامج وسنوفره لك مجاناً”:
ولاشك بأن حجم البرمجيات المقرصنة التي يتم بيعها بصورة غير شرعية لا تشكل إلاجزءاً بسيطاً جداً من تلك التي يتم نشرها في المواقع والمنتديات العربية على شبكة الإنترنت. ولعل من أبرز عناوين المواضيع في أكبر وأشهر المنتديات العربية يوضح ما أود الإشارة إليه: “أطلب أي برنامج وسنوفره لك مجاناً”. وما يزيد الطين بلة أنني حاولت الحصول على أصعب البرامج قرصنةً وحصلت عليها من خلال إحدى المنتديات العربية. الأمر الذي بات يعتبر خطراً كبيراً على شركات تطوير البرمجيات في العالم العربي، ناهيك عن الآثار السلبية التي يخلفها انتهاك حقوق الملكية الفكرية.

تشجيع الشركات المعلنة على انتهاك حقوق الملكية الفكرية:
ومع فتح المجال لنشر البرمجيات والمحتويات الرقمية المقرصنة من قبل المواقع العربية بشكل عام والمنتديات بشكل خاص دون رقيب ولا حسيب، ترى أن هذه المنابر غير الشرعية تستقطب عدداً هائلاً من الزوار، حيث يصل عدد المشتركين في أحد المنتديات إلى أكثر من نصف مليون مشترك، الأمر الذي بات يستوجب مزيداً من الاهتمام من قبل الجهات المختصة. وتلعب الشركات التجارية المعلنة دوراً سلبياً واضحاً في تشجيع مثل هذه الممارسات الخاطئة وغير القانونية وذلك من خلال انجذابها بعدد زوار هذه المنتديات والمواقع ودعمها مادياً من خلال شراء المساحات الإعلانية. هنا أود أن ألفت النظر إلى أن كبرى الشركات العالمية قامت بوضع إعلانات في منتديات عربية تنتهك علناً حقوق الملكية الفكرية، ما يستوجب من الجهات المختصة اتخاذ اجراءات صارمة إلى جانب التوعية والتثقيف للحد من هذه الممارسات.

ازدواجية المعايير، وأيما ازدواجية!
والمتابع لواقع هذه الانتهاكات سيحظى بفرصة فريدة للإطلاع على تناقض واضح وازدواجية في المعايير لدى أغلب المنتديات العربية التي تنشر البرمجيات والمحتويات الرقمية المقرصنة، حيث أن المستخدم ولدى تسجيله في المنتدى يطلب منه الموافقة على اتفاقية تتضمن بشكل واضح وبارز الآية القرآنية الكريمة التالية: “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد”. فلا شك بأن هذا تناقض، وإيما تناقض! وازدواجية في المعايير، وأيما ازدواجية!

العودة لاتباع الممارسات السليمة:
وقد أدرك قلة من أصحاب المواقع والمنتديات العربية خطورة انتهاك حقوق الملكية الفكرية، وسارعوا إلى تنظيف مواقعهم من كافة المواد المخالفة، ولم يفقدوا زوارهم كما يدعي البعض، بل باتت هاتيك المواقع والمنتديات تشكل منارة حقيقة للمستخدم العربي بكل ما تحتويه من محتوى قانوني ومحترم، وأخص بالذكر هنا موقع إقلاع سوفت الذي بات نموذجاً يحتذى في الممارسات السليمة على شبكة الإنترنت.

بين المحافظة والانتهاك والإيجابيات والسلبيات:
وتشكل قرصنة البرمجيات تهديداً عالمياً، حيث تعيق صناعة البرمجيات المحلية وتدمر بالتالي مصدراً مهماًً للإيرادات الحكومية، كما أنها تقضي على آلاف الوظائف لا سيما في قطاع تكنولوجيا المعلومات على المستوى الدولي، نظراً لعدم توفر السوق القانونية الناظمة. وتنعكس أصداء الآثار المرتبطة بهذا الموضوع سلباً على مجالات التوريد والتوزيع. وأذكر هنا على سبيل المثال، أن دولة الإمارات البالغ عدد سكانها 4 ملايين نسمة أنفقت خلال العام الماضي ما يقارب 2.7 مليار دولار أمريكي على تكنولوجيا المعلومات والتي تشتمل على أجهزة الكمبيوتر وملحقاتها والتجهيزات الشبكية والبرمجيات وخدمات تكنولوجيا المعلومات. وقد شكل هذا الإنفاق 1.5% من إجمالي الناتج المحلي، الأمر الذي أسهم في دعم أكثر من 4400 شركة عاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات تضم ما يقارب من 33.400 موظف متخصص في هذا القطاع وساهم في تحقيق 670 مليون دولار كضرائب متعلقة بتكنولوجيا المعلومات. وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن تكون مساهمة قطاع تكنولوجيا المعلومات أكبر إذا ما تم تخفيض معدلات قرصنة برمجيات الكمبيوتر في الإمارات بنسبة 10 نقاط مئوية على مدى السنوات الأربع المقبلة، الأمر الذي من شأنه أن يوفر 710 وظائف إضافية و238 مليون دولار في إيرادات الصناعة المحلية و44 مليون دولار كعوائد ضرائب إضافية للحكومات الاتحادية والإقليمية والمحلية. كما يمكن أن يضاعف تخفيض معدلات القرصنة في فئات البرامج الأخرى من الفوائد الاقتصادية.

الدول العربية وسبيلها لمكافحة الانتهاكات:
وإنه لمن المعروف أن الاختراع والإبداع هما أهم وأغلى ما يتميز به الجنس البشري، لما يترتب عليهما من نتائج ملموسة تؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات وتساعد على تطويرها وتقدمها وازدهارها. إن الدول العربية جزء من المجتمع الدولي ويجب أن تظل فاعلة فيه وألا تعزل نفسها عنه. وأمام ذلك فإن أي دولة عربية بمفردها لن تستطيع توفير ذلك بركنيه البشري والمالي، ولذلك فالمطلوب أن تتعاون البلدان العربية وتتكامل في البحث العلمي، ولعل ذلك يكون سبيلاً لتكامل شامل يجمع كل هذه البلدان. وينبغي على الدول العربية تعزيز إجراءات فرض عقوبات رادعة والقيام بمبادرات تنفيذ أكثر صرامة تجاه تجار البرمجيات غير القانونية لديها. كذلك زيادة حملات التوعية والتثقيف في المنطقة بالتعاون مع الجهات المختصة- كجمعية منتجي برامج الكمبيوتر التجارية التي تبذل جهداً كبيراً في هذا المجال- عن طريق تثقيف وإطلاع كافة شرائح المجتمع حول الآثار الضارة لقرصنة البرمجيات والتركيز أكثر على الوعي في شأن حقوق الملكية الفكرية. ويستلزم تحسين معدلات مكافحة القرصنة مثابرة واستمراراً في الدعم من قبل جهات متعددة بما فيها قطاع التعليم، بحيث يتم إدخال دراسة الملكية الفكرية في المدارس والجامعات، بالإضافة إلى فرض تنفيذ القوانين ذات الصلة إلى جانب دعم الشركات والهيئات السياسية. وسيساعد ضمان التزام أصحاب المصلحة في هذا القطاع في تعزيز قطاع صناعة البرمجيات المحلي وزيادة مساهمته في الاقتصاد. كما ينبغي التركيز على ساحات الإنترنت العربية التي تشجع الممارسات الخاطئة وغير القانونية.

أن تشعل شمعةً خيراً من أن تلعن الظلام!
وتلعب وسائل الإعلام دوراً جوهرياً في تعزيز ثقافة الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية في العالم العربي، وبدورنا في موقع البوابة العربية للأخبار التقنية نولي اهتماماً بالغاً بهذه القضية لإيماننا بأهميتها وإدراكنا لسلبياتها وعواقبها. حيث نشرت البوابة العربية للأخبار التقنية أكثر من 400 مادة إعلامية حول حقوق الملكية الفكرية، كما سلطت الضوء على تفاصيل النهضة التي يعايشها الشرق الأوسط بشكل عام والدول العربية بشكل عام. كما أجريت حواراً حصرياً مع جواد الرضا، نائب رئيس جمعية منتجي برامج الكمبيوتر التجارية في منطقة الشرق الأوسط، والذي ارتبط اسمه في الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية من خلال نشاطاته المكثفة في هذا السياق، وذلك في محاولة للمشاركة في بناء مجتمع معلوماتي يتبنى ممارسات سليمة فيما يتعلق بالمحافظة على حقوق الملكية الفكرية.

زر الذهاب إلى الأعلى