الأخبار التقنية

الحب من النظرة الأولى حتى مع صفحات الويب … لغز الخمسين مللي ثانية

إذا أردت أن تستخدم موقعك بغرض تسويق وبيع شيء ما، فإنك تحتاج إلى أكثر من مجرد النجاح في جعله يظهر في الصفحة الأولى من صفحات نتائج البحث. إن ما تحتاجه في الواقع هو جعله قادر على إقناع زواره خلال الخمسين ملليثانية الأولى التي ينظرون فيها إليه بأنه يستحق استمرارهم بتصفحه.

تعج الإنترنت بالملايين من صفحات الويب التي تتنافس فيما بينها على جذب انتباه الزوار، وبخاصة تلك المواقع التي صممت أصلا بهدف البيع والتجارة، ومع تشابه البضائع بصورة أو أخرى يحرص أصحاب هذه المواقع على جعلها تظهر في الصفحة أو الصفحات الأولى من نتائج البحث في محركات البحث المشهورة، وبالذات “جوجل” و”ياهوو!”.

إلا أن دراسة جديدة قامت بها باحثه اسمها غيته لينغارد ونشرت في مجلة Behavior and Information Technology أي السلوك وتقنية لمعلومات، تدعي بأن زائر الموقع لا يحتاج سوى إلى لمحة بسيطة على الصفحة الأولى من الموقع، لا تتجاوز مدتها خمسين ملليثانية (خمسين جزء من ألف جزء من الثانية، أو ربما سيكون أسهل لو قلنا أنها واحد على عشرين من الثانية) ليقرر فيما إذا كان هذا الموقع جذاب بما يكفي لجعل الزائر يستمر في قراءة الصفحة الأولى منه، ثم الاستمرار في تصفحه، وعدا عن ذلك فإنه لن يتردد عن إقفال الصفحة والذهاب إلى موقع آخر. وهذا يعني بكل بساطة أنك جهدك ووقتك الذي بذلته ولياليك التي سهرتها في بناء موقع في الإنترنت، وأحلامك بتحقيق أرباح من وراءه، ستذهب جميعها سدى بلمحة واحدة لا أكثر من عين زبون محتمل.

ماذا يعني ذلك؟ إنه يعني أنه لم يعد من السليم أن تستمر بالظن أن اعتمادك على نماذج جاهزة لبناء المواقع يشبه بعضها بعضا هو قرار صحيح، ويعني أن محاولتك تخفيف مصاريفك ببناء موقع ويب رخيص هو أكبر خطأ استراتيجي قد تقترفه في حياتك العملية، وأن عدم فهمك لضرورة أن يتم تصميم موقعك من قبل محترف يعرف كيف يجعله يظهر بأسرع ما يمكن أمام من سيزوره للمرة الأولى، هو ببساطة خطأ قاتل سيضيع عليك حتى فرصة الحصول على الأمل بأن ينظر إليه ولو لمجرد خمسين ملليثانية لا أكثر.

ولكن في المقابل يرى باحثون آخرون أن في هذا الأمر مبالغة، لأن القدرة على الملاحظة السريعة لدى عقل الإنسان قد تم اختبارها في الإعلانات التلفزيونية التي ترسل رسائل مصورة قصيرة للمشاهدين خلال زمن قصير جدا، اعتمادا على أن عقولهم ستحتفظ بكل تأكيد بها لمدة طويلة بعد انتهاء عرض الإعلان. ولكن هل يعني ذلك أن على الموقع أن يتحول من الاعتماد على النص والصور الثابتين، والانتقال إلى الأفلام المتحركة حتى ينجح في ترك نفس الانطباع التلفزيوني؟ لو كان هذا صحيحا فإن الحرص على سرعة ظهور الصفحة الأولى أصلا سيصبح بالنسبة لصاحب الموقع أكثر من كابوس، وبخاصة مع التكلفة الإضافة الكبيرة نسبيا التي ستلقى على عاتقه.

كما يرى مشككون آخرون أن التصميم غير الجميل للموقع لا يعني بالضرورة أنه غير ناجح، ويضربون على ذلك مثلا موقع eBay، الذي يجتذب الملايين من البشر والدولارات إليه مع أن تصميمه غير جذاب. إلا أن ذلك برأيي غير كاف ليحكم على نظرية الخمسين ملليثانية بالفشل، فما يجذب الناس إلى eBay هو أمل معظمهم بتحقيق أرباح مجزية من وراءه تجعلهم لا يهتمون أصلا بشكله ومظهره، حتى أنني أظن أنهم سيهتمون بزيارته حتى ولو كان أكثر “بشاعة” مما هو عليه أصلا.

المثل الذي ضربته على eBay قد يعني أن حل مشكلة النظرة الأولى لمن لا يستطيع على تأمينها كما يجب، يمكن أن يتمثل في اللجوء إلى وسائل إعلامية أخرى كالإعلان في الوسائط المختلفة لجذب الزوار إلى الموقع بشكل يجعلهم يصبرون على بطئه أو قلة جاذبيته البصرية، لأنهم يعرفون حتى قبل دخولهم إليه بأن ذلك سيحقق لهم فائدة بصورة أو بأخرى. وهنا سيكون على صاحب الموقع أن يحدد فيما إذا كانت إمكانياته المادية تسمح له بذلك أما لا، وهذا يطرح مسألة أخرى هامة وهي ضرورة أن يحرص صاحب أي موقع ذو طبيعة تجارية على أن يكون لديه حد أدنى من المعرفة بمبادئ التسويق والمبيعات والتخطيط السليم، وعدا عن ذلك فإن خسائره قد تكون أكيده في الغالب حتى ولو كان موقعه من أجمل مواقع الإنترنت.

يذكر أن التجربة قام بها فريق من دائرة علم النفس في جامعة كارلتون في مدينة أوتاوا الكندية، تقوده الدكتورة غيته لينغارد المتخصصة بعلم التفاعل ما بين الإنسان والكومبيوتر، راقبوا تصرفات متطوعين طلب منهم تصنيف مجموعة من المواقع حسب درجة جمالها. والملفت أن لينغارد وزملاءها كانوا أول من فوجئ بهذه النتائج غير المتوقعة كما قالوا، والتي وصفوها بأنها رد فعل نفسي، وإن كانوا يعترفون كما قالت لينغارد، بأن العمر والذوق الشخصي الفردي كانت من العوامل التي لعبت دورا في تحديد المواقع الفائزة، مع أن الاختبارات التي أجريت لم تكن عشوائية، وأنها قد تطابقت مع نتائج أجريت على متطوعين تعرضوا لنفس التجربة ولكن مع إتاحة زمن أطول أمامهم لرؤية الموقع.

إذا فإن موضوع الحب من النظرة لأولى ينطبق على مواقع الويب كما ينطبق على البشر، وإن كان لا يحتاج مع المواقع لأكثر من لمحة أو أقل. وبغض النظر عن الجدل الذي يدور حاليا حول مدى دقة هذه الدراسة، فإنني أرى أن مستوى الأهمية الذي بدأت تشكله مواقع الويب يتطلب من الجميع وبالذات في عالمنا العربي العمل على الارتفاع بمستوى عملية تصميم المواقع العربية بحيث يتم على يد محترفين، أو هواة مشهود لهم بإتقان عملهم، وأنه قد يكون من الحكمة محاولة إقناع زوار موقعك بأنه يستحق الزيارة حتى قبل أن يزوروه فعلا. نقلاً عن موقع أيه إم أي إنفو.

زر الذهاب إلى الأعلى