الأخبار التقنية

الكيانات الكبرى و فرص الإبداع الفردي

من السمات المميز لعصرنا الحديث هي المؤسساتية، بمختلف صورها و أشكالها، و هذا التنظيم هو الذي أتاح ظهور هذا التقدم العملي الكبير و التسارع الضخم لمجريات الأحداث العلمية ، لدرجة أصبح الشخص يعجز عن مواكبته بصورة مستمرة، قبل الخوض في غمار ما ننوى الإبحار فيه، لعله من المفيد أن نستعرض سويا وجهت نظر تاريخية تفيدنا في إكمال الصورة، لنعد إلى بدايات النهضة الحديثة، و أقصد هنا النهضة الصناعية في أوروبا، فقد بدأت بمجهودات سلسلة من الأفراد لم تكن تربطهم بالمؤسسات العلمية في ذات الوقت أي صلاة، ببساطة لأنه لم يكن للمؤسسات العلمية تواجد يذكر، فأمثال جاليليو إسحاق نيوتن و تومسن الفن توماس ادسن و غيرهم من العلماء الذين وضعوا مفاهيم النهضة العلمية الحديثة المرتبطة أساسا بالنهضة الصناعية التي وفر انتعاش الاقتصاد في تك الفترة مناخا جيدا لها،بدأت بمجهودات فردية بحثه من قبل أشخاص سخروا حياتهم و مجهوداهم لخدمة معالم هذه النهضة في فترة من فتراتها، و كان من الطبيعي أن تأخذ هذه المجهودات طابعا مختلفا، يمكنها من الاستمرار و هي طابع المؤسسات و إن لم تكن في صورتها الحالية، لكن تحولت من مجهود فردي من قبل الرواد الأوائل إلى كيانات جماعية ذات تنظيم، و هذه هي الصورة الطبيعة و التدرج الذي يصنع التغيير الحقيقي.لا نريد الخوض كثير في الاستدلال التاريخي و لنعد إلى عصرنا الحديث.

بالتأكيد هنالك الكثير من القدرات العلمية المنتشرة في فضاءنا الالكتروني العربي، و هذا لا يختلف عليه اثنين، و هنالك بيئة عمل ميسورة على نحو كبير تتمثل في بيئة العمل الافتراضي على الشبكة الدولية، و نرغب أن تستعرض معا ابرز المجهودات الفكرية و العلمية التي تتخذ من الشبكة العنكوبية ميدان عمل لها تفاديا لعراقيل الواقع و تعقيداتها، فنجد الكثير من الشخصيات الطموحة قد سعت إلى تحقيق النجاح بمختلف صوره- و هنا أتحدث عن النجاح العلمي و بيئته لا على النجاح التجاري أو ما شابه – و إن كنا لا نريد الخوض في مقدار هذا النجاح بقدر ما نرغب في التركيز على ما يوفره من بيئة عمل كبيرة تساعد في دعم الكثير من الإبداعات الفردية، سوف نتحدث عن هذه الكيانات من حيث النشأة ،و من ابرز هذه الكيانات :

المواقع ذات الطابع الفردي
أولا المنتديات
توجد الكثير من المنتديات العربية المتخصصة التي أنشاها أفراد لديهم طموحات و هذا يساهم على نحو كبير جدا في استمرار هذا العمل و بالأخص بعد انتشار ظاهرة المنتديات في الأوساط المختلفة لمستعلي شبكة المعلومات الدولية، و هنالك الكثير من هذه المنتديات التي تقدم بيئة عمل كبيرة جدا و تحتضن النشاطات المختلفة، فنرى إقبالا كبيرا من الطلاب عليها و أيضا من المتخصصين أو المهتمين ، و قد بلغت الكثير منها درجة عالية من الإقبال و الرقي في مستواها، و انتقلت من مجرد ساحات حوارية إلى منابر علمية و ثقافية، و هنا اشدد على الفرق بين المنبر و ساحة الحوار. فبالبداية كانت مع شخص واحد و النجاح بالحضور الفعلي لهذا المنتدى لدى المهتمين، و هذا ما جعل الكثير من المواقع الشخصية تستمر، و قد لا يتفق معي البعض في هذا اللفظ فيكف يجور إن نطلق على منتدى موقع شخصي! و هنا أتحدث عن النشأة و الاستمرار فهي ذات طبيعة شخصية، لكن في كل الأحوال فهذه الإبداعات التي تستحق هذا اللفظ قد حققت نجاحا فعلا و يستفيد من ثمرتها الكثير، و لها من الدوافع ما يجعلها تستمر و ربما أكثر الدوافع هي دوافع نفسية و إدراك للدور الكبير التي تمثله، فهي إبداعات فردية على الشبكة العنكبوتية و ما كانت إلا وليدة الإصرار و الجهد الكبير.

ثانيا المواقع الشخصية
المواقع الشخصية التي أنشاها الكثير من الأفراد و تحمل رسائلهم إلى مستخدمي الشبكة العنكبوتية ، في غالب الأوقات لا تلقى نجاحا أو إقبالا كبيرة للعديد من الأسباب لعل أبرزها هو ضياعها وسط ملايين المواقع الضخمة، و يذكرني هنا الكثير من الكلمات التي قرأتها لأصحاب الموقع ، و كيف أنهم يقضون ساعات طويلة و ينتزعون من أوقات أهلهم و أزواجهم لكي يقدموا لغيرهم، و هنا اذكر حالتين شدتني وأنا أتصفح الانترنيت، احدهما لمغترب عربي في الغرب، يدير موقع شخصي له و يرسل الكثير من الرسائل التي تحمل أخبار الجالية و غيرها، و الآخر لدكتور عربي في بلاده، يناشد أن لا يبقى و وحيدا وما قدمه لا يستفيد منه هو إلا في القليل فعمله لغيره لأنه علم.وما أصعبه من إحساس عندما تشعر أن جهدك يضيع وسط هذه الملايين من المجهودات الضخمة، الأمر يشبه النداء في الصحراء. و لا أخفيكم انه من الصعب الاستمرار في حالة مثل هذه، فإلى متى يستمر و هو يرى أن جهده كسراب لا يراه إلا هو !

المواقع شبه الفردية
في الغالب هذه المواقع نشأت من اتحاد مجموعة مواقع متخصصة أو اتفاق أفراد ذات اهتمام واحد و توجد من هذه المواقع من حققت نجاحا ، فنجد البعض منها قد أصبح علما في مجاله و له رواده و مريديه ، سواء إن كان منتدى نتج عن اتفاق أفراد لهم اهتمام مشترك أو مجموعة مواقع شخصية في موقع واحد ، و هنا تظهر معالم النجاح بصفة اكبر و يبتعد الموقع عن الطابع الفردي له إلى الانتقال إلى كيان شبه جماعي متفق عليه،و هذا إبداع على بيئة العمل الالكتروني، من قبل أفراد سخروا أوقاتهم وجهودهم لكي يحصد في الغالب تراكمات هذه الجهود رواد تلك المواقع لا مؤسسيها.

سؤال أوجهه إلى قارئ المقال، الم تسال نفسك يوما كيف ظهرت هذه المواقع التي تأخذ منها ما تريد؟ الم تسال نفسك يوما كيف تكونت هذه المنتديات التي تجد فيها ما تبحث عنه سواء أن كنت طالب أو باحثا أو مهتم فقط؟ أي كانت الإجابة فإنها في كل الأحوال سوف تتحدث عن إبداعات فردية كلفت أصحابها الكثير و الكثير ، منها من يأس و ترك موقعه إلا من بعض الزوار القلائل، و للبعض لموقعه الكثير من الزوار لكن أرهقه متابعة العمل فيه لان تكاليف النشأة غير تكاليف النجاح، ليدخل مؤسس الموقع أو مؤسسيه في سلسلة من المتطلبات التي في الغالب يعجزون عن سدادها، و هي إما متطلبات مالية و قد أتقل عليهم الدهر أيضا، أو من ناحية الوقت لان الموقع قد كبر ،و من الضروري وجود متابعة أفضل بكثير، و هنا يذكرني ذات مرة و قبل سنين عندما كتبت موضوع في احد المنتديات المهتمة بالمجال البرمجي لم يمض إلا ساعات و قد وجدت تفاعلا ؟ و بعد مضي وقت ليس بالقصير عدت لأجد هذا المنتدى و قد أصبح أعضاءه بعشرات الآلاف، كتبت موضوعا لأرجع إليه بعد أسبوع و لم أجد أي رد فيه إلا من مشرف واحد، و هذا يظهر مقدار الإرهاق الذي بلغه مؤسسي الموقع.

و بين هذا و ذلك هنالك الكثير من الخبرات و الجهود منتشرة التي تبحث عن متنفس لها لكي تعبر عن ذاتها، و تسهم بما يتوفر لها ، البعض قد مر بمراحل تكوين موقع و تركه، و البعض الآخر يريد التواصل على شبكة الانترنيت، و ما إنشاء الموقع أو التفكير فيه إلا فكرة راودت من لديهم قدرات علمية لكي يعبروا عن أنفسهم به؛ وسط هذا الزحام من الواقع الضخمة التي يملا اسمها عنان السماء و يعرف بها الداني و القاضي، و ليس هذا فقط بل إن من المواقع الضخمة ذات الصيت الكبير من يعرفه من غير متصفحي شبكة المعلومات الدولية أو الذين لم يتعاملوا معها من قبل، و كلنا يعرف قصة الياهو و كيف نشأ من شخصين في البداية، و أيضا بريد الهوت ميل و قصة المخترع الهندي له، و هنا أتحدث عن مواقع أصبحت تدار بميزانيات دول، و يعمل فيها الآلاف و يطلب ودها الجميع، و يستفيد منها أيضا الجميع، فلا يخفى على احد كيف سخر الجوجل المصدر المفتوح في البحث و طوع الإعلان النصي ليجني منها مبالغ خيالية، وسط كل هذا، لا نرى تجربة عربية، ذات طابع فردي قد حققت من النجاح ما يجعلها تنافس الكبار! فهل اختفى الإبداع أم تقلصت مساحته و لم يترك لنا الكبار شيء؟ آم أن هي البداية التي تحتاج إلى مراجعه لأنه لم يعد هنالك موضع للمجهودات الفردية ؟

زر الذهاب إلى الأعلى