الأخبار التقنية

عش عزيزاً

تناقلت الألسن سابقاً طرفة لطيفة عندما قال أحدهم لصديقه ” ألا ترى التقنيات المذهلة التي يبتكرها الغرب ، ففي كل يوم نسمع عن تقنية جديدة في ميدان الاتصالات والسيارات إلى الأجهزة الكترونية الدقيقة و الأقمار الصناعية وغيرها … هل يمكننا في يوم من الأيام صناعة مثل هذه التقنيات ” ؟ فرد صاحبه بكل هدوء ” لماذا نتعب أنفسنا … دعهم يتعبوا و نحن نشتري ما يصنعون دون عناء “.

من الملاحظ أننا أصبحنا في مجتمع التقانة دون سابق إنذار و بلا تخطيط أو دراية ، فلقد كان البيت النموذجي هو البيت الذي يحوي الهاتف و التلفاز و الراديو … ، أما الآن فقد تغيرت الأحوال لنرى كل هذه الأشياء مضافا إليها العديد و العديد من التجهيزات التقنية كجهاز الاستقبال الفضائي و المايكروويف ….فقد تطورت هذا التجهيزات التقنية كماً و نوعاً ، ومن هنا يوجد سؤال يطرح نفسه : هل انتشرت كل هذه التقانات مصادفة ؟!!!! .
أجيبكم أعزائي بما يلي :

هل توصل مدراء شركة IBM إلى قرار في تطوير بنية المعالج x86وهم على شط البحر يتسامرون ويضحكون وفي نهاية السهرة يكونوا قد توصلوا إلى القرار بعد أن أدرجوا التعليمات الخاصة بالمعالج الجديد في ثنايا كؤوس عفواً أوراق السهرة والتي بمحض الصدفة احتوت الخطة التسويقية التي تجري من وراء الكواليس !! هل تخيلت مرة ذهاب بيل غيتس صاحب شركة مايكروسوفت مصطحباً الراقص ستيف بالمر المدير التنفيذي للشركة إلى ماكدونالز للحديث عن نظام ويندوز الجديد Vista بينما يلتهمان الهمبرغر مع شرب الكولا ، وإذ بخطة الانتقام من ولد الجيران الكريه “لينكس” تقتحم عليهما الجلسة دون سابق إنذار ، وبعدها يقوم غيتس بمطالبة ستيف بدفع الفاتورة من باب أخذ الحيطة والحذر فثروة ستيف بالمر قد وصلت إلى رقم بدأ يرعب غيتس …. لسنا في صدد الحديث عن خطط مايكروسوفت الحربية ضد برامج المصادر المفتوحة بشكل عام ولينكس بشكل خالص ولكن من الجدير بالذكر بأن حضرة المدير التنفيذي ستيف قد تنازل وأكل الفول والطعمية في مصر منذ شهرين في زيارته الأخيرة لها ، وعقد العديد من الاتفاقيات أحدها مع شركة نوفيل المنتجة لنسخة لينكس Suse “سوزي” ، ألا ترون أن غيتس قد يدفع ستيف في أوقات حرجة ، وخاصة بأن بيل غيتس في زيارته لمصر في عام 2004 بدأ يتحدث بشكل خرافي مثل الطاووس عن نظام ويندوز وقد زعم أن برامج المصادر المفتوحة لا يجب الوقوف عندها …. هل تظنون أن ستيف أتى من الولايات المتحدة ليتناول الفول والطعمية في مصر ؟؟؟!! أم لشئ آخر.

لابد لنا أن نلاحظ بأن التخطيط لتطوير معالج أو إعداد خطة تسويقية لتنفذها شركة مايكروسوفت أو غيرها من الشركات العالمية تحتاج إلى أكثر من يوم من التخطيط !!!! فلبناء نظام جديد تحتاج الشركة دراسة السوق وخاصة بعد دخول أنواع من البرامج المسمومة مثل برامج المصدر المفتوح open source، كما تقوم الشركة بدراسة المنافسين والجدوى والخطة العملية والتسويقية التي أتمنى أن نفكر بها لأننا وبصراحة لم نتطرق يوماً إلى التفكير بهذا النمط الذي اعتبره برأي المتواضع أسلوب الشياطين فهذه الشركات لا تسعى إلى نشر نفسها في دولةٍ أو دولتين بل تسعى إلى الهيمنة من القطب إلى القطب ….

وبعد كل هذا التخطيط والعمل الجاد لا بد أن تتربع الشركة فارضةً نفوذها في العالم التقني ، فتزداد سطوتها وقوتها تجاه أي منافس لها ، ربما نجدهم قد ارتدوا الملابس الأنيقة جالسين وراء مكاتب زجاجية و ملامح البراءة قد ارتسمت على وجوههم … لكن هذا ليس إلا قناع وارءه أشخاص لايعرفون رقة ولاشفقة في ميدان المنافسة التقنية لأنها بالنسبة إليهم هي صراع حياة أو موت ، وما الهيمنة التي يتمتعون بها إلا نتيجة حتمية للمقدرات التكتيكية الهائلة التي يمتلكونها وهنا يكمن الفرق بينهم وبين الآخرين !!! فهم يقاتلون بعقولهم وليس بأجسادهم …

ننتقل إلى صورة أخرى من واقع الشركات التقنية فلا أحد يخفى عليه الشركة الشابة Macromedia الفتية ذات القوام الممشوق التي أنجبت العديد من البرامج وعلى رأسها برنامج فلاش الذي أشعل في السنوات الماضية ثورة في عالم الملتيمديا حتى كان له قرص كبير في عرس الإنترنت ، كما أنجبت العديد من التوائم والأخوة لهذا البرنامج …. لكنها ظلت تلك الرشيقة التي أسالت لعاب الوحش Adobe الذي لم يستطع امتلاك نفسه أمامها فلم يتورع عن دعوتها للعشاء وطلب الزواج منها ليضمها إلى إمبراطوريته العظيمة.
و بين الحين و الآخر نسمع خبراً عن شراء شركة عملاقة لشركة أخرى على اختلاف طرق البيع والشراء ، فعندما أبدعت شركة Pixar العديد من الأفلام الرائعة مثل حكاية لعبة Toy Story في عام 1995 وفيلم حياة حشرة A Bug’s Life عام 1998 وفيلم Monsters Inc عام 2001 وايضاً الفيلم المنتج عام 2003 البحث عن نيمو Finding Nemo والفيلم الجديد CARS وغيرها … لم تستطع شركة والت ديزني كبرى الشركات الأمريكية البقاء متفرجة والتي وصلت عائداتها إلى 31.9 مليار دولار في السنة الماضية لتقوم بشراء Pixar بمبلغ 7.4 مليار دولار ، ، لكن تعالوا لنلقِ الضوء معاً على ستيف جوبز المدير التنفيذي لـشركة Pixar الذي كان رابحاً من هذه الصفقة أيضاً بأخذه موقعاً قوياً عبر احتفاظه بمركز اكبر مالك منفرد للاسهم بنصيب يبلغ نحو 7 في المائة ، بل سيصبح جوبز أيضاً الذي يرأس أيضا شركة آبل Apple من مديري ديزني ، فلقد هزت هذه الصفقة أوساط شركات الفن البصري .

وأخيرا أسوق إليكم خبر CodeGear الأب الجديد للغة الدلفي ، فسابقاً كنا نقول Borland Delphi أما من اليوم فصاعداً ربما سنسمع CodeGear Delphi ، ، فقد كان القلق والتوتر بادياً في الأشهر الماضية على وجوه مبرمجي لغة الدلفي التي اعتبرها الولد النجيب الخارق الذكاء الذي تفوق على قرينه فيجوال بيزك ولكن للأسف فأنتم تعرفون من هو والد الفيجوال بيزك كما تعرفون مدى الدعم الإعلامي واللوجستي الكبير الذي تملكه مايكروسوفت ، على كل فلقد أعلن عن إنشاء الشركة الجديدة CodeGear والتي تحوي مجموعة-DTG- Developer Tools Group التي يزيد موظفوها عن 200 موظف والمتخصصة في تطوير البيئات البرمجية المنتجة من قبل بورلاند ، و كان خيار البيع ذكياً إذا تم البيع لصالح مستثمرين جدد يدفعون المال ويتركون تفاصيل الإدارة والتسويق وتحديد وجه المنتج التقني لفريق تطوير هذه البيئات الذي يهتم بالمطور واللغة قبل الإهتمام بالربح المادي ، ولربما هذا ما جعلها تختار عرض الشراء هذا من بين عروض الشراء الجادة والكثيرة التي تلقتها بورلاند والتي تم رفضها لعدم تحقيقها لجميع الشروط التي لاتنازل عتها برأيها ومنها ضمان لمستقبل المنتج و المطورين والموظفين بالإضافة إلى السعر المناسب ، بالإضافة إلى كون معظم الشركات تهتم ببعض هذه البيئات فقط في حين أن بورلاند تريد بيع كامل المجموعة ، لذلك كان خيار البيع حكيماً بنظر بورلاند لأنه ضمن مستقبل أفضل لهذه المنتجات و فصل هذه المجموعة في شركة مستقله تملك كامل التحكم والسيطرة على المنتجات وتعود لبورلاند ملكيتها القانونية بحيث تقدم لها بورلاند تسهيلات العلاقات المالية بما يضمن استقلالية الميزانية الخاصة بالشركة ورؤيتها الخاصه للإنفاق .

ولا يجدر بنا أن ننسى المباحثات شبه السرية التي أتمتها شركة جوجل في الأشهر الماضية مع يوتيوب لشراء موقع الشركة المسمى www.youtube.com الذي يقدم خدمة تبادل لقطات الفيديو وبعض الأفلام والأغاني الرقمية علي شبكة الانترنت مجاناً ، وقد وصلت قيمة الصفقة إلى 1.6 مليار دولار أمريكي مع العلم أن شركة يوتيوب تأسست في شهر فبراير من عام 2005 بتعاون بين ثلاث موظفين في أحد شركات الدفع الالكتروني على شبكة الانترنت.

ربما يستغرب البعض سرعة يوتيوب بالبيع مع أن الموقع جديدة وطازج وكل العيون عليه ولكن ربما هناك تحذيرات سبقت مشاكل قانونية ومطالبات حقوق من شركات الموسيقى والفيديو المختلفة التي وعلى لسان من يؤكد وجودهم مختفون وصامتون لأنهم ينتظرون ان يكون يوتيوب في يد عملاق غني يسهل مطالبته بتعويضات خرافية ! لكن ربما لدى جوجل من الحلول التقنية والخبرات القانونية ما لم يكن لدى Youtube وسيجدون مخرج مثالي … لأني أظن أن هناك توأم من المحامين الخارقين قد وظف أحدهم في شركة جوجل والآخر في مايكروسوفت ، ولكن نجح جوجل حرمان منافسيه التقليدين (ياهو- مايكروسوفت) من أي فوز واستغلال لكنز يوتيوب ، كما يوجد ViaCom الذي حاول شراء يوتيوب لكن باءت محاولته بالفشل الذريع ، و لقنته جوجل درساً هادئا كيف يحترم الكبار وعدم تكرار هذه المحاولة الطفولية مرة أخرى أو مجرد التفكير في الدخول على خط المنافسين… …

من خلال سردنا لأحدث صفقات الشراء و نقل ملكيات الشركات نلاحظ الأنماط المختلفة في عمليات الشراء والتنازل وطرق المفاوضة فمثلاً يبدو أن مفاوضات شركة ديزني مع Pixar كانت من نوع لايخفى عليكم !!! وخصوصاً أنه كان يوجد تفاعل بين الشركتين يرجع إلى نحو 12 سنة، بتمويل ديزني الافلام الرقمية التي صنعتها Pixar ، كما أن حالة CodeGear و Borland هو نوع من الإتفاقات يسمى subsidiary مع العلم بأن تفاصيل هذا الاتفاق منحت العديد من المزايا الإيجابية الإضافية لـ CodeGear ، هذا ويوجد العديد من الأنماط المختلفة للاتفاقيات لسنا بصدد الحديث عنها الآن.

أخيراً :
كثيراً ماتتزاحم الأفكار في أذهاننا ، لكنّي حاولت قدر المستطاع أن أرتبها من البداية بطرفة تمثل حالة الإستهلاك الذي نعيشه ، ثم استعرضنا معاً بعض الأمثلة التي أظهرت عظمة التخطيط في الشركات بأسلوب ساخر متعمداً ذلك كي لا أنقص من عظمته في أسطر قليلة.

فهل سنبقى صامتين نسمع عن الإنجازات والاختراعات ونرى مايحصل من اندماج وتكتل بين الشركات….ألا يجدر بنا أن نستفيد من التكنيك العالي الذي نسمع عنه ومن قصص النجاح المستمرة التي تقشعر من سماعها أجسادنا ، هنا قد يقاطعني شخص فيقول نحن أفراد ولا يمكننا فعل شئ !!!!!! لكن هنا لابد من كشف الستارة لمعلومة قد يعرفها الكثير من الناس بأن الكثير من الشركات كان قوامها وقلبها النابض هو شخص واحد أو عدة أشخاص لكنهم عرفوا مقدراتهم وفكروا بشكل سليم واستكملوا جميع الأدوات المطلوبة منهم وبدؤوا بالعمل بخطة محكمة ، فـ بيل غيتس أسس أضخم امبراطورية في العالم التقني تعرف باسم مايكروسوفت ، وثلاث موظفين قد أنشئووا موقع يوتيوب بأقل من سنة و طالبي جامعة قد اخترعوا ياهوو ، وتعرفون أن جوجل قد نشأ من مرآب للسيارات على يد Larry Page و Sergey Btin ، وكلنا يعرف قصة اختراع بريد الهوتميل على يد شاب مسلم هندي اسمه صابر باتيا الذي أصبح أسطورة في الاقتصاد الهندي وسيظل هذا الفتى البنجابي معلماً بارزاً في دنيا تقنية المعلومات وقد أصبح من الثراء والشهرة بحيث استضافه رئيس امريكا السابق بيل كلينتون والرئيس شيراك ورئيس الوزراء الهندي بيهاري .

لاأريد أن أذكر أمثلة وأشخاصاً أكثر من ذلك ، دعونا نقترب أكثر ….دعونا ننفض غبار الخوف الذي يعلو أفكارنا … لانريد معرفة سبب هذا الخوف نريد أن ننزعه فحسب ، نريد الهمة العالية التي بها ندك جبلاً ونضغط بها مفتاح Enter لإفتتاح مشروع عربي جديد يرفع رأسنا عالياً ثم يتلوه آخر ثم إلى ماشاء الله ، فعش عزيزاً أو مُت دونَ ذلك .

زر الذهاب إلى الأعلى