رأي وحوار

التقنية القابلة للإرتداء وسياسة الجلْد غير المُبررة التي تتعرض له !

بقلم : فراس اللو، عضو هيئة التحرير في البوابة العربية للأخبار التقنية

لا يُعتبر ظهور الأجهزة الذكية القابلة للإرتداء من الأمور حديثة العصر، حيث يُمكن اعتبار أن ظهورها بدأ منذ عام 2006 تقريبًا مع أجهزة السوار الذكي التي توفرها بعض الشركات مثل نايكي Nike والتي تقوم بمراقبة نشاط المُستخدم ونقل هذه البيانات إلى هاتفه الذكي.

ومع مرور الوقت، بدأت هذه التقنية بالتطور شيئًا فشيئًا، فظهرت نظارات جوجل Google Glass بنسختها الأولى، واستُخدمت على نطاق واسع في بعض المجالات المُتخصصة أهمها الرياضة، ففي عام 2014 استخدمت بشكل رسمي من قبل نادي أتليتيكو مدريد في بطولة الدوري الإسباني بعد شراكة عقدتها جوجل مع رابطة البطولة من أجل تطوير تطبيقات تُساعد المُدربين في الحصول على معلومات حيّة لكل لاعب في المباراة.

ربما لم يُحقق الجيل الأول من نظارة جوجل النجاح المتوقع وخصوصًا بين عُشاق التقنية، لكن حاله كحال أي منتج أولي يحتاج لوقت حتى يصل إلى المرحلة التي تكون الشركة المُصنّعة راضية أولًا عن مُنتجها، لتنقل هذا الرضا إلى بقية المُستخدمين مع تقديم تجربة استخدام مُميّزة.

وبعد نظارات جوجل، كثر الحديث عن الساعات الذكيّة وحصلت على هالة إعلامية كبيرة جدًا إذا ما قورنت ببقية أجهزة التقنية القابلة للإرتداء، حيث بادرت جوجل وكانت أول شركة تُطلق نظام تشغيل خاص بهذا النوع من الأجهزة وهو نظام أندرويد وير Android Ware الذي فسح المجال أمام الشركات لإنتاج ساعات ذكية، إلا أن هذه التجربة لم تكتمل إلا بعد إعلان شركة آبل عن نظامها الخاص وساعتها الذكية الخاصة بإعتبارها – إلى جانب جوجل – من مُحركي التقنية في وقتنا الراهن.

انتشرت الساعات الذكية وبدأت تجارب المُستخدمين بالظهور على الإنترنت، إلا أن سياسة الجلد الغريبة أثارت انتباهي جدًا خصوصًا أن هذه الأجهزة استفادت من الإمكانيات المتوفرة لها بأفضل طريقة مُمكنة – وهنا أتحدث من وجهة نظر تقنية.

وباعتبار الساعات الذكية أجهزة تقنية حديثة العهد، يُمكننا العودة بالذاكرة إلى انطلاق بعض الأجهزة الذكية الأُخرى ولعل من أبرزها الهواتف والحواسب اللوحية، ففي ظل انتشار واستخدام أجهزة الحاسب التقليدية، بدأت الهواتف بالظهور، وكانت وظيفتها تقتصر على إجراء المكالمات وارسال واستقبال الرسائل القصيرة.

بدأ التطور يصل إليها شيئًا فشيئًا، فحصلت على شاشات مُلونة، ثم بدأت تُشارك الحاسب بوظائفه والتي من أبرزها تصفّح الإنترنت والبريد الإلكتروني، ولم تقف عند هذا الحد، بل مع مرور السنين، أصبح بالإمكان قراءة وتعديل مُستندات أوفيس وتثبيت بعض الألعاب المُتطورة جدًا، إلا أن هذه الميزات جميعها لم تجعل الهواتف قادرة على الحلول مكان الحاسب، وعلى الرغم من هذا كُله لم تهاجم أو تُوصف بأنها أجهزة فاشلة كما هو حال الساعات الذكيّة.

وبعد مرور 8 أعوام على الإعلان عن الجيل الأول من جهاز آيفون الذي اعتبره شخصيًا أول جهاز ذكي وأول من قلب مفهوم الهواتف رأسًا على عقب، يُمكننا مُراقبة الحال الذي وصلت إليه هذه الأجهزة، فهي على الرغم من تطورها الكبير إلا أنها تبقى في النهاية أجهزة هاتف، وأصبح بإمكاننا الآن القول أن الهاتف الذكي مكّن الكثير من المُستخدمين من الإستغناء عن الحاسب، حاله كحال الحواسب اللوحية أو أجهزة الهواتف-الحواسب الهجينة Phablet التي وصلت إلى درجة كبيرة من التطور بفضل تقنياتها وتطبيقاتها وأصبح من المُمكن الإستغناء عن الحاسب والإعتماد عليها بشكل كامل.

إذًا، فدورة حياة أجهزة الهاتف المحمول التي بدأت مع بداية تسعينات القرن الماضي استغرقت أكثر من 15 عام حتى تمكّن المُستخدم من استخدامها بشكل كامل لإتمام مُعظم وظائفه الرقمية اليومية.

وبالعودة إلى الساعات الذكية والإطلاع على رأي مُستخدميها نجد أن مُعظم الحجج قائمة على فكرة أنه لا فائدة منها لأنها لا تُغني عن استخدام الهاتف الذكي، ضاربين عرض الحائط جميع القيود الموجودة مثل الحجم، الوزن، مساحة الشاشة والبطارية، فلو كانت هذه الأجهزة تُقدم شاشة أكبر وتقنيات تجعلها مُستقلة وكانت أثقل، لتحجج البعض أن هذه الأجهزة ثقيلة ولا تصلح لأن تُلبس في معصم اليد !

لذا فأنه من المُبكر جدًا أن يتم تقييم الساعات الذكية والتطلع إليها على أنها أجهزة تُغني عن الهاتف الذكي، فهي وجدت لكي تكون مُكمّل له وليس للإستغناء عنه، ونحن بحاجة للانتظار فترة عاميين أو ثلاثة على الأقل حتى نرى الشكل التقني الذي يُمكن أن تأخذه، خصوصًا أن الشركات المُطورة لها تاريخ طويل في تطوير الأجهزة الذكية وبالتالي يُمكنها الإستفادة من تجاربها السابقة، وعوضًا عن حاجتها إلى 15 عام للوصول إلى شكل مقبول بالنسبة للكثيرين، ربما لن تستغرق الفترة 5 أعوام على الأكثر.

سابقًا كانت الساعات الذكية تأخذ اتصال الإنترنت من الهاتف المُتصلة به، لكن جوجل الأسبوع الماضي أضافت دعمًا لاتصال واي-فاي Wifi يتم عن طريق الساعة بشكل مُباشر وبالتالي بعد عام كامل من إطلاق أندرويد وير بشكل رسمي، تمت إضافة ميّزة هامة بعد الاستفادة من تجارب الاستخدام حول العالم، وأصبح من الممكن أن تقوم بوظيفة إضافية – وهامّة – دون الإستعانة بالهاتف، وهذا بدوره كفيل لإزاحة الهالة الموجودة حول هذه الأجهزة التي ومع الوصول إلى عام 2017 ستأخذ شكلها التقني النهائي لتتطور بناءً عليه من وجهة نظر شخصية.

في النهاية، الوقت الذي يتطلبه تطوير هذه الأجهزة تتحكم به عدّة عوامل أهمها تجربة الاستخدام، فمثلما تم نقل تجربة الاستخدام من شاشات الحواسب الكبيرة إلى شاشات الهواتف الذكية والهجينة، يجب إعطاء المُطورين الوقت الكافي لنقل تجربة الاستخدام من شاشات الهواتف إلى شاشات الساعات الذكيّة، فالمبدأ واحد لكن القيود أكبر.

زر الذهاب إلى الأعلى