الأخبار التقنية

المحاذير القانونية لتمويل مشاريع التجارة الإلكترونية

ترفض العديد من البنوك حول العالم تمويل المشاريع التي تقوم بها شركات تقنية المعلومات وبرمجيات الحاسب وتلك المتخصصة في مجال التجارة الإلكترونية، وتبرر رفضها هذا بارتفاع نسبة المخاطر في عملية التمويل، إذ أن هذه المشروعات ذات طبيعة خاصة تجعل اتخاذ القرار الائتماني حيالها مسألة صعبة، خاصة وأنها سريعة التطور والتقلب، وتعتمد على عناصر يصعب إدراجها في دراسة جدوى اقتصادية أو خطة عمل تقنع القائمين على البنوك بجدوى هذه المشاريع، مما يضطر الشركات القائمة بهذه المشاريع على الاعتماد على مواردها الذاتية، الأمر الذي يعتبر عائقاً كبيراً في وجه نجاحها.

إن عملية إيجاد التمويل اللازم لأيِّ مشروعٍ تجاري تعتبر عنصراً أساسياً لنجاحه، مهما كانت أساليب ممارسته، سواءً أكانت تتم من خلال قنوات التجارة التقليدية أو في بيئة التجارة الإلكترونية. فالشخص الذي يملك فكرةً مبتكرة ويرغب في استغلالها تجارياً، يعتمد في تمويلها بشكلٍ أساسي على الإمكانيات المالية المتوافرة بين يديه، أو تلك التي يستطيع الحصول عليها من خلال علاقاته العائلية، فإن لم تكن إمكانياته كافية لتغطية تكاليف المشروع، وكان هذا المشروع يتطلب موارد مالية كبيرة، كان عليه اللجوء إلى وسيلةٍ أو مصدرٍ آخر يؤمِّن من خلاله التمويل اللازم، وكذلك الأمر بالنسبة للشركة أو المؤسسة التي تمارس نشاطاً تجارياً معيناً، وترغب في أن توسع من نطاق هذا النشاء دون أن تتوافر لديها الأموال لتغطية هذه التوسعة، فإن عليها اللجوء إلى جهةٍ خارجية تقدم لها هذا التمويل. وتتم عملية التمويل هذه بشكلٍ أساسي من خلال أسلوبين اثنين: أولاهما عن طريق الحصول على قرضٍ من إحدى المؤسسات المالية أو البنوك، والتي لا تقدم هذه القروض إلا بعد أن يقدم لها الفرد أو المؤسسة المقترضة ضماناتٍ وإشارات رهنٍ على موجوداتٍ تضمن لها استرداد حقها في حال امتناع المقترض عن التسديد في المواعيد المتفق عليها. وأما الآخر، فهو عن طريق إيجاد مستثمرٍ يدخل في شراكة مع ذلك الشخص أو المؤسسة، بحيث أنه يقدم أمواله كحصة في شركةٍ تنشأ فيما بينهم، ويحصل في مقابل ذلك على نسبةٍ معينةٍ من الأرباح. ولأجل إقناع أصحاب رؤوس الأموال باستثمار أموالهم في مشروعٍ من المشاريع، يلجأ أصحاب المشروع إلى وضع دراسة جدوى لهذا المشروع، يبينون فيها إمكانياته، الموجودات، خطوات التنفيذ، المصاعب التي تعترضه وفرص نجاحه.

الطبـيعة الخاصة لمشاريع التجارة الإلكترونية:
إن عدداً كبيراً من الشركات التي تمارس نشاطاتها التجارية باستخدام الأساليب الإلكترونية تقوم بذلك جنباً إلى جنب مع نشاطاتها في بيئة التجارة التقليدية، أي أنه يكون لديها العديد من الأصول والموجودات المادية الممكن استخدامها كضمانات، غير أن هناك عدداً غير قليلٍ من الشركات نشأت لتمارس أعمالها في بيئة التجارة الإلكترونية فقء ومن دون أن يكون لها أي نشاطات تمارس بالأساليب التجارية التقليدية، فشركة أمازون لبيع الكتب مثلاً، هي شركة لم يسبق لها أن مارست نشاطاً تجارياً قبل أن تبدأ بممارسة هذه التجارة عبر شبكة الإنترنيت، وإن الأصول الأكثر أهمية لهذه الشركة هي اسم المجال الخاص بموقعها (والذي يحتوي على علامتها التجارية)، والبرمجيات التي تؤمن عمليات طلب الكتب والدفع الآمن. فهذه المشاريع تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على برمجيات الحاسب والمعلومات السرية التي تملكها (قوائم الزبائن وطرائق العمل مثلاً)، إذ أنَّ هذه البرمجيات والمعلومات تعتبر أركاناًً هامةً للشركة، بل إنها قد تعتبر في بعض الأحيان الأصول الأكثر أهمية بالنسبة لها، فقيمتها قد تفوق بشكلٍ كبيرٍ قيمة جميع المباني والموجودات المادية التي تملكها الشركة، بل إن بعض الشركات الناشئة قد لا تملك أساساً سوى هذه البرمجيات وبعضاً من الأسرار التجارية، مع بعض الموجودات المادية ذات القيمة التافهة نسبياً. فإذا نظرنا إلى شركة جوجل مثلاً، وجدنا أن النجاح الكبير الذي تحرزه والأرباح الهائلة التي تحققها، يعود بشكلٍ أساسيٍ إلى برمجيات الحاسب التي تقدم خدماتها باستخدامها، كمحركات البحث، فكيف تستطيع هذه الشركات أن تحصل على التمويل اللازم لممارسة أعمالها، وكيف تستطيع البنوك والمؤسسات المالية أن تضمن حقوقها فيما إذا قامت بإقراضها؟

إن عملية التمويل كانت منذ زمنٍ طويلٍ تعتمد بشكل أساسيٍ على الموجودات التي يملكها المشروع كضمانٍ لتسديد القرض، وإن البنوك كانت تقوم برهن أصول المشروع من مبانٍ وآليات ووسائل نقل، بحيث أنها تضع عليها إشاراتٍ تمنع أصحابه من التصرف بها حتى يقوموا بتسديد ديونهم، كما أنها تستطيع التنفيذ عليها عن طريق بيعها، وتحصيل حقوقها من ثمنها. إنَّ البنوك اليوم تواجه تحدياً يكمن في أن عدداً كبيراً من المشاريع الطالبة للقروض لا تملك موجوداتٍ مادية ذات قيمة تضمن لها سداد القرض، وفضلاً عن ذلك، فإن كون هذه العناصر غير المادية تشكل جزءاً هاماً من موجودات المشروع، يزيد من عملية تقييم المشروع أو تقييم هذه الموجودات بشكلٍ دقيق صعوبةً.
إن عملية تمويل المشاريع العاملة في مجال التجارة الإلكترونية لا تخلو من بعض المخاطر بالنسبة لأولئك المقدمين للمال من بنوك أو مستثمرين، وخاصةً بالنسبة للمشروعات الناشئة، والتي لم يظهر بعد فيما إذا كانت ستحقق نجاحاً في السوق أم لا.

ارتباط الأصول بشخص صاحبها:
أولى هذه المخاطر يكمن في عملية التعرف على موجودات المشروع وتقييمها. إن هذه الأصول هي في الغالب من الأحيان مشمولة بحقوق الملكية الفكرية، كبرامج الحاسب مثلاً، والتي يمكن حمايته بموجب حق المؤلف، أو بموجب براءة اختراع في بعض الدول، وقد استطاع علم المحاسبة تقديم أساليب عديدة لتقييم هذه الحقوق. غير أن تقييم المنتجات المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات، لا يعني أن البنك يستطيع بشكلٍ أكيد أن يحصل على هذه القيمة في حال امتناع الشركة المالكة للمشروع عن سداد الدين، ففي بعض هذه الأحيان لا تثمر هذه المنتجات ولا تعطي أكلها إلا بيد مطوريها، الأمر الذي يثير القلق فيما إذا كان يمكن استخدامها كضمان لوفاء الدين، حيث أن المقرض قد لا يستطيع الحصول سوى على جزءٍ قليلٍ من قيمتها فيما إذا ما عرضها للبيع في السوق.

ملكية اسم المجال (Domain Name):
إن الأصول التي يمكن رهنها، لا بد من أن تكون مملوكةً للمقترض أو صاحب المشروع، في حين أن بعض أصول مشروعات التجارة الإلكترونية الأكثر أهمية لا يدخل ضمن نطاق حق الملكية، ولا ترد الملكية عليه، وإن كان يعتبر من أصول المشروع، إذ أنه لا بد من التفرقة بين الأصول والممتلكات، فالأولى هي أكثر اتساعاً من الثانية، وتشملها ضمن نطاقها، وهناك العديد من الأصول العائدة للشركات والتي لا يمكننا تصنيفها بممتلكات، مثل السمعة التجارية، المعلومات السرية ذات القيمة وأخيراً اسم المجال، والذي تبلغ قيمته في بعض الأحيان الملايين من الدولارات الأميركية، حيث أنه يلعب في بيئة التجارة الإلكترونية الدور الذي تلعبه العلامة التجارية. قد يقوم البنك بطلب رهنٍ معين كضمان لسداد الدين، يهدف إلى تمكينه من بيع المال المرهون في حال الامتناع عن وفاء الدين، فإذا كان المال المرهون ليس مملوكاً للمقترض، فقد يكون من المتعذر على البنك رهنه، لأنه وإن قام بذلك،فقد لا يستطيع بيعه وقبض ثمنه عند الحاجة للجوء إلى ذلك. فاسم المجال مثلاً، لا يمكننا اعتباره مملوكاً للمشترك به لدى مسجل أسماء المجال، إذ أنه ليس أكثر من عقد اشتراك بين المسجل والجهة المالكة للمشروع، يرخص فيه لهذه الأخيرة باستخدامه. وفي الواقع، فإنه في الكثير من الأحيان قد يسمح المسجل بترقين تسجيل اسم المجال من اسم شخص ما وإعادة تسجيله فوراً على اسم آخر، بحيث أنه يمكن تشبيه هذه العملية بعملية البيع. غير أنه إذا كانت عملية النقل تحصل بهذه السهولة بالنسبة لمسجلي أسماء المجال ضمن المجالات العامة الشهيرة (com.)، (net.) ، (.org)، فإنه قد يعارض بعض مسجلي الأسماء ضمن المجالات العامة الأخرى أو المجالات الخاصة برموز الدول عملية الانتقال هذه، فيشترطون مثلاً أن تنقضي مدةٌ زمنية معينة قبل القيام بإعادة تسجيلها على اسم شخصٍ آخر. فضلاً عما سبق، فإن اسم المجال قد يكون كبير القيمة بالنسبة للمشروع الذي يمارس التجارة من خلاله، ولكنه قد لا يحقق أي قيمة، ولا تكون له أي أهمية بالنسبة للمشاريع الأخرى إذ أنه لا يعطيها أي ميزة تنافسية يجعلها ترغب في شرائه فيما إذا عرض للبيع. لذلك قد يكون من المفيد أن تقوم البنوك والمستثمرون قبل قبول اسم مجالٍ معين كضمانٍ للدين، أن يحاولوا التحقق من مسجل أسماء المجال فيما إذا كان هنالك طلبات قد قدمت من شركات أخرى لتسجيله، وذلك لمعرفة فيما إذا كان يوجد راغبين في هذا الاسم في حال اضطرت الظروف لبيعه. ومن الضروري أيضاً النظر إلى اسم المجال ذاته، فيما إذا كان الجزء الرئيسي منه يشكل كلمةً عامة، يمكن لجميع المشاريع التي تمارس نشاطاتها في مجال تجاري معين استخدامه، أو أنه يعتبر مرتبطاً بمشروعٍ معين، ولا يشكل أي أهمية للمشاريع الأخرى، حيث يتعذر في هذه الحالة إيجاد مشترٍ له.

الحياة التجارية لبعض الأصول أقصر من الحياة القانونية:
إن المعلومات والبرمجيات التي تعتمد عليها مشروعات التجارة الإلكترونية ذات عمرٍ قصير نسبياً، وهذا العمر أقصر بكثير من فترة الحماية القانونية التي تتمتع بها هذه الأصول. فبرمجيات الحاسب المحمية بموجب حق المؤلف، يحتكر مالكها حق استخدامها واستغلالها لمدة سبعين عاماً بعد وفاته، أما إن كانت محمية بموجب براءة اختراع، فإن للمالك الحق الحصري في استخدامها لمدة عشرين سنة، فهل هذه المدة القانونية الطويلة تؤمن لمقدمي التمويل الضمان الكافي؟ إن القيمة التجارية لبرمجيات الحاسب لا تتجاوز في أحسن الأحوال السنتين أو الثلاث سنوات، وبعدها تنخفض قيمة البرنامج لتصبح قليلةٍ جداً إن لم تكن معدومة، ولا يعود لهذا البرنامج أكثر من قيمة تاريخية، فترى الممول الذي أعطى صاحب المشروع فترة خمس سنوات لسداد الدين مثلاً، معتمداً على أنه يملكه لمدة عشرين سنة مثلاً، في وضعٍ لا يحسد عليه، في حال لو امتنع صاحب المشروع عن سداد دينه في الوقت المتفق عليه.

إمكانية نسخ هذه الأصول وتقليدها بسهولة:
تتم عملية نسخ برمجيات الحاسب بالطرق غير المشروعة بسهولة كبيرة، كما أن تقليد برنامج الحاسب وصنع برنامج شبيه به من خلال تحليل آلية عمله وتقليده، عن طريق ما يسمى بالهندسة العكسية، يتم بجهد مع قليلٍ من التعب، الأمر الذي يجعل قيمة هذه الأصول مهددةً دائماً وغير مستقرة. إن المستثمر الذي قدم المال الكثير إلى مشروعٍ معين، معتمداً على الدراسة التي عرضت عليه بأن برنامج الحاسب الذي سيقوم المشروع بتسويقه سيحقق نجاحاً ورواجاً كبيراً، سيجد نفسه خاسراً في حال إذا رأى أن هنالك من قام بقرصنة هذا البرنامج ونسخه وتوزيعه في الأسواق، فهذه العملية ستحرم المشروع من إيرادات كبيرة، الأمر الذي يهدد المستثمر بخسارةٍ فادحةٍ وبضياع أمواله. وإذا كان المستثمر يرغب في أن يقوم المشروع الذي قام بتمويله بملاحقة الجهات المعتدية على البرنامج، فإنه سيجد نفسه أمام قضاءٍ بطيء نسبياً، كبير التكلفة، معقد الإجراءات، قليل الخبرة بهذه التقنيات الجديدة، ويتطلب الدليل على أن البرنامج مملوكٌ من مالك المشروع، كما وأن قوانين حق المؤلف في العديد من الدول لا تعترف لبرمجيات الحاسب بالحماية القانونية لحد يومنا هذا.

كيف نحصل على التمويل إذاً؟
إن جميع المحاذير والمخاطر التي ذكرتها أعلاه، والمتعلقة بتمويل المشاريع العاملة في بيئة التجارة الإلكترونية، تجعل من عملية الحصول على التمويل اللازم لممارسة النشاط التجاري، أمراً شديد الصعوبة، وتزيد من تكلفة الحصول على ذلك التمويل، لناحية ازدياد العائد الذي يطلبه الممول ونقصان الفترة الزمنية الممنوحة لتسديد الدين، وهذا سيؤدي بدوره إلى أثرٍ سلبي على المشروعات الناشئة في هذه البيئة، فالأفكار النيرة لن تثمر ولن تحصد نتائجها، ما لم تجد من يتبناها ويدعمها من الناحية المالية. إن القواعد التي كانت وما زالت مطبقة بالنسبة لعمليات تمويل المشاريع في بيئة التجارة التقليدية، سيكون من الصعب الاستمرار في استعمالها بالنسبة لمشاريع التجارة الإلكترونية، ولا بد للبنوك، المؤسسات المالية، المستثمرين والمختصين من إيجاد أساليب جديدة تضمن لهم حقوقهم، وتؤمن في الوقت نفسه الأموال الكافية لأصحاب المشاريع. فضلاً عن ذلك، فإن السهولة واليسر اللذين أدخلتهما التجارة الإلكترونية على عملياتنا التجارية، جعل أعداد مشاريع التجارة الإلكترونية على مستوى العالم تزداد نسبياً على حساب مشروعات التجارة التقليدية، وهذا يشكل ضغطاً كبيراً على أصحاب رؤوس الأموال يدفعهم لإيجاد قواعد وأساليب حديثة تضمن لهم حقوقهم، إذ أنهم مضطرون إلى تمويل مشاريع التجارة الإلكترونية، وإلا فإن عدد المشاريع التي يقومون بتمويلها سيتضاءل يوماً بعد يوم، في حين أن قطاع التجارة عبر انترنت يزداد بشكلٍ متصاعد، ويبشر الذين يحققون النجاح فيه بأرباحٍ هائلة تغري الجميع بالاستثمار فيه. من الخير لنا الانتظار لنرى كيف سيقوم السوق بفرز أدواتٍ وأساليب جديدةٍ ترضي مصالح جميع الأطراف.

زر الذهاب إلى الأعلى