رأي وحوار

هم نجحوا بنقل البيانات عبر الضوء، ونحن مازلنا دون وسائل دفع إلكتروني عربية !

بقلم فراس اللو، عضو هيئة التحرير في البوابة العربية للأخبار التقنية

 

ما أن يرد مُصطلح الدفع الإلكتروني، حتى يتبادر إلى الأذهان اسمين لا ثالث لهما تقريبًا، أولهما شركة باي بال PayPal العالمية، وتأتي بعدها على استحياء شركة كاش يو CashU التي كانت ولفترة من الزمن حلًا لمعوقات التجارة والدفع الإلكتروني التي تواجه الشباب في أرجاء الوطن العربي.

مرّت الأيام وبدأت شعبية كاش يو بالتراجع أمام أسماء جديدة ظهرت واختفت أيضًا بسرعة كبيرة دون مُبرر على الرغم أنها قدّمت حُلولًا فعّالة لمشاكل باي بال.

باي بال وعلى الرغم من كونها من أكبر الشركات المُتخصصة في هذا المجال عالميًا، إلا أنها تواجه قيودًا مفروضة من الحكومة الأمريكية تمنعها من التعامل مع بعض الدول العربية نذكر منها السودان وسوريا على سبيل المثال لا الحصر، دون نسيان أنها تحوّلت من وسيلة دفع إلكتروني إلى بنك إلكتروني يفرض الكثير من القيود والعمولات التي تجعل المُستخدم مُجرّد رقم في سجل المُشتركين، دون أي قيمة في بعض الأحيان من وجهة نظر شخصية.

لست هُنا بصدد الحديث عن باي بال ومشاكلها، لأنني سأُفرد لها مقالًا خاصًا فيما بعد، لكن ومع اقتراب نهاية عام 2015 لم نرى حتى الآن أي وسيلة دفع إلكتروني عربية يُمكننا الاعتماد عليها، تدفع عجلة الإنتاج لدى الشباب، وتفتح أمامهم آفاق لا حدود لها.

ما هي الآفاق التي يُمكن إبصارها ؟

يُمكن تلخيص عام 2015 عربيًا ومن الناحية التقنية بعنوان واحد ألا وهو “العمل الحر”، حيث انتشر هذا المفهوم بشكل كبير بفضل الكثير من المنصّات سواءً كانت عربية أو أجنبية، ساهمت بشكل أو بآخر بحل مشاكل البطالة ورفع مستوى دخل الفرد، لكن كالعادة لا يُمكن أن يحظى الفرد العربي بأي شيء دون دفع ضريبة، وهذه المرة كانت وسائل الدفع الإلكتروني هي المعوق الأول أمام الكثير من الطامحين.

وبعيدًا عن العمل الحر، يُمكن الاستفادة من خلال الالتحاق بالدورات الإلكترونية المدفوعة التي تُقدّم فائدة ثفاقية كبيرة، والتي تُساعد الفرد في البقاء على اطلاع دائم على آخر الصيحات والتقنيات العالمية، إلا أن طريقة الدفع قد تحول دون إمكانية التسجيل فيها.

هذه مُجرّد أمثلة بسيطة على المجالات التي يُمكن السعي فيها إلكترونيًا، دون نسيان إمكانية طلب بعض القطع الإلكترونية مثل حاسب Raspberry Pi المتوفر بأسعار تبدأ من 5 دولارات فقط، والذي يُمكن برمجته وتحويله إلى جهاز إلكتروني بوظائف مُختلفة.

لكن ما يزال السؤال الأهم والذي يفرض نفسه، أين وسائل الدفع الإلكتروني العربية التي يُمكن لحامل أي جنسية عربية التمتع بها بكل سهولة، واستخدامها عالميًا ومحلّيًا؟

قد يُجادل البعض بفكرة أن الشركات أيًا كانت لا تحتاج إلى خوض غمار حل معوقات الدفع الإلكتروني لأن حجم السوق صغير جدًا، وليس له مُستقبل بسبب ثقافة الفرد وما إلى ذلك. لكن ما الذي يدفع متاجر مثل أمازون، ebay أو حتى سوق.كوم إلى دعم الكثير من البلدان العربية والتركيّز عليها إن لم تجد بالمقابل دعمًا بطريقة أو بأُخرى؟ أو بمعنى آخر، كيف يُمكن لسوق التجارة الإلكترونية، أيًا كان تخصصه، النمو والازدهار لتلبية طموحات شركات حلول الدفع إن لم تستثمر به من الأصل؟

لا أمازون ولا غيرها من المتاجر مُضطرة إلى تخصيص وقتها وتوجيه تركيز فرق عملها نحو حل مُشكلة وسائل الدفع الإلكتروني عربيًا، لأننا الأولى بحلّها كوننا نعيش في هذه المُجتمعات وعلى إطلاع بشكل أو بآخر على القوانين السائدة في كل دولة، وبسبب عامل اللغة، الرابط الوحيد فيما بيننا للأسف، يُمكننا التواصل والبحث عن نقاط التقاء فيما بيننا لوضع ركائز الدفع الإلكتروني عربيًا.

عُمدة مدينة “ساو باولو” في البرازيل رفع شعار “فكّر عالميًّا، وتصرّف محلّيًا” Think globally. Act locally، وهو ما أدى إلى جذب انظار الكثير من المُستثمرين نحو هذه المدينة، وتمكّن من زيادة حجم الاستثمارات فيها. لهذا السبب الحل يبدأ محلّيًا، ولا يجب أن ننتظر طرف ثالث للقيام به، لأنه على الأغلب سيكون حل استغلالي بنسبة كبيرة.

بكل بساطة، افتح آفاق العالمية نحو الشباب العربي لتطوير قدراتهم وخبراتهم، لتنعكس عليك بالفائدة بشكل أو بآخر، وبالتالي ستُحقق النجاح المطلوب والعالمية التي تصبوا إليها أيًا كانت مؤسستك.

القيود موجودة حتى على الشركات التي ترغب بالتوجه نحو هذا المجال، فالمُشكلة على أرض الواقع ليست سهلة الحل، لكن بشكل أو بآخر يجب علينا الحراك لإيجاد حل يُرضي جميع الأطراف، يبدأ من دولة أو اثنتين ويتوسع فيما بعد ليشمل دولًا أكبر بعد فترة من الزمن.

لا أوجه اللوم لأي شخص أو مُؤسسة، لكن يُقال أن مُشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فلتكن هذه الخطوة من مشروع تخرّج جامعي لطلاب في الاقتصاد بتخصص التجارة الإلكترونية، أو طلاب الهندسة المعلوماتية بنفس التخصص بتوجيه من المُشرفين عليهم، بعدها وإن توفرت الحلول ولو على الورق يُمكن للجامعة تبنّي الفكرة وتطويرها أو عرضها، كونها مؤسسة ثقافية موثوقة، على مصارف أو مُوسسات تعنى بهذا المجال لإدخال الفكرة حيّز التنفيذ، والقضاء على مُشكلة كانت وما زالت من المشاكل التي نشتكي منها كمُستخدمين عرب.

فلنبتعد قليلًا عن مبدأ الشمّاعة الذي نستعين به لتبرير كسلنا وفشلنا، ولنبدأ بأخذ خطوات فعّالة في هذا المجال، فهم نجحوا بنقل البيانات عبر الضوء، ونحن ما زلنا نأخذ ولا نُعطي، نستهلك ولا نُنتج حتى دون التفكير في سياسة الاكتفاء الذاتي التي ملأت كُتبنا الدراسية والتي لم نجد أيًا منها على أرض الواقع !

زر الذهاب إلى الأعلى