دراسات وتقارير

ثورة الاتصالات الهاتفية عبر الإنترنت تبحث عن وطن آخر

رغم أن الاتصالات الهاتفية اللاسلكية عبر الإنترنت نشأت وترعرعت في الولايات المتحدة الأمريكية، يبدو أنها بدأت تحدث ثورة في كل مكان ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية. تلك هي النتيجة المباشرة غير المتوقعة التي تستخلصها من معرض هواتف سيمبيان الذكية هذا العام والذي يزوره أكثر من 4000 زائر في لندن، وانتهى أمس. واكتشفت وفود الولايات المتحدة الأمريكية هذه الحقيقة، وتساءلت في معرض (CTIA) ما إذا كانت أمريكا قد اتخذت القرار الخاطئ بتجاهل بقية العالم.

مكمن السخرية في أن الاتصالات الهاتفية اللاسلكية عبر الإنترنت تبشر بثورة كبيرة، حيث ستهدد بفناء شركات المحمول بدلا من إجبارهم على تخفيض أسعارهم وفتح شبكاتهم قليلا. ففي بريطانيا كما هو الحال في كل أوروبا تشهد الاتصالات الهاتفية اللاسلكية عبر الإنترنت وجودا حقيقيا ورغم أنها ما زالت في مهدها وبدايتها، لكنها تنعم بوجود حقيقي وتقدم خدمات حقيقية، فقرار نوكيا تضمين حزمة بروتوكول SIP في سلسلة E من هواتفها الذكية التي تعمل بنظام سيمبيان أدى إلى ظهور موجة من مشغلي الخدمات الجدد الذين يطبقون مختلف الحيل التقنية ببراعة شديدة، وهناك الكثيرون ممن أصبحوا يستخدمون خدمات الاتصالات المحمولة عبر الإنترنت بشكل دائم بدلا من مشغلي المحمول.

فلماذا إذن يصر عملاء وشركات الولايات المتحدة الأمريكية على عدم جني ثمار ومزايا هذا الاتجاه حتى الآن؟ تكمن الإجابة على هذا السؤال في سببين: فشركات المحمول العنيدة ما زالت مصرة على شل حركة الأجهزة المتوافقة مع بروتوكول SIP التي تبيعها في الولايات المتحدة، وبدأت تستبعد الكثير منها وذلك بسبب غياب المنافسة الحقيقية، وأصبحت الولايات المتحدة التي كانت مهد هذه التكنولوجيا ومصدر نشأتها تتعامل معها بقسوة بالغة بل وتزدري الشركات التي نجحت في تطبيق هذه التكنولوجيا بكفاءة وامتياز وتدوس عليها.

لنركز قليلا على السبب الأول: انظر إلى فئة هواتف نوكيا من سلسلة E التي تم إطلاقها منذ عدة أسابيع في الولايات المتحدة، على سبيل المثال هاتف E62، هذا الهاتف ذو النمط المحافظ حظي باستقبال حافل، فهو يشبه هاتف RIM لكنه أنحف قليلا، ولكن تأمل قليلا عن كثب، وسترى فرقا هائلا عن النسخة الأصلية منه التي بيعت في أوربا وآسيا – هذا الفرق هو عدم وجود ميزة الواي فاي. ونفس الحال مع هاتف 9300i الذي طرحته شركة سينجيولار بدون الواي فاي.

السبب الثاني، هو أن هذا الاتجاه يحظى بدعم نوكيا على نظام التشغيل (Symbian OS)، وكلاهما لا يتمتع بوجود قوي في الأسواق الأمريكية، ورغم أن نوكيا هي صاحبة أكبر مبيعات في أوربا والكثير من الدول الآسيوية، باعتبارها الماركة التي يجب اقتناء منتجاتها، عانت نوكيا الأمرين لتشق طريقها إلى الأسواق الأمريكية. وفي هذا تلام شركات المحمول الأمريكية التي تخشى التخلي عن علامتها التجارية لصالح علامة الشركة الأولى في العالم، وفضلت إعادة تغليف الهواتف الكورية الرخيصة، بالإضافة إلى انقسام السوق بين ثلاثة معايير لاسلكية غير متوافقة، وإعلان نوكيا صراحة انسحابها من سوق الهواتف التي تعمل بتكنولوجيا (CDMA) بعد أن أيقنت أنها لن تنافس بقوة في هذا المضمار.

أما سيمبيان، فرغم قوته الكامنة لكنه ليس بارزا في سوق تسيطر عليها شركتا (آر آي إم) و(بالم)، ورغم أن سلسلة هواتف (E) أثبتت أن أي شخص يمكنه تثبيت حزمة بروتوكول (SIP) على أي جهاز محمول، لكنها أثبتت أن أي شخص يمكنه أن يتعامل معها بحماقة شديدة أيضا. ولأن نظام سيمبيان صمم من البداية للتوفير في استهلاك طاقة البطارية، وهو أمر يجسد المهارة الحقيقية في تصميم حلول فعالة، وقد سمعنا شكاوي كثيرة أن حزمة SIP تستهلك طاقة البطارية، والمشكلة ليست في الحزمة ولكن في نظام التشغيل، فالهاتف المحمول الذي يعمل بنظام Windows Mobile على سبيل المثال تنفد بطاريته خلال أربع ساعات إذا ترك في وضع الاستعداد بينما مع نظام سيمبيان تستمر البطارية ليومين كاملين…ترى أيهما تختار الشركات الأمريكية؟!

تبدو الشركات الأمريكية وكأنها مصابة بمرض نفسي تجاه نظام سيمبيان، فقد انسحبت شركة موتورولا من نظام سيمبيان، مفضلة الانتقال إلى نظام لينكس، ووافقت شركة بالم على تطوير نظام (PalmOS) اعتمادا على قلب سيمبيان، وهو تصميم قد يناسب بشكل خاص نظام التشغيل الحالي الذي تدعمه شركة سيمبيان بقوة، ولكنها تراجعت بعد ذلك، وترفض شركة (آر آي إم) النصائح باتخاذ خطوة جادة والاستثمار في سيمبيان خاصة أن الاستثمار في نظامها الخاص يلتهم الكثير من النفقات.

لا يمكن أن يكون الأمر قاصرا على الخوف من نوكيا، فحتى مصنعي الهواتف الآسيوية التي كانت تستخدم نظام سيمبيان فقط بدأت ترى مزايا كبيرة في دمج تكنولوجيا الاتصال الصوتي عبر الواي فاي في هواتفها، وأنتجت كل من إل جي وسامسونج طرازات تعمل بنظام سيمبيان لاستهداف السوق الأوروبية، وتفخر شركة سامسونج بأنها تفوقت على هواتف نوكيا S60 في السرعة. كل ذلك يجعل رجال الأعمال الأمريكيين محبطين، ويضع العملاء في أسوأ موقف تجاري واستهلاكي ممكن.

زر الذهاب إلى الأعلى