أخبار قطاع الأعمال

خبير تقني: مركزية تقنية المعلومات الحكومية تؤثر سلباً في جهود التحول الرقمي

حذر خبير تقني من التركيز على نموذج التشغيل المركزي ودمج أصول تقنية المعلومات في القطاع الحكومي بأكثر مما ينبغي، بدلاً من التركيز على تطوير الخدمات وتنسيقها وعلى بنية الأعمال والحيوية، سيؤثر سلباً في جهود التحول الرقمي في هذا القطاع.

وفي تصريح لوسائل الإعلام، أوضح المهندس عبدالعزيز الهليل، المدير الإقليمي لشركة IDC للدراسات والأبحاث في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين، أن أمواج المركزية centralization واللامركزية decentralization اجتاحت بيئة تقنية المعلومات في القطاع العام، وكذلك في القطاع الخاص، منذ عشرات السنين.

وأشار الهليل إلى أن ذلك حدث في بعض الحالات نتيجة للبنية التقنية technology architecture. فعلى سبيل المثال، كان هناك تأثير لأجهزة الحاسبات الكبيرة mainframe على نموذج التشغيل المركزي، وفي مقابل ذلك أدى نموذج العميل- الخادم client-server  إلى تعزيز اللامركزية. وفي حالات أخرى، حدث ذلك لأسباب متعلقة بالأعمال.

وقال: “حينما يكون القطاع الحكومي معرض لضغوط من أجل خفض ميزانية تقنية المعلومات، فإن نموذج التشغيل المركزي centralized operating model سيوفر رقابة أشد على قرارات الإنفاق على تقنية المعلومات والإتصالات، والتي من المتوقع أن تصل في 2015 إلى  34.6  مليار دولار في السعودية”. مضيفاً: “من المؤكد أن لكل من المركزية واللامركزية فوائدها وتحدياتها”.

وناقش فوائد وتحديات كل أسلوب من هذين الأسلوبين، موضحاً أن المركزية واللامركزية يعتبران نموذجا تشغيل، وبعبارة أخرى هما طريقتان لتنظيم موارد تقنية المعلومات وأدوارها ومسؤولياتها من أجل تنفيذ الإجراءات والأنشطة الضرورية لتقديم خدمات تقنية المعلومات.

ولفت إلى أن نموذج تشغيل ثالث نشأ على مر الزمن، وهو النموذج الاتحادي federated model، حيث يتم تنسيق بعض الأنشطة مركزياً وبعضها في الأطراف، بما يمكن من استيعاب الاختلافات بين الجهات.

وبيّن أن المركزية هي أمر مختلف عن دمج تقنية المعلومات IT consolidation، والتي تتكون من أصول قياسية، مثل توحيد مراكز المعلومات باستخدام أجهزة خادم x86 ونوع محدد من برمجيات الحوسبة الافتراضية، أو توحيد برمجيات البريد الالكتروني باستخدام أحدث إصدار يوفره مقدمو الخدمات والذي يعتبر في المملكة من أكثر التطبيقات استخداما من قبل الأعمال والجهات الحكومية.

وأضاف: “كذلك تختلف المركزية والدمج عن الخدمات المشتركة shared services، ففي الحقيقة أن الخدمات المشتركة هي نموذج لتقديم الخدمة، وكثيراً ما تتميز بدرجة من المركزية في نموذج التشغيل والدمج لأصول تقنية المعلومات”.

واستدرك قائلاً: “إلا أن الأمر الأكثر أهمية يتمحور حول فكرة أن وحدة الأعمال المخصصة تركز بالكامل على تقديم مجموعة خدمات تتميز بالشفافية إلى مجموعة محددة لمستخدمين نهائيين محددين بشكل دقيق، وتهدف إلى الاستمرار في تطوير مكونات البنية التحتية وإجراءات تقنية المعلومات، وكذلك مجموعة الخدمات، بما يمكن من الإسهام في نواتج الأعمال للمستخدمين”.

وبالعودة إلى معضلة نموذج التشغيل المركزي مقابل نموذج التشغيل اللامركزي، قدم الهليل تحليلاً للأمور المعقدة على جانبي المعادلة.

وأوضح أن فكرة جعل نموذج التشغيل مركزياً، ومن ذلك وضع جميع موظفي الدعم في موقع مركزي واحد، أو جميع أجهزة الخادم ومعدات التخزين في مركز معلومات واحد، تبدأ بنية حسنة: وهي فكرة جمع ورعاية أفضل الموارد والكفاءات في موقع مركزي واحد لتعزيز أفضل الممارسات، والتحكم بالنفقات، وتطبيق أعلى معايير سياسات وإجراءات أمن المعلومات، وهكذا.

وأشار إلى أن مركزية تقنية المعلومات في القطاع الحكومي government IT centralizationبدأت ببعض الدول بنوايا ليست طيبة، ومن ذلك أن بعض الإدارات الحكومية كانت ترغب في زيادة نفوذها “ولكن لحسن الحظ أن تلك حالات نادرة”.

وقال: “لكن حتى في حالة بدء مركزية تقنية المعلومات في القطاع الحكومي بنوايا طيبة، فإنها لم تمض في الطريق المرسوم، وسرعان ما أدت إلى تأثيرات سلبية على الجهات المعنية، وهي الإدارات الحكومية التي تحصل على الخدمات من مقدم الخدمة المركزي، والمنشأة المركزية نفسها، وسوق تقنية المعلومات الذي يقدم الخدمة للقطاع الحكومي”.

وأشار إلى وجود قاعدة تقول أن الأولوية دائماً للعميل، ولذلك لابد من البدء برؤية المستخدم النهائي. إذ من المؤكد أن الحصول على الخدمات من منشأة مركزية يمكن أن يؤدي إلى تحرير الكوادر للقيام بعمليات ذات قيمة مضافة.

وأضاف: “على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي تحرير الموارد إلى تمكين مدراء إدارات تقنية المعلومات من نقل الكوادر بعيداً عن الأنشطة المتعلقة بالسلع، مثل إدارة أجهزة الخادم، إلى أنشطة تعمل على تمكين الأعمال، مثل بنية المشاريع enterprise architecture، ويمكن أن تتيح الوصول إلى جمهور أكبر قادر على الاستفادة من أفضل القدرات”. وحذّر من أن نموذج التشغيل المركزي يؤدي في كثير من الأحيان إلى وجود جزر منعزلة تحدث تغييراً في انسياب الخدمة ودمجها في بنية المهمات والبرامج، إذ يبتكر المستخدمون النهائيون عمليات ظل وحلقات عمل تقنية للاستجابة للطلب المحلي”.

أما من حيث المرونة، فأوضح الهليل أن منشأة تقنية المعلومات المركزية ستتمكن من أن توفر ممارسات أفضل في أمن المعلومات، ما يؤدي إلى تقليل مخاطر الحوادث، منبهاً في الوقت نفسه من أن ذلك يؤدي في المقابل إلى زيادة الآثار السلبية المحتملة للحدث.

كما لفت إلى أن مركزية تقنية المعلومات في القطاع الحكومي تستغرق وقتاً لإكمالها، بحيث أن التقنيات التي تم اختيارها، مثل الخوادم والبرمجيات المستخدمة لبناء مركز معلومات قائم على الحوسبة السحابية، تصبح قديمة، ما يدفع المزيد من المستخدمين النهائيين لابتكار عمليات ظل shadow processes.

وأضاف: “هذه القضايا تنطبق كذلك على عصر تقنيات المنصة الثالثة، وذلك لأن ساحة الابتكارات التقنية تكون أسرع مقارنة بعصر تقنيات أجهزة الحاسبات الكبيرة mainframe وتقنيات العميل-الخادم”.

وأفاد المهندس الهليل بأنه من منظور مقدم الخدمة المركزي، تكون هناك جاذبية لتحسين التكلفة والوصول إلى جمهور أكبر لبناء وشراء أنظمة وخدمات أكثر أماناً وأكثر اعتمادية وأفضل أداء.

واستدرك قائلاً: “على أي حال، فإن تحديات التنفيذ قد تكون قاسية وقد تزداد بشكل كبير مع مرور الوقت، كما قد ترتفع المبالغ الكبيرة المطلوبة للتنفيذ. وتشمل تحديات التنفيذ ضعف الحوكمة والنقص في قدرات إدارة البرامج بما يمكن من تطبيق التغيير التنظيمي والثقافي المطلوب لتفعيل اقتصاد الحجم والتخصص، والنقص في بنية المشاريع، وضعف وضع الأهداف الاستراتيجية ومحدودية الالتزام من جانب القيادة التنفيذية”.

وحذر من أن هذه القضايا قد تكون أكثر حدة في القطاع العام، حيث أدت المعارك السياسية إلى انحراف برامج المركزية أو برامج الخدمات المشتركة عن هدفها الذي وضعت من أجله، وأدت في بعض الحالات إلى إنهاء هذه البرامج، ومن بينها الخدمات المشتركة التي أطلقتها حكومة غرب استراليا في العام 2011.

وفيما يتعلق بسوق تقنية المعلومات، قال المهندس الهليل: “من المؤكد أن وجود مشترٍ كبير لأنظمة وخدمات تقنية المعلومات، بحيث يمكن خفض كلفة السلع المباعة، إلا أن الجانب السلبي هو أن مشتري تقنية المعلومات المركزي في القطاع الحكومي سيكون قادراً على الضغط بشكل كبير على البائعين فيما يتعلق بالأسعار، والنمو إلى عمليات بحجم كبير للغاية، مما يجعل من المستحيل للغالبية العظمى من الشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة إجراء أعمال مع تلك المنشأة المركزية.

وأضاف: “هذا الوضع بالمقابل يشكل إعاقة للجهة الحكومية، وذلك لأن العديد من هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي التي تنتج أفضل قدرات الابتكار في عصر المنصة الثالثة وهي أساس اقتصاد الدول”.

وأشار إلى أنه “يمكن للخدمات المشتركة المصممة بشكل جيد، والتي تشمل خدمات الحوسبة السحابية، أن تضيف قيمة لمستخدمي تقنية المعلومات في القطاع الحكومي في عصر التحول الرقمي الذي تدعمه تقنيات المنصة الثالثة، حيث تتكامل فعالية التكلفة وأنظمة أمن المعلومات وأداء تقنية المعلومات مع زيادة السرعة والمرونة بما يمكن من مواكبة الابتكارات والاستجابة لاحتياجات الابتكار”.

وهنا استدرك قائلاً: “ولكن بدلاً من التركيز على تطوير الخدمات وتنسيقها وعلى بنية الأعمال والحيوية، والتركيز على نموذج التشغيل المركزي ودمج أصول تقنية المعلومات بأكثر مما ينبغي، فإن التحول الرقمي في القطاع الحكومي سيتأثر بشكل سلبي”.

زر الذهاب إلى الأعلى