الأخبار التقنية

نصيبنا من التقدم التقني

عندما أحاول تذكر ما أنجزنها عربيا خلال العام الماضي في مجال التقنيات الحديثة لا أكاد أجد أمامي إلا انهماكا أكثر في استخدام واستهلاك التقنيات على المستوى الفردي وبشكل يفتقر إلى حد ما إلى الوعي والإنتاجية. إلا أنه عالميا فقد شهد العام الماضي محاولات أكثر في مكافحة ظاهرة البريد الإلكتروني المزعج، ولكن هذه المحاولات تركزت في توقيع الاتفاقيات الدولية بين الدول الكبرى التي تتطلع إلى إنهاء هذه الظاهرة، ولكن للأسف لم تكلل هذه المحاولة بالنجاح وأدت إلى انتقال مراكز تصدير البريد المزعج إلى مناطق أخرى من العالم ربما يتم استغلال حواسبها دون أن يدري ملاكها الحقيقيون؛ ويعتبر دخول دول إسلامية إلى قائمة أكثر 10 دول تصديرا للبريد المزعج من أبرز الأدلة على هذا، ومن الملاحظ أن العام الماضي شهد أيضا خطوات إلى الخلف احتكرها عالمنا العربي كان أهمها التطور السريع لاستخدامها في عمليات غسيل الدماغ وتسويق الأفكار بل وتنفيذ المخططات عن بعد، كما رصدت الإحصائيات إقبالا غير مبرر من العرب على مواقع الزواج الإلكتروني والتعارف عبر الإنترنت على الرغم من تراجع هذه الظواهر عالميا نظرا لاكتشاف مثالبها وسلبياتها العديدة ولكن يبدو أننا ننتظر السقوط في نفس الحفرة لنصل إلى مرحلة الإدراك! وكذلك تم رصد الافتقار إلى نسق متفق عليه لآداب استخدام الجوال وبروز أنماط مستفزة من السلوكيات المرتبطة به خصوصا مع انتشار تقنيات “البلوتوث” والتصوير عبر الجوال على نطاق واسع، مما يتطلب إعادة بناء الهوية الثقافية للمواطن السعودي خاصة والعربي عامة بشكل يمثل حصنا منيعا ضد محاولات الغزو التي لا تعرف الكلل، وهي مهمة معقدة تأكد تعقيدها في العام الماضي الذي صدرت فيه دراسة مخيفة توضح تزايد الهوة بين جيل الآباء والأبناء فيما يتعلق باستخدام التقنيات الحديثة مما يعرض الأطفال والمراهقين لمخاطر لا حصر لها وتصدق نتائج هذه الدراسة ربما بشكل أكبر على عالمنا العربي.

وعلى الرغم من الإنجازات التقنية التي شهدها العام المنصرم على المستوى العالمي إلا أن القليل منها فقط وجد طريقه نحو قلوب الناس وترك أثرا له دلالته في أعمالهم وشئون حياتهم اليومية، وبينما طوى النسيان -ربما مؤقتا- مشاريع عملاقة أعلن عنها في مطلع العام مثل إنشاء مقر جديد لشركة “جوجل” على سطح القمر، ومشروع تزويد الإنترنت بالرائحة، وإنتاج تليفزيون ياباني يعرض مشاهد ذات أبعاد ثلاثية ويمتع حاستي اللمس والشم للمشاهد بالإضافة إلى النظر؛ كانت هناك مشروعات على مستوى عال من الأهمية، لعل أكثرها جاذبية وشعبية هو مشروع الطيران الحر عبر الإنترنت من خلال صور الأقمار الصناعية التي تشمل كل شبر من أنحاء المعمورة وذلك مع ضرورة إدراك ما يعتري هذا المشروع من عيوب تقادم الصور المبثوثة وظهورها مفلطحة، والأكثر خطورة من ذلك مشكلة التحيز التي تجعل أراضي الدول العربية مستباحة بينما توفر حماية خاصة لمثيلتها الإسرائيلية على بعد عدة سنتيمترات بمقياس الخريطة، ومن المشروعات العالمية ذات الأهمية الواسعة البدء في تنفيذ مشروع المدينة اللاسلكية وتطبيق تقنيات “الواي فاي” على نطاق واسع بدلا من اقتصارها على النقاط الساخنة سابقا وهو مشروع تنفذه جوجل بمدينة “ماونتن فيو”، ومن المنتظر أن يمثل هذا المشروع نقلة هائلة في الحياة الإلكترونية وأن يقلب موازين قطاع الاتصالات خلال العام الحالي، حيث يتوقع بيل جيتس أن تختفي الحاسبات الشخصية نهائيا خلال عشر سنوات بينما يتم الاعتماد الكامل على تقنيات الإنترنت، ومن الإنجازات التي من المنتظر أن تلقى رواجا ابتكار كلمة السر البيولوجية لحماية أجهزة الجوال والحواسب المحمولة من السرقة المنتشرة بشكل واسع طبقا لإحصائيات العام السابق وسط مخاوف من استخدام هذه التقنية لاستهداف حامليها بعمليات الاغتيال التي تعتمد على التقنيات اللاسلكية في تتبع الضحايا.

وتميز العام الماضي على المستوى العالمي بكثافة محاولات محاكاة العقل البشري وإيجاد صلات عصبية يمكن من خلالها تحميل محتويات المخ إلى الحاسب الآلي مباشرة، وإنتاج حواسب لها القدرة على الوعي وتعرف مشاعر الخوف والحب والغضب والغيظ، وأخرى ذات مجسات عالية الحساسية يمكن من خلالها قراءة الأفكار بشكل مباشر، وجيل جديد من الأجهزة يمتلك 5% من قدرة العقل الإنساني، ولكن وعلى الرغم من أن ثمار هذه المحاولات لم تظهر ثمارها على مستوى الواقع الفعلي بعد، إلا أنه من المهم تشكيل مجموعة بحث علمية محلية تراقب وتمارس هذه الأبحاث قبل أن تتزايد الفجوة بفعل هذه التقنيات أضعافا مضاعفة مما هي عليه الآن وهي بالمناسبة أهم أمنياتي للعام الجديد على المستوى التقني حيث يمكن من خلالها إنعاش اقتصادنا المعرفي وسد تلك الفجوة الكبيرة بيننا وبين الآخرين، التي أدت إلى احتكار كل شيء حتى الفضاء الخارجي نفسه! وليس أبرز من دليل على تزايد الفجوة بفعل التجاهل المتواصل للإبداع في المجالات العلمية الاحتكار الفعلي للفضاء بالإحجام عن الإعلان عن اكتشاف الكوكب العاشر في المجموعة الشمسية حتى تم اكتشافه بالصدفة بفضل مجهودات أحد قراصنة الإنترنت، وذلك الاحتكار الذي مارسته الولايات المتحدة بإجبار العالم على الاحتفال بيوم استقلالها بتدبير اصطدام مفتعل للمركبة الفضائية “ديب إمباكت” بواحد من المذنبات كحدث فضائي فريد من نوعه، ورواج نشاط الشركات العاملة في مجال بيع النجوم وتوزيع الأراضي الواقعة على سطح القمر!

من الواضح إذن أننا جنينا في العام الماضي ثمار العام الذي سبقه، وأن كل المفاجآت انحصرت في كل ما هو وافد علينا من الخارج، وليس أمامنا سبيل آخر سوى أن نبدأ مبكرا في هذه السنة مواجهة مشكلاتنا المعروفة سلفا وتنسيق خطواتنا المتعثرة لنحصد ثمار مساعينا هذه قبل فوات الأوان!

زر الذهاب إلى الأعلى