الأخبار التقنية

كرم الاستضافة العربية

كثيرا ما ترددت في كتابة هذه المقالة، لجملة من الأسباب تختلج نفسي، مع أني لا أخفيكم سرا، فقد كنت أبحث عن من يشاركني شجوني- بالتأكيد لن أجد خيرا من قراء البوابة العربية – فقد اشتعلت في نفسي الكثير من التساؤلات لعل قلمي يسعفني في نقل إحداها إليكم، ما شق على نفسي هو كيف أضع بداية البداية، أجد نفسي أقف لأيام طالت لأسابيع، احترت فيما أكتب، مع أن الحدث الجلل أمامي، ليس أمامي فقء بل بداخلي و أنا أحد أطرافه؛ لأن موضوعنا يرتبط بالمهنية و أخلاقياتها، نستسمح شاعر العصر الأموي، يزيد بن الحكم الثقفي، مطلع قصيدته الفريدة، التي يواسينا فيها قائلا:

دُم للخليلِ بودِّه ِ ** ما خيرٌ ودٍ لا يَدُوم
وأًعرف لِجاركَ حقّهُ ** و الحقُ يعرفهُ الكرامُ
و أًعلمَ بأنَّ الضيفَ يومًا ** سوفَ يحمَدُ أو يَلوُمُ

قيل قديما الكثير عن الأخلاق العربية، كرم الضيافة بالخصوص، لكن ضيافتنا العصرية ترتدي طابعا الكترونيا، في حلة جديدة، يالها من حلة، تعجبك ألوانها، يشدك بريقها، سرعان ما تقف طويلا أمام هذا المشهد، حين تتجسد لك مأساة الضيافة العربية، في قالبها الجديد، مع فرسانها الأشاوس، مدراء شركات الاستضافة العربية، أو من يملكون خوادم (servers ) يعملون ظاهريا كشركات بلا ضوابط أخلاقية أو مهنية، الموضوع لا يتوقف عند ما حدث لمجلة التقنية فحسب، بل يتعداه إلي نقاش قضية أراها من الأهمية بمكان، إنه الواقع الالكتروني العربي، الذي تتربع على عرش مكتسباته شركات الاستضافة بكرمها، لتحقق مكاسب كثيرة، في ذات الوقت الذي تفتقد إلي أبسط الشعور بالمسؤولية اتجاه زبائنها، أو لنقل اتجاه ضيوفها كي نتناغم مع خطنا العام على مائدة الكرم العربي؛ دعونا ننتقل إلي التفصيل، نعرض بالشرح و التحليل، آملين أن نضع حجر وعي لدى المضيف وضيفه، بعيدا عن ذكر أسماء أو التطرق لذوات، نحاول قدر المستطاع، و إن اجتاحت نفسي الكثير من المشاعر و أنا اكتب هذه الأسطر، فليعذرني القارئ، إن جنحت لبعض الذات، و عذري فيه أني ضمن كيان تذوق ذات المرارة، لننقل تجربة، و نخط وعي، و نرسم صورة، ضمن فسيفساء الواقع الالكتروني بكل تداعياته.

تعتبر المواقع بمختلف صورها، منتديات أو بوابات، بشتى ما تحمله من محتوى، حصيلة جهد، ثمرة عمل دءوب، للعاملين عليها، يتراكم الجهد، و معه المعرفة، الذي يتزود بها متصفحو الشبكة، من رواد هذه المواقع و مريديها، لتنشأ مع مرور الوقت صلة أكبر من مجرد الدخول و الخروج، بين المتتبع و الموقع الذي يقدم خدمة علمية أو معرفة، فما بالك إن كانت حصيلة علمية لنخبة من المتخصصين و أصحاب المستويات العلمية الراقية، من أبحاث علمية و دراسات، تخفف من دسامتها ما يقدمه بقية العاملين من مادة علمية أيسر، مقصدي من هذا توضيح الجانب النفسي للقاري ، مدى الخسارة المعنوية و الضرر البالغ الذي ينتج حينما يدخل، و لا يجد الموقع الذي اعتاد عليه، فكيف بالعاملين في هذا الموقع، حالتهم النفسية، هي الجزء الأول من مسلسل الخسائر، هنا أقصد التوقف الآني للموقع أو المنتدى، أو الكيان الالكتروني بشكل كامل؛ بالأخص إن كان هذا العمل تطوعي بلا عائد مباشرة، فإن المكسب النفسي هو أقوى صلة تربط بين الناشطين ضمن الكيان الالكتروني.

إن انتقلنا إلي شق آخر يتعدى الجانب النفسي وخسائره، مع التأكيد على أهمية الأول، حينما يكون عماد هذا الموقع في محتواه، فإن وجود الموقع ذاته يعتمد على تواجد المحتوى العام له، الذي يمثل ذروة العطاء و المكسب المباشر، فكيف بك تجد بين ليلة و ضحاها أن ما تعمل عليه، و يعمل عليه شخصيات كثيرة معك، قد اختفى، لم يعد له وجود، هنا تتعدد الخسائر على مائدة المستضيف العربي الكريم، تكثر أطباق كرمه، ليتناول زبائنه كل على قدر نصيبه، و أعاننا الله على مرارتها.

لننتقل إلي صورة لا تختلف كثيرا، إلا في طبق ثالث، يضاف على مائدة المستضيف العربي، حينما يكون عليك أن تدفع له مقابل استضافة موقعك، ظاهريا حق مشروع مقابل خدمة، فهذه تكلفة مادية، أضف عليها إن كان للموقع نشاط اقتصادي من إعلانات أو ما شابه، لا يتوقف الأمر إذا عند الخسائر المعنوية، بل يتعداه إلي الخسائر المادية، هنا نلمس بشكل مباشرة تعاظم الحمل و ثقله، مقدار المسؤولية الملقاة على عاتق المستضيف، ليس المسؤولية الأدبية فحسب، بل الأمر أكثر بكثير، إنه مستأمن على مجهود عشرات الشخصيات، بل و على أرزاقهم أيضا.

الكثير من أصحاب المواقع العربية من منتديات علمية و هندسية متخصصة، تشكل نبضا للطالب العربي، ملجأ له؛ العديد من المواقع العربية تعتبر قبلة في العلم بما تحتويه من مادة علمية، عان أصحابه الأمرين من شركات و شخصيات الاستضافة العربية، فأحدها اخفتي موقعه بمادته و محتواه، الآخر وجد أن موقعه قد دارت به عقارب الزمن إلي الخلف، الله وحده يعلم في أي فترة زمنية قد حط به المستضيف، و الثالث يتمنى أن يستمر موقعه لسنة كاملة بلا انقطاع ، بالتأكيد الكثير من التجارب، مر بها العديد منا، إن حدث تقصير أو لنقل كارثة من نوعا ما فإن المستضيف العربي ، لن يتحمل معك أي مسؤولية ، ببساطة لأنه وضع على موقع شركته ، إن الشركة إن كانت فعلا كذلك ( المعنى اللغوي للشركة هي الشراكة و التآزر!!) أنه لا يتحمل أي مسؤولية بسبب توقف خوادمه، كما أنه لا يتحمل أي أعباء مادية، ليس مطالب بتعويض المتضرر ! هذه الصورة تجعلك تتخيل مشهدا، كأنك رميت بمجهودك إلي الصحراء، مع العلم أنهم يضعون هذه التنبيهات بشكل يلفه شيء من الحياء، الذي اختفى من وجوههم، بحيث لا يراه إلا من ركز عليه.

اعتبر أنه لا بد من وقفه جادة، لكي نضع ولو تصور نظري، ووعي لدى كل من يريد أن يضع مجهوده العلمي أو غيره، أمانه عند الشركات العربية التي تعمل في مجال الاستضافة، لأنه حينما يقع المحظور، فإنك سوف تجد نفسك تتصل بهم عشرات المرات، قد تكون محظوظا و تجد من يرد على هاتفك، ربما لان لديهم مشاغل، من تصوير تلفزيوني يدون انتصاراتهم و أمجادهم على أطلال المواقع التي اندثرت، أو قد يكونوا منشغلين بحساب المبالغ التي جنوها قبل نهاية العام، أما عن المواعيد التي يلتزمون بها فحدث و لا حرج، إن قيل لك بعد نصف ساعة سوف يعمل موقعك، فعليك أن تعلم أنهم يتحدثون عن يوم كاملا، و إياك إن تقول الحمد لله سوف يعود الموقع للعمل، لأن الله عز و جل يقول: لأن شكرتم لأزيدنّكم لا تبتعد عزيزي القاري بذهنك بعيدا من وراء استخدام الآية الكريمة؛ أما أن قيل لك إن مشكلتك صعبة، تتطلب يومين فثق أنهم يتحدثون عن أسابيع، شخصيا قيل لي بالحرف الواحد من قبل إحدى شركات الكرم العربي ممثلة في مديرها: قد أخطأت عندما قلت لك بعد ساعتين فصديقنا يريد أن يجعلها مفتوحة، اللهم لا اعتراض، في هذه الأحداث وقفنا بشكل جلي على المهنية الراقية في التعامل مع الأزمات! نحن كغيرنا، نحوم في سماء الفضاء الالكتروني العربي باحثين عن مستضيف يعرف حق ضيف، وتقل أمانته

زر الذهاب إلى الأعلى