الأخبار التقنية

النظام الإعلامي الجديد

يمر القطاع الإعلامي بشكل عام بتغيرات هائلة ستعيد صياغة الإعلام الجماهيري, كما نعرفه اليوم, بشكل يمكن أن نسميه النظام الإعلامي الجديد مقارنة بالنظام العالمي الجديد الذي ظهر في التسعينيات الميلادية.

هذه التغيرات بدأت بسبب التكنولوجيا, ولكنها كما يقول الكثير من المنظرين الإعلاميين ستغير جوهر الرسالة الإعلامية وطبيعتها وما سيتلقاه الجمهور, وهناك تفاؤل واسع النطاق بأن هذه التغيرات ستكون إيجابية وليست سلبية.

وإذا كانت هذه التغيرات الجذرية قد بدأت بشكل جيد في الغرب فإنها بدأت تطرق أبواب الإعلام العربي الذي صار يبحث عن أجوبة متعلقة بهذه التغيرات التكنولوجية.
تسمى التكنولوجيات الجديدة بـ “الإعلام الجديد” NEW MEDIA وتشمل الإعلام على الإنترنت, صحافة الفيديو VIDEO JOURNALISM, حيث يرسل الناس من مختلف أنحاء العالم مقاطع فيديو إخبارية التقطوها بأنفسهم لينشروها على الإنترنت, المدونات الشخصية BLOGS, التي يكتب فيها المدونون مذكراتهم وقراءاتهم الإخبارية وآراءهم والأخبار التي حصلوا عليها بشكل يومي على مواقعهم والمنتديات.

أيضا يشمل الإعلام الجديد المحتوى الخاص بأجهزة الجوّال والمتناسب مع نظام الجيل الثالث 36 والواب والـ GPRS, إضافة إلى أهم هذه التكنولوجيات على الإطلاق وهي الفيديو حسب الطلب VIDEO ON DEMAND أو كما يرمز لها VOD.

والفيديو حسب الطلب كنظام بدأ ينتشر على نطاق واسع في الغرب هو أن تجد مخزونا واسعا من البرامج والأفلام والمقاطع الإخبارية سواء على الإنترنت عالي السرعة أو من خلال جهاز مربوط بالتلفزيون وتشاهد منها ما تشاء في الوقت الذي تريد حسب رغباتك وخياراتك والتي يمكن برمجتها من خلال بعض الأنظمة الذكية.

خبراء الإعلام الجديد يرون أن نظام الفيديو حسب الطلب سيقتل التلفزيون كما نعرفه اليوم وسيسيطر على الساحة تماما, حتى إن مديري كبرى الشبكات التلفزيونية الأوروبية يطالبون بتغيير تسمية شبكات التلفزيون إلى شبكات الفيديو, لأن التلفزيون في طريقه إلى الموت.

هذا التغير الهائل تكمن أهميته في كونه يعطي المستخدم أو المشاهد الخيار فيما يريد أن يراه بعد أن كان أسيرا لخيارات المحطات التلفزيونية, ويعطي الفرصة للبرامج المتخصصة أن تجد طريقها إلى المشاهدين.

أما التغيير الهائل الآخر فهو ما يسمى “دمقرطة الإعلام”, وذلك لأنه في صحافة الفيديو وصحافة المدونات الشخصية يمكن لأي شخص يملك كاميرا صغيرة وجهاز كمبيوتر محمولا أن ينشئ محطته الخاصة به, يصور ما يريد بناء على خياراته ويضعه على الإنترنت متاحا لملايين القراء, مما يعني تحرير الإعلام من سيطرة المؤسسة الإعلامية التقليدية وإعطاء الفرصة لكل شخص أن يقول ما يريد.

لكن هناك عدة قضايا يجب على النظام الإعلامي الجديد أن يحسمها قبل أن يسيطر على الساحة الإعلامية ومنها “المصداقية”, فالشخص العادي يحتاج إلى الكثير من الجهد ليثبت مصداقيته للقراء وزوار الموقع أو مشاهدي الفيديو, كما أن الإمكانات المحدودة للأفراد تجعل من الصعب عليهم منافسة المؤسسات الإعلامية التي تملك موارد مالية ضخمة, أي أن الجودة والنوعية QUALITY هي أيضا قضية مهمة تثير قلق المنظرين للإعلام الجديد, وتجعل البعض يؤكد أن سيطرة الإعلام التقليدي ستستمر في ظل التكنولوجيات الجديدة بمجرد أن تغير نفسها وتستغل هذه التغيرات.

قضية أخرى متعلقة بكيفية تحويل الإعلام الجديد إلى قطاع مربح تجاريا, وإذا كان هذا السؤال مازال مطروحا بالنسبة إلى الإعلام الجديد المعتمد على الإنترنت فإن الإعلام الجديد المعتمد على الجوّال قد تقدم بشكل أسرع, وانتشرت خدمات الأخبار عبر رسائل الجوّال والبث التلفزيوني الحي ومقاطع الفيديو حسب الطلب وغيره وذلك لأن طريقة الربح معروفة وهي فاتورة الهاتف طبعا.

إحدى أهم القضايا في رأيي هي ما أشرت إليه الأسبوع الماضي وهي نوعية المحتوى الذي يناسب الجوّال ويناسب التكنولوجيات الحديثة.قضية أخرى مرتبطة بعادات الجمهور الذين يحتاجون إلى الكثير من الوقت قبل أن يتمكنوا من تغيير عاداتهم والانتقال إلى هذه التكنولوجيات الحديثة.

هذه القضايا وغيرها كثير كانت مثار نقاشات حادة في المنتدى السنوي الإعلامي الأوروبي ـ الآسيوي في كازاخستان (من حيث أكتب هذا المقال), وإن كان عدد من المشاركين أعداء المؤسسة الإعلامية التقليدية, التي يتهمونها بالانحياز والبعد عن الديمقراطية والدقة والعدل في نقل الأخبار يبتسمون بخبث مبشرين بانتهاء النظام الإعلامي الحالي وقدوم النظام الإعلامي الجديد, تماما كتلك الابتسامة الصفراء التي ظهرت على وجه جورج بوش الأب, وهو يعلن إطلاق مصطلح النظام العالمي الجديد.

العالم يمر بتغيرات ضخمة بسبب التكنولوجيا, وهذا يشمل قطاع الإعلام والسينما والراديو والاتصالات, وهي تغيرات نحن أولى الناس بفهمها وفهم أبعادها وآثارها علينا.
العالم يتغير ليصبح أكثر عولمة وأكثر انفتاحا وأكثر اعتمادا على التقنية وأكثر فردية وأكثر حرية, وربما أكثر جاذبية.

زر الذهاب إلى الأعلى